قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ , قَالَ : وَالْعَدَالَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي صِفَةِ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ هِيَ الْعَدَالَةُ الرَّاجِعَةُ إِلَى اسْتِقَامَةِ دِينِهِ , وَسَلَامَةِ مَذْهَبِهِ , وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْفِسْقِ وَمَا يُجْرَى مُجْرَاهُ , مِمَّا اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَالْقُلُوبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا , وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْعَدَالَةِ : إِنَّهَا اتِّبَاعُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَالِانْتِهَاءُ عَنِ ارْتِكَابِ مَا نَهَى عَنْهُ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ , وَقَدْ عُلِمَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ , وَمِنْ تَرْكِ بَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ , حَتَّى يَخْرُجَ لِلَّهِ مِنْ كُلِّ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ , وَأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ , فَيَجِبُ لِذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْعَدْلَ هُوَ مَنْ عُرِفَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَلُزُومِ مَا أُمِرَ بِهِ , وَتَوَقِّي مَا نُهِيَ عَنْهُ , وَتَجَنُّبِ الْفَوَاحِشِ الْمُسْقِطَةِ , وَتَحَرِّي الْحَقِّ وَالْوَاجِبِ فِي أَفْعَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ , وَالتَّوَقِّي فِي لَفْظِهِ مَا يَثْلِمُ الدِّينَ وَالْمُرُوءَةَ , فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ , وَمَعْرُوفٌ بِالصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ , وَلَيْسَ يَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ اجْتِنَابُ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي يُسَمَّى فَاعِلُهَا فَاسِقًا , حَتَّى يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُتَوَقِّيًا لِمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَبِيرٌ , بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا , نَحْوَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يُقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ , وَنَحْوَ التَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ وَسِرْقَةِ بَاذِنْجَانَةٍ وَغِشِّ الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ , لِأَجْلِ أَنَّ الْقَاذُورَاتِ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ يُسْتَحَقُّ بِهَا الْعِقَابُ , فَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا غَيْرُ مَقْبُولِ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ , إِمَّا لِأَنَّهَا مُتَّهِمَةٌ لِصَاحِبِهَا وَمُسْقِطَةٌ لَهُ وَمَانِعَةٌ مِنْ ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنَّ الْعَادَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ مَنِ احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ سَرِقَةَ بَصَلَةٍ وَتَطْفِيفَ حَبَّةٍ , احْتَمَلَتِ الْكَذِبَ وَأَخْذَ الرُّشَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَوَضْعَ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَالِاكْتِسَابَ بِهِ , فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الذُّنُوبُ فِي إِسْقَاطِهَا لِلْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ بِمَثَابَةِ مَا اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ فِسْقٌ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِقَابُ , وَجَمِيعُ مَا أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ مِمَّا لَا يَقْطَعُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ , وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ خَبَرِ فَاعِلِهِ وَشَهَادَتِهِ , فَهَذِهِ سَبِيلُهُ فِي أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ سَلِيمًا مِنْهُ , وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَرُدَّ الْخَبَرُ وَلَا الشَّهَادَةُ إِلَّا بِعِصْيَانٍ قَدِ اتُّفِقَ عَلَى رَدِّ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ , وَمَا يَغْلِبُ بِهِ ظَنُّ الْحَاكِمِ وَالْعَالِمِ أَنَّ مُقْتَرِفَهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَا مَأْمُونٍ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي الشَّهَادَةِ , وَالْخَبَرِ وَلَوْ عَمِلَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَّامُ عَلَى أَنْ لَا يَقْبَلُوا خَبَرًا وَلَا شَهَادَةً إِلَّا مِنْ مُسْلِمٍ بَرِيءٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُ شَهَادَةِ أَحَدٍ وَلَا خَبَرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ خَبَرُ صَاحِبِ ذَلِكَ وَشَهَادَتُهُ بِحَالٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ خَبَرُ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُمَا وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ فِي جِمَاعِ صِفَةِ الْعَدْلِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ "
حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ , قَالَ : وَالْعَدَالَةُ الْمَطْلُوبَةُ فِي صِفَةِ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ هِيَ الْعَدَالَةُ الرَّاجِعَةُ إِلَى اسْتِقَامَةِ دِينِهِ , وَسَلَامَةِ مَذْهَبِهِ , وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْفِسْقِ وَمَا يُجْرَى مُجْرَاهُ , مِمَّا اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَالْقُلُوبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا , وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْعَدَالَةِ : إِنَّهَا اتِّبَاعُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَالِانْتِهَاءُ عَنِ ارْتِكَابِ مَا نَهَى عَنْهُ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ , وَقَدْ عُلِمَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ , وَمِنْ تَرْكِ بَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ , حَتَّى يَخْرُجَ لِلَّهِ مِنْ كُلِّ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ , وَأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ , فَيَجِبُ لِذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْعَدْلَ هُوَ مَنْ عُرِفَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَلُزُومِ مَا أُمِرَ بِهِ , وَتَوَقِّي مَا نُهِيَ عَنْهُ , وَتَجَنُّبِ الْفَوَاحِشِ الْمُسْقِطَةِ , وَتَحَرِّي الْحَقِّ وَالْوَاجِبِ فِي أَفْعَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ , وَالتَّوَقِّي فِي لَفْظِهِ مَا يَثْلِمُ الدِّينَ وَالْمُرُوءَةَ , فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فِي دِينِهِ , وَمَعْرُوفٌ بِالصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ , وَلَيْسَ يَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ اجْتِنَابُ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي يُسَمَّى فَاعِلُهَا فَاسِقًا , حَتَّى يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُتَوَقِّيًا لِمَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَبِيرٌ , بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا , نَحْوَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يُقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ , وَنَحْوَ التَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ وَسِرْقَةِ بَاذِنْجَانَةٍ وَغِشِّ الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ , لِأَجْلِ أَنَّ الْقَاذُورَاتِ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ يُسْتَحَقُّ بِهَا الْعِقَابُ , فَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهَا غَيْرُ مَقْبُولِ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ , إِمَّا لِأَنَّهَا مُتَّهِمَةٌ لِصَاحِبِهَا وَمُسْقِطَةٌ لَهُ وَمَانِعَةٌ مِنْ ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ , فَإِنَّ الْعَادَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ مَنِ احْتَمَلَتْ أَمَانَتُهُ سَرِقَةَ بَصَلَةٍ وَتَطْفِيفَ حَبَّةٍ , احْتَمَلَتِ الْكَذِبَ وَأَخْذَ الرُّشَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَوَضْعَ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَالِاكْتِسَابَ بِهِ , فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الذُّنُوبُ فِي إِسْقَاطِهَا لِلْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ بِمَثَابَةِ مَا اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ فِسْقٌ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِقَابُ , وَجَمِيعُ مَا أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ مِمَّا لَا يَقْطَعُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرٌ , وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ خَبَرِ فَاعِلِهِ وَشَهَادَتِهِ , فَهَذِهِ سَبِيلُهُ فِي أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ الشَّاهِدِ وَالْمُخْبِرِ سَلِيمًا مِنْهُ , وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَرُدَّ الْخَبَرُ وَلَا الشَّهَادَةُ إِلَّا بِعِصْيَانٍ قَدِ اتُّفِقَ عَلَى رَدِّ الْخَبَرِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ , وَمَا يَغْلِبُ بِهِ ظَنُّ الْحَاكِمِ وَالْعَالِمِ أَنَّ مُقْتَرِفَهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَا مَأْمُونٍ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي الشَّهَادَةِ , وَالْخَبَرِ وَلَوْ عَمِلَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَّامُ عَلَى أَنْ لَا يَقْبَلُوا خَبَرًا وَلَا شَهَادَةً إِلَّا مِنْ مُسْلِمٍ بَرِيءٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُ شَهَادَةِ أَحَدٍ وَلَا خَبَرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ الذُّنُوبِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ خَبَرُ صَاحِبِ ذَلِكَ وَشَهَادَتُهُ بِحَالٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ خَبَرُ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُمَا وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ فِي جِمَاعِ صِفَةِ الْعَدْلِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ