فكان أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعلم بتأويل القُرآن، وبفهْم الاعتقاد، ومعرفة الآيات فيما نزلت، وما المراد بها، ومَن يدخل فيها ومَن لا يدخل، كلُّ هذا أعرض عنه الخوارج، وتمسَّكوا بفهمٍ قاصرٍ، فابتدعوا في دِين الله بِدَعًا كثيرة، وفرَّقوا الأمَّة، وخرَجوا على المسلمين بالسيف، فكانت بدعتهم من أشدِّ البدع في الإسلام.
وافتتحوا باب البدع، فظهر غلاة الشيعة، بظهور اليهوديِّ عبدالله بن سبأ، وتبعتهم القدرية، فظهروا أوَّل ما ظهروا في البصرة، وردَّ أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على كلِّ بدعةٍ ظهرت في عصرهم، وأمروا المسلمين بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة ومنهجهم، منهج الصحابة في مسائل الدِّين.
ولكن لم يتمسَّك كلُّ المسلمين بما أمَر أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل انحرَفَ كثيرٌ منهم إلى بِدَعٍ وضَلالاتٍ ما أنزَل الله بها من سُلطان، فما يأتي زمانٌ إلا وتظهر فيه بدعةٌ لم تكن من قبلُ، إلى زماننا هذا.
وقد ألَّف كثيرٌ من العلماء الأوَّلون كتبًا كثيرة في بيان السُّنَّة الواجب اتِّباعها، والنهي عن البِدَعِ التي أحدَثَها المبتدعة، فظهرت مُصنَّفات باسم"السُّنَّة"واسم"الشريعة"ونحوهما، يقصد أصحابها بَيان العقيدة الصحيحة، والرد على البدع التي ظهَرتْ في زمانهم، وذكروا فيها الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة ومَن تبعهم في مسائل الاعتقاد، وأنها هي الواجب اعتقادها وترك ما سواها.
وقد كتب أولئك العلماء كتبهم على منهج المحدِّثين، بذكر إسناد كلِّ حديث أو قول، وجمعوا في كلِّ بابٍ من أبواب الاعتقاد ما وصَل إليهم، أو ما اختاروه من الأحاديث والآثار، فتجد في بعض هذه الكتب من الأحاديث والآثار ما لا تجده في الكتاب الآخَر.
ولَمَّا كان جيلُ الصحابة - رضِي الله عنهم - أفضل الأجيال، وأعلمها بدين الله - عزَّ وجلَّ - فإنَّ فهمهم للدِّين هو الفهم الصحيح الواجب اتِّباعه؛ ولذلك كان من أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة اتِّباع ما كان عليه أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كلِّ أمورهم، والتمسُّك بهديهم ومِنهاجهم، والتحذير من مخالفتهم.
قال الإمام أحمد بن حنبل:"أصول السُّنَّة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أصحابُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والاقتداء بهم ..." [1] .
(1) يأتي تخريجه ص 34.