{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النِّسَاءِ: 51] . قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ: الْجِبْتُ السِّحْرُ1. وَفِي"صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مِمَّ هَذَا؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي، فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ2.
وَالْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكُلِّ قَادِرٍ أَنْ يَسْعَى فِي إِزَالَةِ هَؤُلَاءِ الْمُنَجِّمِينَ وَالْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ وَأَصْحَابِ الضرب بالرمل والحصى والقرع والقالات3، وَمِنْعِهِمْ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْحَوَانِيتِ وَالطُّرُقَاتِ، أَوْ يَدْخُلُوا عَلَى النَّاسِ فِي مَنَازِلِهِمْ لِذَلِكَ, وَيَكْفِي مَنْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَلَا يَسْعَى فِي إِزَالَتِهِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ, قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الْمَائِدَةِ: 79] . وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاعِينُ يَقُولُونَ الْإِثْمَ وَيَأْكُلُونَ السُّحْتَ، بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ, وَثَبَتَ فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4، أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ"5.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْخَارِجَةَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ مِنْهُمْ: أَهْلُ تَلْبِيسٍ وَكَذِبٍ وَخِدَاعٍ، الَّذِينَ يُظْهِرُ أَحَدُهُمْ طَاعَةَ الْجِنِّ لَهُ، أَوْ يَدَّعِي الْحَالَ مِنْ أَهْلِ الْمُحَالِ، مِنَ المشايخ النصابين، والفقراء الكاذبين، وَالطُّرُقِيَّةِ الْمَكَّارِينَ، فَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ عَنِ الْكَذِبِ وَالتَّلْبِيسِ, وَقَدْ يَكُونُ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ، كَمَنْ يَدَّعِي النبوة بمثل هذه
1 في الأصل: السحرة، وكلاهما مستقيم.
2 صحيح، وهو في"مناقب الأنصار""3842"مع شيء من الاختصار.
3 في الأصل: الفالات أو الغالات.
4 قال عفيفي: انظر ص422 ج2 من"مجموع الفتاوى"لابن تيمية.
5 صحيح، وهو مخرج في المشكاة""5142"."