سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ مَرْوَانَ , يَقُولُ : " كَانَ الْمُعْتَصِمُ يَخْتَلِفُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْمُحَدِّثِ , وَكُنْتُ أَمْضِي مَعَهُ إِلَيْهِ , فَقَالَ : يَوْمًا : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَكَانَ قَدَرِيًّا فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ : يَا أَبَا الْحَسَنِ , أَمَا تَرْوِي أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَلِمَ تَرْوِي عَنْهُ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ ثِقَةٌ فِي الْحَدِيثِ صَدُوقٌ , قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْمَجُوسِيُّ ثِقَةً فَمَا تَقُولُ , أَتَرْوِي عَنْهُ ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَنْتَ شَغَّابٌ يَا أَبَا إِسْحَاقَ "
أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْمَرِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ مَرْوَانَ , يَقُولُ : كَانَ الْمُعْتَصِمُ يَخْتَلِفُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْمُحَدِّثِ , وَكُنْتُ أَمْضِي مَعَهُ إِلَيْهِ , فَقَالَ : يَوْمًا : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَكَانَ قَدَرِيًّا فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ : يَا أَبَا الْحَسَنِ , أَمَا تَرْوِي أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَلِمَ تَرْوِي عَنْهُ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ ثِقَةٌ فِي الْحَدِيثِ صَدُوقٌ , قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْمَجُوسِيُّ ثِقَةً فَمَا تَقُولُ , أَتَرْوِي عَنْهُ ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَنْتَ شَغَّابٌ يَا أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ الْخَطِيبُ : وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ فِي الْخَبَرِ لَازِمٌ , وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَاسِقَ بِفِعْلِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أُمُورِ الدِّينِ , مَعَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا عِنْدَنَا , فَبِأَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنحْوِهِمْ أَوْلَى . وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَبُولِ أَخْبَارِهِمْ بِأَنَّ مُوقِعَ الْفِسْقِ مُعْتَمِدًا وَالْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ مُعَانِدَانِ , وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مُتَأَوِّلُونَ غَيْرُ مُعَانِدِينَ , وَبِأَنَّ الْفَاسِقَ الْمُعْتَمِدَ أَوْقَعَ الْفِسْقَ مَجَانَةً , وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ اعْتَقَدُوا مَا اعْتَقَدُوهُ دِيَانَةً , وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَقْبَلُوا خَبَرَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ , فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ دِيَانَةً , فَإِنْ قَالُوا : قَدْ مَنَعَ السَّمْعُ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ , فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَنْعِ السَّمْعِ مِنْهُ , قِيلَ : فَالسَّمْعُ إِذًا قَدْ أَبْطَلَ فَرْقَكُمْ بَيْنَ الْمُتَأَوِّلِ وَالْمُعْتَمِدِ , وَصَحَّحَ إِلْحَاقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ , فَصَارَ الْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءً . وَالَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي تَجْوِيزِ الِاحْتِجَاجِ بِأَخْبَارِهِمُ مَا اشْتُهِرَ مِنْ قَبُولِ الصَّحَابَةِ أَخْبَارَ الْخَوَارِجِ وَشَهَادَاتِهِمْ , وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْفُسَّاقِ بِالتَّأْوِيلِ , ثُمَّ اسْتِمْرارِ عَمَلِ التَّابِعِينَ وَالْخَالِفِينَ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , لِمَا رَأَوْا مِنْ تَحَرِّيهِمِ الصِّدْقَ وَتَعْظِيمِهِمِ الْكَذِبَ , وَحِفْظِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ مِنَ الْأَفْعَالِ , وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ وَالطَّرَائِقِ الْمَذْمُومَةِ , وَرِوَايَاتِهِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُخَالِفُ آرَاءَهُمْ , وَيَتَعَلَّقُ بِهَا مُخَالِفُوهُمْ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ , فَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ وَهُوَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَكَانَ مِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى الْقَدَرِ وَالتَّشَيُّعِ , وَكَانَ عِكْرِمَةُ إِبَاضِيًّا , وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَكَانَ مُعْتَزِلِيًّا , وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ وَشِبْلُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَسَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ , وَكَانُوا قَدَرِيَّةً , وَعَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وَكَانُوا مُرْجِئَةً , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ وَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى التَّشَيُّعِ , فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ يَتَّسِعُ ذِكْرُهُمْ , دَوَّنَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا رِوَايَاتِهِمْ , وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارِهِمْ , فَصَارَ ذَلِكَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ , وَهُوَ أَكْبَرُ الْحُجَجِ فِي هَذَا الْبَابِ , وَبِهِ يَقْوَى الظَّنُّ فِي مُقَارِبَةِ الصَّوَابِ