الحمد لله بيده الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يعز من وحدوه، ويذل من جحدوه، وبالعبادة الحَقَّةِ لم يُفردوه، وبخلقه ومملوكاته عَدَلُوه.
وبعد:
فقد جرت سنة الله في عباده أن يَنْصر ويُعز من آمن به ووحَّده، ويخذل ويذل من أشرك به، وقد قرر القرآن هذه القاعدة في أكثر من موضع من آياته المحكمات، وفي أكثر من جماعة من الجنس البشري عبر قافلة الزمان.
فقد قررها مع المشركين عبدة العجل في زمن موسى عليه السلام وأذلهم حيث قال تعالى في سورة الأعراف: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} [الأعراف:52] .
يقول ابن كثير في تفسيرها: (أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في الدنيا في عبادة العجل فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضًا، {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم} [البقرة:54] ، وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلة وصغارًا في الحياة الدنيا، وقوله وكذلك نجزي المفترين) .
قال الحسن البصري: (إن ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغلات وطقطقت بهم البراذين) .
وقال سفيان بن عيينة: (كل صاحب بدعة ذليل) [1] .
وأقول: إذا كان الله ضرب الذلة على عبدة العجل ونالهم غضبُ الله وجعل الله هذا عقابًا لكل مفترٍ مثلهم، فقال تعالى: {وكذلك نجزي المفترين} .
وأصابهم ما ذكر في الآية رغم أن فيهم موسى عليه السلام الذي حَرَّقَ العجلَ ونَسَفَهُ في اليم نَسْفًا وعاقب السامريَّ صاحب البدعة وأزال المنكر.
فإذا أرادت الأمة الإسلامية عزًا ورفعةً وإزالة للذل عنها فعليها أن تزيل من ديارها كل معبود غير الله تعالى، فكم من قرية ومدينة ونجع فيها ضريح وقبة لولي أو لغير ولي يُنذر له النذور، ويُطاف به كما لو كان بيت الله الحرام ويُحج كل عام ويُسأل من دون الله تعالى، ويُطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، ويُعكف حول هذا القبر مثل عكوف بني إسرائيل على عجلهم.