فهرس الكتاب
الصفحة 373 من 536

عَنْهُ لَمَّا حُصِرَ صَلَّى بِالنَّاسِ شَخْصٌ، فَسَأَلَ سَائِلٌ عُثْمَانَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَهَذَا الَّذِي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: يابن أَخِي، إِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْسَنِ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنُوا فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ1.

وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ، فَإِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ إِنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً وَفُجُورًا لَا يُرَتَّبُ إِمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التعزير حتى يتوب، فإن أَمْكَنَ هَجْرُهُ حَتَّى يَتُوبَ كَانَ حَسَنًا، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكِرِ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ ذَنْبِهِ, فَمِثْلُ هَذَا إِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَلَمْ تَفُتِ الْمَأْمُومَ جُمْعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ, وَأَمَّا إِذَا كَانَ تَرْكُ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ يُفَوِّتُ الْمَأْمُومَ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ إِلَّا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ, وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ رَتَّبَهُ وُلَاةُ الْأُمُورِ، لَيْسَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ، بَلِ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَفْضَلُ2، فَإِذَا أَمْكَنَ الْإِنْسَانُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مَظْهَرًا لِلْمُنْكَرِ فِي الْإِمَامَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لَكِنْ إِذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ صَرْفُهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، أَوْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ عَنِ الْإِمَامَةِ إِلَّا بِشَرٍّ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ مَا أَظْهَرَ مِنَ الْمُنْكَرِ-: فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفَسَادِ الْقَلِيلِ بِالْفَسَادِ الْكَثِيرِ، وَلَا دَفْعُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ بِحُصُولِ أَعْظَمِهِمَا، فَإِنَّ الشَّرَائِعَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ, فَتَفْوِيتُ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِالْإِمَامِ الْفَاجِرِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهَا لَا يَدْفَعُ فُجُورًا، فَيَبْقَى تَعْطِيلُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ.

وَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ. وَحِينَئِذٍ، فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَهُوَ مَوْضِعُ اجتهاد

1 أخرجه البخاري في"الأذان"، وهو في"المختصر"برقم"384".

2 قال عفيفي: انظر ص342 - 360 ج23 من"مجموع الفتاوى".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام