بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويفعل ما يريد قسم خلقه بحكمته إلى شقي وسعيد، وأشهد أن لا إله إلا هوولا رب سواه العزيز الحميد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ... أما بعد:
فإن أهم المهمات وأعظم الواجبات ما تنال به السعادة التي لا انقطاع لها والنعيم الذي لا فناء له ولا نفاد، وبفقده يحصل الشفاء الأبدي، والعذاب السرمدي. ألا وهوالإيمان بالله الذي أرسلت به الرسل. تدعوإليه وتجاهد عليه، وتبشر من قَبلَه وتحلّى به، وتنذر من أباه وتخلّى عنه، وقبل الكلام على الإيمان ولوازمه ومقتضياته وثمراته لا بد من ذكر حده وتفسره؛ لأن حدود الأشياء التي تفسرها وتوضحها تسبقها وتتقدم أحكامها؛ لأن الحكم على الشيء فرع على تصوره، فمن حكم على شيء قبل معرفته به، المعرفة التامة أخطأ ولا بد. فأقول:
حد الإيمان: هوالتصديق الجازم التام الذي لا يعتريه ريب أوتردد بجميع ما أمر الله تعالى به العباد، والانقياد لذلك ظاهراً وباطناً فهوتصديق القلب واعتقاده وتسليمه لله تعالى المتضمن جميع أعمال القلوب المأمور بها شرعاً وأعمال الجوارح فيدخل فيه الدين كله.
ولذلك كان الأئمة يقولون: هوقول اللسان وعمل القلب والجوارح، فهواعتقاد وقول، وعمل يزيد بطاعة الله وينقص بمعصيته، فيدخل فيه علم القلب وعمله وقول اللسان وعمل البدن من العبادات والأخلاق.
قال الشافعي: رحمة الله تعالى: (( كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزى واحد من الثلاثة إلا بالآخر، ويزيد وينقص، لا خلاف فيه عند أهل السنة وإنما خالف فيه أهل البدع ) )ذكره عنه شيخ الإسلام في كتاب الإيمان [1] ، وقال: إنه ذكر ذلك في كتاب الأم في الكلام على النية في الطهارة، فأصل الإيمان الإقرار والاعتراف بما لله على العبد من الحق الخاص - وهوالتأله والتعبد له ظاهراً وباطناً
(1) الفتاوى 7/ 209 (كتاب الإيمان) .