هي من أعمال المدينة، تقع شمالي نجد وهي طرف من أفواه الشام، بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة.

أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدنو إلى أداني الشام، وقيل له: إن ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعا كبيرا وأنهم يظلمون من مر بهم، وكان لها سوق عظيم وهم يريدون أن يدنوا من المدينة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فخرج في ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل له من بني عذرة يقال له: مذكور، هاد خريت.

فلما دنا من دومة الجندل، أخبره دليله بسوائم بني تميم، فسار حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد فيها أحدا، فأقام بها أياما، وبث السرايا ثم رجعوا، وأخذ محمد بن سلمة مسلمة رجلا منهم فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.


اختلف العلماء في وقت وقوع هذه الغزوة، والأصح والأظهر أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وذهب إلى هذا القول الذهبي، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم.

فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية.

فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع.

من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم، ونفل الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه.

وقد كان من بين السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم، فأسلمت وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فكانت من أعظم الناس بركة على قومها.


بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق -وهم بطن من قبيلة خزاعة الأزدية اليمانية- يجمعون لقتاله، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار؛ فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: (المريسيع)، ولذلك تسمى هذه الغزوة أيضا: بغزوة المريسيع.

فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه، وكان فيمن سبي جويرية رضي الله عنها بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءته تستعينه في كتابتها، وجعل صداقها رضي الله عنها أربعين أسيرا من قومها، فأعتق الناس ما بأيديهم من الأسرى؛ لمكان جويرية رضي الله عنها.

وأثناء الرجوع من هذه الغزوة تكلم أهل الإفك بما تكلموا به في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سموات.

وفيها أيضا قال ابن أبي ابن سلول قولته: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل!"، فسمعه زيد بن أرقم، ونزلت سورة "المنافقون".


كان سبب هذه الغزوة هو إجلاء يهود بني النضير من المدينة؛ حيث إن الحسد والحقد قد تمكنا من قلوبهم، مما جعلهم يضمرون العداء ويتحينون الفرص للتشفي ممن طردهم من المدينة وما حولها.

ولما لم يستطع يهود خيبر وخاصة بني النضير مجابهة المسلمين لجأوا إلى أسلوب المكر والتحريش.

وقد ذكر ابن إسحاق بسنده عن جماعة: أن الذين حزبوا الأحزاب نفر من اليهود، وكان منهم: سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، فلما قدموا على قريش، دعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه، قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه !!! واختلف العلماء في زمن وقوع هذه الغزوة، فمال البخاري إلى قول موسى بن عقبة: إنها كانت في شوال سنة أربع، بينما ذهبت الكثرة الكاثرة إلى أنها كانت في سنة خمس، قال الذهبي: وهو المقطوع به.

وقال ابن القيم: وهو الأصح.

قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بحفر خندق في المنطقة المكشوفة أمام الغزاة، وذكر ابن عقبة: أن حفر الخندق استغرق قريبا من عشرين ليلة.

وعن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: اللهم إن العيش عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره، فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا.
.
.

على الجهاد ما بقينا أبدا.

وعن البراء رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا.
.
.

ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا.
.
.

وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا.
.
.

وإن أرادوا فتنة أبينا.

قال: ثم يمد صوته بآخرها.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في قوله تعالى: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار} كان ذاك يوم الخندق.

وعندما وصلت الأحزاب المدينة فوجئوا بوجود الخندق، فقاموا بعدة محاولات لاقتحامه، ولكنهم فشلوا.

واستمر الحصار أربعا وعشرين ليلة.

وثقل الأمر على قريش بسبب الريح التي أكفأت قدورهم وخيامهم، كما قام المسلمون بالتخذيل بين اليهود والمشركين، فأرغموا على الرحيل وهزمهم الله تعالى، وكف شرهم عن المدينة.


وكان سبب نزولها أن عمر رضي الله عنه كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم.
.
.

إلى قوله تعالى:.
.
وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".


وقعت هذه الغزوة بعد غزوة الأحزاب مباشرة، وكان سببها نقض بني قريظة العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم بتحريض من حيي بن أخطب النضري.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل الزبير لمعرفة نيتهم، ثم أتبعه بالسعدين –سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- وابن رواحة، وخوات بن جبير لذات الهدف ليتأكد من غدرهم.

وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، بقتالهم بعد عودته من الخندق ووضعه السلاح، فأوصى عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يتوجهوا إلى بني قريظة، وقال لهم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة).

كما في رواية البخاري، أو (الظهر) كما في رواية مسلم.

فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح، حتى نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، فأحب أن يكل الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس؛ لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فلما دنا من المسلمين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم -أو خيركم- ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك.

قال -أي سعد بن معاذ-: تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قضيت بحكم الله تعالى.

ونفذ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم فيهم، وكانوا أربعمائة على الأرجح.

ولم ينج إلا بعضهم، ثم قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم وذراريهم بين المسلمين.


هو أبو رافع سلام بن أبي الحقيق شاعر وفارس يهودي، أحد الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين في غزوة الأحزاب، وأعانهم بالمؤن والأموال الكثيرة، ولما قتل الله كعب بن الأشرف على يد رجال من الأوس بعد وقعة بدر كان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ممن ألب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقتل مع بني قريظة كما قتل صاحبه حيي بن أخطب، رغبت الخزرج في قتله طلبا لمساواة الأوس في الأجر.

وكان الله سبحانه قد جعل هذين الحيين يتصاولان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيرات، فاستأذنوا رسول الله في قتله فأذن لهم، فعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق، ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على وتد، قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف.

قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم: أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز.

فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: «ابسط رجلك».

فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط.


أغار عيينة بن حصن -في بني عبد الله بن غطفان- على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة، فاستاقها وقتل راعيها، وهو رجل من غفار، وأخذوا امرأته، فكان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي رضي الله عنه، يقول سلمة: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت: من أخذها؟ قال: غطفان.

قال: فصرخت ثلاث صرخات، يا صباحاه.

قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم بذي قرد، وقد أخذوا يسقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول: أنا ابن الأكوع.
.
.

واليوم يوم الرضع، فأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة، قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس، فقلت: يا نبي الله، إني قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة.

فقال: «يا ابن الأكوع ملكت فأسجح».

ثم قال: «إنهم الآن ليقرون في غطفان».

وذهب الصريخ بالمدينة إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد ولم تزل الخيل تأتي، والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد.

وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ماء يقال له: ذو قرد.

فنحر لقحة مما استرجع، وأقام هناك يوما وليلة، ثم رجع إلى المدينة.

وقتل في هذه الغزوة الأخرم، وهو محرز بن نضلة رضي الله عنه، قتله عبد الرحمن بن عيينة، وتحول على فرسه، فحمل عليه أبو قتادة فقتله، واسترجع الفرس، وكانت لمحمود بن مسلمة، وأقبلت المرأة المأسورة على ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نذرت: إن الله أنجاها عليها لتنحرنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما جزتها، لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا في معصية.

وأخذ ناقته.

وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع في هذه القصة قال: فرجعنا إلى المدينة، فلم نلبث إلا ثلاث ليال، حتى خرجنا إلى خيبر.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه في ثلاثين راكبا إلى القرطاء -بينها وبين المدينة سبع ليال-، وهم بطن من بني بكر، واسمه: عبيد بن كلاب.

فخرج محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصحابه فسار الليل واستتر النهار، فلما أغار عليهم هرب سائرهم بعد أن قتل نفرا منهم، واستاق المسلمون نعما وشاء، وقدموا المدينة لليلة بقيت من المحرم ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، كان قد خرج متنكرا لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مسيلمة الكذاب، فأخذه المسلمون، فلما جاؤوا به ربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه.

ثم مر به مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، فرد عليه كما رد عليه أولا، ثم مر مرة ثالثة فقال بعدما دار بينهما الكلام السابق: "أطلقوا ثمامة"، فأطلقوه، فذهب إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم جاءه فأسلم، وقال: "والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، ووالله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر؛ فلما قدم على قريش قالوا: صبأت يا ثمامة، قال: لا والله، ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وكانت يمامة ريف مكة؛ فانصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام؛ ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى الغمر -ماء لبني أسد- في أربعين رجلا، فيهم: ثابت بن أقرم، وشجاع بن وهب؛ فخرج سريعا ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم، ووجد ديارهم خلوفا -أي: أهلها غائبون-، فبعث شجاع بن وهب طليعة؛ فرأى أثر النعم، فتحملوا فأصابوا من دلهم على بعض ماشيتهم، فأمنوه، فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها، فاستاقوا مائتي بعير؛ فأرسلوا الرجل، وساقوا النعم إلى المدينة، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه، ومعه عشرة نفر إلى بني ثعلبة من غطفان وبني عوال من ثعلبة، وهم بذي القصة، فوردوا عليهم ليلا، فأحدق به القوم، وهم مئة رجل، فتراموا ساعة من الليل، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم جميعا، ووقع محمد بن مسلمة جريحا، فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته، فجردوه من الثياب وانطلقوا، ومر بمحمد وأصحابه رجل من المسلمين فاسترجع، فلما سمعه محمد يسترجع تحرك له، فأخذه وحمله إلى المدينة؛ فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا، ووجدوا نعما وشاء فانحدروا بها إلى المدينة.


أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى ذي القصة -موضع قريب من المدينة- على إثر مقتل أصحاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه في أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب، فسار إليهم مشاة حتى وافوا ذي القصة مع عماية الصبح -بقية ظلمة الليل- فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هربا في الجبال، وأصابوا رجلا فأسلم فتركوه، وغنموا نعما من نعمهم فاستاقوه، ورثة -السقط من متاع البيت- من متاعهم، وقدموا بذلك المدينة، فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم.

وعند ابن سعد في طبقاته: أن سبب بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة رضي الله عنه إلى ذي القصة: هو ما بلغه من أن بني محارب بن خصفة، وثعلبة وأنمار -وهما من غطفان- أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة، وهو يرعى بهيفا -موضع على سبعة أميال من المدينة-، فلعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة رضي الله عنه مرتين إلى ذي القصة، أو أن يكون البعث مرة واحدة، ولكن له سببان: الأخذ بثأر أصحاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه المقتولين، ودفع من أراد الإغارة على سرح المدينة.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني سليم؛ فسار حتى ورد الجموم -وهو ماء على طريق مكة- ناحية بطن نخل عن يسارها، فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها: حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم؛ فأصابوا في تلك المحلة نعما وشاء وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى المدينة بما أصاب، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها.


بنو لحيان: هم الذين غدروا بخبيب بن عدي رضي الله عنه وأصحابه يوم الرجيع، ولما كانت ديارهم متوغلة في بلاد الحجاز إلى حدود مكة، ولوجود ثارات بين المسلمين من جهة، وقريش والأعراب من جهة أخرى، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتوغل في البلاد القريبة من العدو الأكبر والرئيسي قريش، فلما تخاذلت الأحزاب، وانكسرت عزائمهم، رأى أن الوقت قد حان لغزو بني لحيان وأخذ الثأر لأصحاب الرجيع؛ فخرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم طالبا بدماء أصحابه في مائتين من أصحابه، ومعهم عشرون فرسا، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يريد الشام ليصيب بني لحيان غرة، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى وادي غران بين أمج -موضع بين مكة والمدينة- وعسفان -قرية بين مكة والمدينة-، وهي منازل بني لحيان، وفيها كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم.

وسمعت به بنو لحيان، فهربوا واحتموا في رؤوس الجبال؛ فلم يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد منهم؛ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرضهم يوما أو يومين، وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا على أحد.

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى عسفان لتسمع به قريش فيداخلهم الرعب، وليريهم من نفسه قوة؛ فبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في عشرة فوارس إلى كراع الغميم -موضع بين مكة والمدينة-، ثم رجع أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يلق أحدا.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه في سرية في سبعين ومئة راكب إلى العيص -اسم موضع قرب المدينة على ساحل البحر- بهدف اعتراض عير لقريش أقبلت من الشام بقيادة أبي العاص بن الربيع، فأدركوها، فأخذوها وما فيها، وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم: أبو العاص بن الربيع، وقدموا بهم إلى المدينة.

وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين تجارة ومالا وأمانة، وهو زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها.

فأتى أبو العاص زينب رضي الله عنها في الليل، وكانت زينب هاجرت قبله وتركته على شركه فاستجار بها فأجارته، وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها.


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الطرف -هو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة-، فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إليهم، وأن هؤلاء مقدمة؛ فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا، ورجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال.

وكان شعارهم: "أمت أمت".


دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال له: "تجهز؛ فإني باعثك في سرية من يومك هذا، أو من الغد إن شاء الله تعالى"، فأصبح عبد الرحمن فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقعده بين يديه وعممه بيده، ثم عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء بيده، أو أمر بلالا يدفعه إليه، ثم قال له: "خذه باسم الله وبركته"، ثم حمد الله تعالى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "اغز باسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله! ولا تغل -الغلول: هو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة-، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا"، ثم أمره رسول الله أن يسير إلى بني كلب بدومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام، وقال له: "إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم".

فسار عبد الرحمن رضي الله عنه بأصحابه وكانوا سبعمئة رجل، حتى قدم دومة الجندل؛ فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام؛ فلما كان اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانيا، وأسلم معه ناس كثير من قومه؛ فبعث عبد الرحمن رافع بن مكيث بشيرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما فتح الله عليه وكتب له بذلك، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها المدينة، فولدت له بعد ذلك أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.


كان بطن فزارة يريد اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية على رأسها: أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأغار عليهم، وقتل وأسر وسبى، وكان من شياطينهم أم قرفة التي جهزت ثلاثين فارسا من أهل بيتها لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلوا وسبيت ابنتها، ففدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أسارى المسلمين في مكة.

أخرج الإمام مسلم في «صحيحه» عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر؛ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا؛ فلما كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فعرسنا ثم شن الغارة، فورد الماء، فقتل من قتل عليه، وسبى، وأنظر إلى عنق من الناس، فيهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل.

فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم.

وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم -أي: ثوب من الجلد-، معها ابنة من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها.

فقدمنا المدينة، وما كشفت لها ثوبا، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال: "يا سلمة، هب لي المرأة".

فقلت: "يا رسول الله، والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا"، ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد في السوق، فقال لي: "يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك!" فقلت: هي لك يا رسول الله، فوالله ما كشفت لها ثوبا.

فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، ففدى بها ناسا من المسلمين، كانوا أسروا بمكة.


في هذا العام كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين، الذين قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر رضي الله عنه في عشرين فارسا.

عن أنس رضي الله عنه: أن رهطا من عكل وعرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أناس من أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة -لم يوافقهم جوها- فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود -إبل- وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها؛ فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم؛ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم -كحلها بمسامير محمية-، وتركهم في ناحية الحرة حتى ماتوا وهم كذلك.

وإنما سمر أعينهم لأنهم سمروا أعين الرعاء.


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عقد صلح الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب.

فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها؛ ولكن أدلك على رجل هو أعز مني عثمان بن عفان.

فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة ولقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به.

فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل).

 قال ابن عمر رضي الله عنهما:كانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان».

فضرب بها على يده، فقال: «هذه لعثمان».

وقال جابر بن عبد الله: كنا يوم الحديبية ألفا وأربع مائة، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة.

وقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض».

ثم قال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
  وعن معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة.

وقد اختلفت الروايات في عددهم، فقال ابن حجر: (والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألفا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفا وأربعمائة ألغاه).