الذين أسلموا في مكة مثل سهيل بن عمرو، و أيضاً أعطى أبا سفيان كذلك، هذا منه تألف عليه الصلاة و السلام، و أعطى العباس بن مرداس، و أعطى عيينة بن حصن و غيرهم من الأعراب و ترك الأنصار فوجدوا في أنفسهم فقال - صلى الله عليه وسلم:"أما ترضون أن يذهب بالشاة و البعير و ترجعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ثم ذكر فضائلهم و مناقبهم فما تركهم إلا لفضلهم فالحاصل أنه لما اجتمع مع الإسلام في الذكر فُسر هذا بكذا و هذا بكذا.
ثم قال: صدقت. و إفراده هنا قوله: و تؤمن بالقدر: كرر فعل تؤمن مع القدر وحده، تؤمن بالله، و ملائكته، و كتبه، و رسله، واليوم الآخر كلها بالعطف على نية تكرار العامل لكن هنا صرح بالعامل و تؤمن بالقدر خيره و شره قالوا: لأهمية القدر و عظمته؛ و لأنه سيأتي ممن ينتسب للإسلام من يتكلم في القدر يعني من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل القبلة، أما الأركان الأخرى الخمسة فلم يأت من يتكلم فيها أو يجادل، و الإيمان بالله يعني في الجملة بوجود الله عز و جل و ألوهيته و ما أشبه ذلك مما يتعلق به، لا ترى مؤمناً أو مسلماً من أهل القبلة يجادل في هذا صريحاً، و هكذا الملائكة، و الكتب، و الرسل، و اليوم الآخر لكن القدر جاء من يجادل مجادلة صريحة فلذلك صرح معه بذكر العامل.
قال: فأخبرني عن الإحسان: قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ... و قد تقدم الكلام عن الإحسان و أنه غاية الإخلاص و غاية المتابعة كما قال - صلى الله عليه وسلم:"عن الله كتب الإحسان على كل شيء"إلى آخر الحديث، و لكنه في باب العقائد يراد به غاية الإخلاص و التجرد و المراقبة بحيث يصير العبد كأنه يشاهد الله عز و جل بعين البصيرة و القلب لا بعين البصر كما قال:
إذا سكن الغدير على صفاء ... و جنب أن يحركه النسيم
كذاك قلوب أرباب التجلي ... يُرى في صفوها الله العظيم
يشف القلب و تزول الحجب و الموانع و يحلق في ملكوت و آفاق و رحاب العبادة حتى كأنه يرى الله عز و جل يشف القلب و يصقل حتى يصير كالصفا أبيض لا تضره فتنة، و لهذا جزاؤه أنه يرى يوم القيامة ربه بعين البصر كما رآه بعين البصير {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} الإحسان {الْحُسْنَى وَزِيَادَة ٌ} أجمع العلماء ... و المفسرون أنها النظر إلى وجهه الكريم سبحانه و تعالى بعكس من رانت الشبهات و الشهوات و الحجب