للإمامة.
والجواب أن القصاص لم يثبت في تلك الصور، لأن ورثة الهرمزان لم يكونوا في المدينة بل كانوا في فارس، ولما أرسل عليهم عثمان لم يحضروا المدينة خوفا كما ذكر المرتضى في بعض كتبه. [1] وشرط حضور جميع ورثة المقتول كما ذهبت إليه الحنفية، فلم يبق إلا الدية، وقد أعطاها من بيت المال لا من القاتل، ولأن بنت أبي لؤلؤة كانت مجوسية وجفنة كان نصرانيا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - «لا يقتل مسلم بكافر» [2] وهذا ثابت عندهم. [3] على أنه لو اقتص عثمان من عبيد الله لوقعت فتنة عظيمة لأن بني تيم وبني عدي كانوا مانعين من القتل، وكانوا يقولون لو اقتص عثمان من عبيد الله لحاربناه، ونادى عمرو بن العاص وهو رئيس بني سهم فقال: أيقتل أمير المؤمنين أمس ويقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبدا. [4] وهذا كما ثبت عندهم من أن الأمير لم يقتص من قتله عثمان خوفا من الفتنة. [5]
ومنها أن عثمان غير سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه صلى اربع ركعات في منى مع أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر الصلاة الرباعية في سفره دائما. وقد أنكر عليه الجماعة من الصحابة ذلك الفعل. [6]
والجواب أن عثمان ما كان إذ ذك مسافرا لأنه تزوج في مكة وتبوأ منزلا فيها وأقام في تلك البقعة المباركة، ولما طلع الأصحاب على حقيقة الحال زال عنهم الإنكار والإشكال. [7]
ومنها أن عثمان قد وهب لصحابه ورفقائه كثيرا من أراضى بين المال وأتلف حقوق المسلمين.
والجواب أنه كان يأذن لهم بإحياء أراضي الموات، ومن يحيى الموات فهي له لقوله عليه الصلاة والسلام: «موتان الأرض لله ولرسوله فمن أحيا منها شيئا فهو له» [8] ولم يهب لأحد أرضا معمورة مزروعة كا يعلم ذلك من التاريخ. [9]
(1) ذكره صاحب نهج الحق: 298. لكن في رواية للطبري في تاريخه (5: 43 - 44) عن سيف بن عمر عن أشياخه أن القماذ بن الهرمزان دعاه عثمان وامكنه من عبيد الله فقال القماذ باذ «تركته لله ولكم» . وانظر تفاصيل ذلك في التعليقات على (العواصم من القواصم) ص 106 - 108.
(2) البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(3) رواه الطوسي في الاستبصار: 4/ 170؛ ابن البطريق، العمدة: ص 314.
(4) وردت في تاريخ الطبري دون التصريح باسم عمرو بن العاص.
(5) قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 9/ 293.
(6) قال الحلي في نهج الحق: ص 301.
(7) أخرج أحمد في مسنده من رواية عبد الرحمن بن أبي ذباب أن عثمان قال: «يا أيها الناس إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تأهل ببلد فليصلِّ صلاة المقيم» .
(8) البيهقي في السنن الكبرى: 6/ 143، رقم 11564.
(9) قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في متاب (الخراج) ص 61 صبع المطبعة السلفية: وقد اقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتألف على الإسلام أقواما وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا أن في إقطاعه صلاحا (وضرب أبو يوسف الأمثلة على ذلك) . وانظر باب القطائع ص 77 - 78 من كتاب (الخراج) ليحيى بن آدم القرشي طبع السلفية أيضا. وذكر الإمام الشعبي بعض الذين اقطعهم عثمان فقال: «واقطع الزبير، وخبابا، وعبد الله اب نمسعود، وعمار بن ياسر، ابن هبار. فإن يكن عثمان أخطأ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا» (انظر الطبري 4: 148) . وأقطع علي بن ابي طالب كردوس بن هاني (الكردوسية) ، وأقطع سويدا بن غفلة أرضا لدا ذويه. فكيف ينكرون على عثمان ويسكتون عن عمر وعلي؟ وللقاضي أبي يوسف كلام سديد في هذا الموضوع في كتاب (الخراج) ص 60 - 62.