الثانية عشرة: قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وهنا تصريح بأن ما قننوه إنما هو ما تصف ألسنتهم الكذب افتراء على الله، وأنهم بذلك لا يفلحون ثم يثبت أنهم يمتعون قليلاً ثم يعذبون العذاب الأليم. وهذا واضح في تباعد صفاتهم من صفات من له حق التحليل والتحريم وفرض الحكم والزام الطاعة.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} . وهذا على قصد التعجيز عن بيان مستند التحريم.
فهذه الآيات كلها التي ساقها فضيلته حفظه الله في بيان من له حق الحكم والتشريع، وأن أخص ما فيها أنه تعالى له مقاليد السموات والأرض والخالق الرزاق الدائم الباقي العلي الكبير. يقلب الليل والنهار وتمت كلمته صدقاً وعدلاً، وما يكون من غيره كذب وافتراء، ولا يقيمون عليه شهادة ولا يفلحون ولهم عذاب أليم.
ومن أهم ما يلفت النظر في هذه النصوص أنه تمت كلمته تعالى صدقاً وعدلاً؛ لأنها من عالم السر وأخفى يعلم غيب السموات والأرض لا تخفى عليه خافية .. وكلمات غيره افتراء وكذب مضطربة متغيرة ومبدلة من وقت لآخر. كما أن أولئك لا يفلحون بتشريعاتهم وغايتهم يمتعون قليلاً ولهم عذاب أليم. حتى لو ادعوا استقامة أمرهم وسلامة أوضاعهم في نظرهم فإن ذلك كله مؤقت ومتاع فإذا جاؤوا إلى الله كان لهم العذاب الأليم. وأي قيمة في متاع قليل يعقبه عذاب أليم.
بينما تشريع الله تعالى فيه سعادة الدنيا وفلاح الآخرة كما في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} .
حتى قيل: إن الله ضمن لمن اتبع هداه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ونحوها قوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاًً لِنَفْتِنَهُمْ فِيه} أي بالعمل. {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} . كما حكم على من أعرض عن ذكره بالعكس {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} . لأن الأول يسير على هدى من الله ونور، والثاني يتخبط في دياجير الجهل على ما سيأتي بيانه إن شاء الله عند المقارنة بين الجانبين في بيان محاسن الشريعة الآتي ...