الصفحة 107 من 882

ثم نقول لهم: بم تنكرون على من يزعم أن الروح الآتي والنداء ليس هو لعيسى بل هي لأستاذه الذي عَمَّده هو يحيى بن زكريا؟! لأنه بشهادة الإنجيل أفضل منه إذ هو الذي امتلأ من روح القدس وهو جنين في بطن أمه ثم نشأ سيداً وحصوراً1.

وقد قلتم في إنجيلكم:"إن يوحنا هذا لا يأكل ولا يشرب ولا يتناول خمراً ولا مسكراً2 ولا يلبس سوى جلود الحيوان3 وأنه انتهض قبل المسيح إلى الدعاء إلى الله وعمد الخلق حتى عمَّد المسيح فيمن عمد."

فأما المسيح فلم تأته الروح - في قولكم - إلاّ بعد الثلاثين سنة من عمره على يد يوحنا، ولم يتصف بما اتصف به يوحنا شيخه وأستاذه بل أكل الخبز واللحم وشرب الخمر في زعمكم وحضر الدعوات4 وتناول نفائس الطعام، وصبت عليه امرأة دهنا قيمته ثلاثمائة مثقال فلم ينكر عليها5، كل ذلك يشهد به إنجيلكم.

وإذا كان الأمر على ما وصفتم من حال الرجلين سلام الله عليهما فلا خفاء بكونه أفضل منه، وإذا ثبتت أفضلية يوحنا فمن أين لكم أن الروح الآتي والنداء المسموع لم يكن ليوحنا؟ فدلوا أنتم على أن ذلك كان للمسيح، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلاً.

1 يقال ساد القوم يسودهم، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلاً في نفسه:"سيد"وعلى ذلك قوله: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} . [سورة آل عمران، الآية: 39] . أما الحصور فإنه الذي لا يأتي النساء إما من العنة وإما من العفة والاجتهاد في إزالة الشهوة، والثاني أظهر في الآية؛ لأن بذلك يستحق المحمدة. ر: المفردات للراغب الأصفهاني ص 120، 247.

2 لوقا 7/33.

3 مرقس 1/6.

4 يوحنا الإصحاح الثاني.

5 متى 26/7-12، مرقس 14/3-8، ولم يرد فيهما ذكر قيمة الطيب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام