فهرس الكتاب
الصفحة 115 من 536

وَيَجْعَلُونَ هَذَا غَايَةَ الْحِكْمَةِ وَنِهَايَةَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ، وَيُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ, وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ"1، فَإِذَا كَانُوا يَنْفُونَ الصِّفَاتِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَخَلَّقُ الْعَبْدُ عَلَى زَعْمِهِمْ؟! وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَعَالَى، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، لَكِنَّ الْمُخَالِفَ فِي هَذَا النَّصَارَى وَالْحُلُولِيَّةُ وَالِاتِّحَادِيَّةُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى, وَنَفْيُ مُشَابَهَةِ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لَهُ، مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. فَلِذَلِكَ اكْتَفَى الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ بقوله ولا يشبهه الْأَنَامَ, وَالْأَنَامُ: النَّاسُ، وَقِيلَ، كُلُّ ذِي رُوحٍ، وَقِيلَ: الثَّقَلَانِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [سورة الرَّحْمَنِ: 10] , يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ:"حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ".

ش: قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [سورة الْبَقَرَةِ: 255] ، فَنَفْيُ السِّنَة وَالنَّوْمِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {الم، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} . وقال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [سورة طَه: 111] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الْفُرْقَانِ: 58] . وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سورة غافر: 65] , وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ"2، الْحَدِيثَ.

لَمَّا نَفَى الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّشْبِيهَ، أَشَارَ إِلَى مَا تَقَعُ بِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ, فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى، دُونَ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُمْ يَمُوتُونَ, وَمِنْهُ: أَنَّهُ قَيُّومٌ لا ينام، إذ هو مختص

1 لا نعرف له أصلا في شيء من كتب السنة، ولا في"الجامع الكبير"للسيوطي، نعم أورده في كتابه"تأييد الحقيقة العلية""ق89/ 1"، لكنه لم يعزه لأحد!

2 رواه مسلم وابن ماجه وأبو سعيد الدارمي في"الرد على الجهمية"وقد قام بطبعه المكتب الإسلامي، وهو طرف من حديث أبي موسى الأشعري، وسيأتي بتمامه"رقم 171".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام