ولو تأملنا بعض مقالات الأولين في معنى الشريعة، لوجدنا أنها حقاً تسع الدين بتمامه والملة بأكملها .. فقوانين الشريعة وأحكامها، هي كل ما جاء في ملة الإسلام، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:"الشريعة هي الهدى"، وقال قتادة:"هي الأمر والنهي والحدود والفرائض"، وقال مقاتل:"هي البينة (المذكورة في سورة البينة) "، وقال ابن العربي:"الشريعة هي الطريقة من الدين وهي ملة الإسلام". (انظر هذه الأقوال في تفسير القرطبي للآية 8 من سورة الجاثية) المسماة أيضاً بسورة الشريعة.
لذلك فإن ما نقصده من الدعوة إلى تطبيق الشريعة، هو أن تجد من يحييها ويحميها وينميها في حياة الأفراد والمجتمعات، بشكل شامل ومتوازن، ليس فيه تبعيض من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، أو تبديل من يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، أو تحريف من يقولون على الله ما لا يعلمون.
ليس المقصود إذن بالدعوة إلى تحكيم الشريعة وتطبيقها، ذلك المفهوم القاصر الذي يقصرها على تنفيذ بعض أحكام العقوبات الجنائية على بعض الفئات الاجتماعية، فهذه الأحكام وإن كانت داخلة ضمن الشريعة؛ إلا أنها جزء من منظومتها المتكاملة، الكفيلة برفع ظلم ونشر العدل، وتثبيت المساواة الواقعية وإقرار الحريات المسئولة، حيث لا يُقدم على الانحراف بعدها إلا منحرف، ولا يزيغ عنها إلا معوج يحتاج إلى تقويم.
إن الشريعة إيمان بالله .. يترجمه الإسلام إلى أمر الله .. الشريعة عدل .. الشريعة مساواة .. الشريعة طهر .. الشريعة عفاف .. الشريعة أمانة .. الشريعة اتحاد القوة، والشريعة اقتصاد الوفرة .. الشريعة سياسية مسؤلة وعدالة مكفولة، واحترام للجار وعدم الاعتداء على الغير، في الشريعة حرمة الدماء وحفظ الأعراض وكف الأذى والحفاظ على الأموال، والأوطان، والمصالح.