الصفحة 1 من 2

(فقد تناول فيه آيات الصفات وأحاديثها، وأنها تمر كما جاءت, دالة على معانيها اللائقة بجلال الله, من غير تأويل ولا تكييف, وهذا هو الوارد عن السلف في آيات الصفات أنهم قالوا: أمروها كما جاءت, دالة على معانيها. فتفويض السلف هنا, هو تفويض كيفٍ لا معنى. أعني: أن السلف يثبتون لله الأسماء والصفات دالة على المعنى العربي المخاطب به العربي الصحيح العاقل لمعاني الكلام مع التصريح بوجود الكيف، مع جهلنا به كما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها، والإمام مالك رحمه الله، لما سئلا عن صفة الاستواء فقالا:"الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة"، وهناك من الأشاعرة من يقول ليس لله يد أو عين .. لأنه تعالى لم يقل: لي يد أو لي عين, كما قال سميع بصير, فنحن نثبت السمع والبصر ولا نثبت اليد أو العين .. ) .

أرجوا منكم شرح هذا الكلام بشيء من الإسهاب .. وشكرا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فاعلم يا أخي المسلم؛ أن موضوع آيات الصفات وأحاديثها قد ضل فيه كثير من أهل القبلة، وهدى الله فيها أهل السنة والجماعة من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، حيث إنهم اعتقدوا أن لله سبحانه وتعالى أسماء حسنى وصفات عليا، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] .

فهم يؤمنون بها وبأن لها معاني حقيقية لائقة بجلال الله سبحانه، وأن صفات الله لها كيفية لا نعلمها، وهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل هو سبحانه كما أخبر عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . فاشتملت هذه الآية على إثبات الصفات لله عز وجل، ونفي المماثلة والمشابهة للخلق في صفاته.

قوله (إنها تمر كما جاءت ... ) ؛ يعني أمروها بلا كيف ولا نتعرض لكيفيتها لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل، قال الطحاوي: (نمرها كما جاءت ونؤمن بها ولا نقول كيف وكيف) . هذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

وقوله (دالة على معانيها اللائقة بجلال الله من غير تأويل ولا تكييف) ؛ يعني أن صفات الله عز وجل تدل على معاني تليق بجلال الله وعظمته، فمثلاً يقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . فصفة الاستواء لها معنى ثابت وهو العلو والفوقية والاستقرار على الشيء، تقول: استوى الرجل على سطح البيت، أي علا واستقر فوقه، والله عز وجل عال على عرشه، بائن عن خلقه.

وإثبات صفات الله عز جل على الوجه اللائق به يستلزم نفي أربعة أشياء، كما جاء ذلك في كتاب"العقيدة الواسطية"حيث قال: (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصف به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل) .

وهذه الأربعة هي كالتالي:

الأول: التأويل بمعنى التحريف، كما عبر به شيخ الإسلام، وهو أولى لوجوه:

الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن. قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] ، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى من غيره، لأنه أدل على المعنى.

الوجه الثاني: أن التأويل ليس مذموما كله، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] .

فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل. فالتأويل قد يكون ممدوحا، وقد يكون مذموما، بخلاف التحريف فكله مذموم، ولأنه أشد تنفيرا عن هذه الطريقة المخالفة لطريق السلف.

الثاني: التكييف: وهو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا نقول: كيَّف يكيّف تكييفا، أي ذكر كيفية الصفة، والتكييف يسأل عنه بـ"كيف"فإذا قلت مثلا: كيف جاء زيد؟ تقول: راكبا إذا كيفت مجيئه.

وأهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله مستندين في ذلك إلى الدليل السمعي، والدليل العقلي.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام