" رَأَيْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، وَقَدْ أَلْجَأَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ إِلَى الْمَيْلِ الْأَخْضَرِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا أَرَى الَّذِي تَطْلُبُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْخَيْرِ لَنَقَصَ كَمَا يَنْقُصُ الْخَيْرُ "
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ، ثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ زَكَرِيَّا الْقَطَّانَ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، وَقَدْ أَلْجَأَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ إِلَى الْمَيْلِ الْأَخْضَرِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا أَرَى الَّذِي تَطْلُبُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْخَيْرِ لَنَقَصَ كَمَا يَنْقُصُ الْخَيْرُ قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى ضَجَرٍ وَفِيهِ لِأُولِي الْعِلْمِ نَظَرٌ وَقَدْ أَخَذَهُ بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ فَقَالَ : لَقَدْ جَفَّتِ الْأَقلَامُ بِالْخَلْقِ كُلِّهِمُ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ خَائِبٌ وَسَعِيدُ تَمُرَّ اللَّيَالِي بِالنُّفُوسِ سَرِيعَةً وَيُبْدِئُ رَبِّي خَلْقَهُ وَيُعِيدُ أَرَى الْخَيْرَ فِي الدُّنْيَا يَقِلُّ كَثِيرُهُ وَيَنْقُصُ نَقْصًا وَالْحَدِيثُ يَزِيدُ فَلَوْ كَانَ خَيْرًا قَلَّ كَالْخَيْرِ كُلِّهِ وَأَحْسَبُ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْهُ بَعِيدُ وَلِابْنِ مَعِينٍ فِي الرِّجَالِ مَقَالَةٌ سَيُسْأَلُ عَنْهَا وَالْمَلِيكُ شَهِيدُ فَإِنْ يَكُ حَقًّا قَوْلُهُ فَهُوَ غِيبَةٌ وَإِنْ يَكُ زُورًا فَالْقِصَاصُ شَدِيدُ وَكُلُّ شَيَاطِينِ الْعِبَادِ ضَعِيفَةٌ وَشَيْطَانُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَرِيدُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ جَمَاعَةٌ نَظْمًا فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : ذَاكَرْتُ أَبَا الْأَصَبَغِ عَبْدَ السَّلَامِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ غِيَاثٍ الْأَشْبِيلِيَّ رَفِيقِي أَبْيَاتَ بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ هَذِهِ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَأَلْتُهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ فَعَارَضَهُ بِشَعْرٍ أَوَّلُهُ : تَبَارَكَ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ غَيْرُهُ وَمَنْ بَطْشُهُ بِالْمُعْتَدِينَ شَدِيدُ وَفِيهِ : تَعَرَّضْتَ يَا بَكْرَ بْنَ حَمَّادٍ خُطَّةً بِأَمْثَالِهَا فِي النَّاسِ شَابَ وَلِيدُ تَقُولُ بِأَنَّ الْخَيْرَ قَلَّ كَثِيرُهُ وَأَخْبَرْتَنَا أَنَّ الْحَدِيثَ يَزِيدُ وَصَيَّرْتَهُ إِذْ زَادَ شَرًّا وَقَامَ فِي ضَمِيرِكَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْهُ بَعِيدُ فَلَمْ تَأْتِ فِيهِ الْحَقَّ إِذْ قُلْتَ فِيهِ مَا بِهِ عَنْ سَبِيلِ الصَّالِحِينَ تَحِيدُ وَمَا زَالَ ذَا قِسْمَيْنِ حَقًّا وَبَاطِلًا فَهَذَا خَلَاخِيلُ وَذَاكَ قُيُودُ وَذَا ذَهَبٌ مَحْضٌ وَذَلِكَ آنُكٌ وَذَا وَرِقٌ صَافٍ وَذَاكَ حَدِيدُ وَهَذَا أَثِيرٌ فِي الْأَنَامِ مُعَظَّمٌ وَذَاكَ طَرِيدٌ فِي الْبِلَادِ شَرِيدُ فَذَمُّكَ هَذَا فِي الْمَقَالِ مُذَمَّمٌ وَذَمُّكَ هَذَا فِي الْفِعَالِ حُمَيْدُ وَأَلْزَمْتَ هَذَا ذَنْبَ ذَا كَمُعَاقِبٍ ظِبَاءً بِذَنْبٍ قَارَفَتْهُ أَسْوَدُ ظِبَاءً بِذَنْبٍ قَارَفَتْهُ أُسُودُ وَهَلْ ضَرَّ أَحْرَارًا كِرَامًا أَعِزَّةً إِذَا جَاوَرَتْهُمْ فِي الْبَدِيِّ عَبِيدُ وَلَوْلَا الْحَدِيثُ الْمُحْتَوِي سُنَنَ الْهُدَى لَقَامَتْ عَلَى رَأْسِ الضُّلَّالِ بُنُودِ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ يُعْرَفُ حَدُّهُ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الرُّوَاةِ مَزِيدُ وَمَا كَانَ مِنْ إِفْكٍ وَزُورٍ فَإِنَّهُ كَعِدَّةِ رَمْلٍ تَحْتَوِيهِ زُرُودُ وَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ يَزِيدُ جَدِيدًا يَقْتَضِيهِ جَدِيدُ وَلِابْنِ مَعِينٍ فِي الَّذِي قَالَ أُسْوَةٌ وَرَأْيٌ مُصِيبٌ لِلصَّوَابِ سَدِيدُ وَأَخْبِرْ بِهِ يُعْلِي الْإِلَهُ مَحِلَّهُ وَيُنْزِلُهُ فِي الْخُلْدِ حَيْثُ يُرِيدُ يُنَاضِلُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ وَيَطْرُدُ الْأَبَاطِيلَ عَنْ أَحْوَاضِهِ وَيَزُودُ وَجِلَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا بِقَوْلِهِ وَمَا هِيَ فِي شَيْءٍ أَتَاهُ فَرِيدُ وَقُلْتَ وَلَيْسَ الصِّدْقُ مِنْكَ سَجِيَّةً وَشَيْطَانُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَرِيدُ وَمَا النَّاسُ إِلَّا اثْنَانِ بَرٌّ وَفَاجِرٌ فَقَوْلُكَ عَنْ سُبُلِ الصَّوَابِ حَيُودُ وَكُلُّ حَدِيثِيٍّ تَأَزَّرَ بِالتُّقَى فَذَاكَ امْرُؤٌ عِنْدَ الْإِلَهِ سَعِيدُ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِدِينِنَا فَمَنْ كَانَ يَرْوِي عِلْمَهُ وَيُفِيدُ هُمُ وَرِثُوا عِلْمَ النُّبُوَّةِ وَاحْتَوَوْا مِنَ الْفَضْلِ مَا عَنْهُ الْأَنَامُ رُقُودُ وَهُمْ كَمَصَابِيحِ الدُّجَى يُهْتَدَى بِهِمْ وَمَا لَهُمُ بَعْدَ الْمَمَاتِ خُمُودُ عَلَيْكَ ابْنَ غِيَاثٍ لُزُومُ سَبِيلِهِمْ فَحَالُهُمْ عِنْدَ الْإِلَهِ حُمَيْدُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مَلُولَةَ الْقَيْرَاوَانِيُّ يُعَارِضُ بَكْرَ بْنَ حَمَّادٍ : وَلِابْنِ مَعِينٍ فِي الرِّجَالِ مَقَالَةٌ تَقَدَّمَهُ فِيهَا شَرِيكٌ وَمَالِكُ فَإِنْ يَكُ مَا قَالَاهُ سَهْلًا وَوَاسِعًا فَقَدْ سَهُلَتْ لِابْنِ الْمَعِينِ الْمَسَالِكُ وَإِنْ يَكُ زُورًا مِنْهُمْ أَوْ نَمِيمَةً فَمَا مِنْهُمْ فِي الْقَوْلِ إِلَّا مُشَارِكُ ، وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ يُعَارِضُ بَكْرَ بْنَ حَمَّادٍ : أَجَلْ إِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ سَابِقٌ وَمَا لَامْرِئٍ عَمَّا يَحِمُّ مَحِيدُ هُوَ الرَّبُّ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَفِيَّةٌ عَلِيمٌ بِمَا تُخْفِي الصُّدُورُ شَهِيدُ جَرَتْ بِقَضَايَاهُ الْمَقَادِيرُ فِي الْوَرَى فَمُقَرَّبٌ مِنْ خَيْرِهَا وَبَعِيدُ أَيَا قَادِحًا فِي الْعِلْمِ زِيدَ عَمَائِهِ رُوَيْدًا بِمَا تُبْدِي بِهِ وَتُعِيدُ جَعَلْتَ شَيَاطِينَ الْحَدِيثِ مَرِيدَةً ألَا إِنَّ شَيْطَانَ الضَّلَالِ مَرِيدُ وَجَرَحَتْ بِالتَّكْذِيبِ مَنْ كَانَ صَادِقًا فَقَوْلُكَ مَرْدُودٌ وَأَنْتَ عَنِيدُ ذَوُو الْعِلْمِ فِي الدُّنْيَا نُجُومُ هِدَايَةٍ إِذَا غَابَ نَجْمٌ لَاحَ بَعْدُ جَدِيدُ بِهِمْ عَزَّ دِينُ اللَّهِ طُرًّا وَهُمْ لَهُ مَعَاقِلُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَجُنُودُ