عَنْ مَكْحُولٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }} قَالَ : " أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ "
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، نا قَاسِمٌ ، نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ، نا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }} قَالَ : أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى يَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : الْعُلَمَاءُ إِذَا عَلِمُوا عَمِلُوا ، فَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا ، فَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا ، فَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا ، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ : إِنَّمَا أَنْتَ مُتَلَذِّذٌ تَسْمَعُ وَتَحْكِي ، إِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ ، اسْمَعْ وَتَعَلَّمْ ، وَاعْلَمْ وَعَلِّمْ ، وَاهْرَبْ ، أَلَمْ تَرَ إِلَى سُفْيَانَ كَيْفَ طَلَبَ الْعِلْمَ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَعَمِلَ وَهَرَبَ ، وَهَكَذَا الْعِلْمُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْهَرَبِ عَنِ الدُّنْيَا لَيْسَ عَلَى طَلَبِهَا . وَقَالَ الْحَسَنُ : لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ مَنْ تَمُرُّ عَلَى أُذُنَيْهِ صَفْحًا كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ إِذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ سَبِخَةٍ لَمْ تُنْبِتْ . وَأَنْشَدَ ابْنُ عَائِشَةَ : إِذَا قَسَا الْقَلْبُ لَمْ تَنْفَعْهُ مَوْعِظَةٌ كَالْأَرْضِ إِنْ سَبَخَتْ لَمْ يَحْيِهَا الْمَطَرُ وَالْقَطْرُ تَحْيَا بِهِ الْأَرْضُ الَّتِي قَحِطَتْ وَالْقَلْبُ فِيهِ إِذَا مَا لَانَ مُزْدَجَرُ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ : إِذَا دَخَلَتِ الْمَوْعِظَةُ أُذُنَ الْجَاهِلِ مَرَقَتْ مِنَ الْأُذُنِ الْأُخْرَى . وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْقَطْرُ عَنِ الصَّفَا . وَكَانَ سَوَّارٌ يَقُولُ : كَلَامُ الْقَلْبِ يَقْرَعُ الْقَلْبَ ، وَكَلَامُ اللِّسَانِ يَمُرُّ عَلَى الْقَلْبِ صَفْحًا . وَقَالَ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ : إِذَا خَرَجَ الْكَلَامُ مِنَ الْقَلْبِ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ اللِّسَانِ لَمْ يُجَاوِزِ الْآذَانَ وَأَنْشَدَ رَجَاءُ بْنُ سَهْلٍ : وَكَأَنَّ مَوْعِظَةَ امْرِئٍ مُتَنَازِحٍ عَنْ قَوْلِهِ بِفِعْلِهِ هَذَيَانُ . وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ : يُوشِكُ أَنْ يَظْهَرَ الْعِلْمُ ، وَيُخْزَنَ الْعَمَلُ ، يَتَوَاصَلُ النَّاسُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَتَقَاطَعُونَ بِقُلُوبِهِمْ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلْمَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرْفُوعًا ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : إِذَا كَانَتْ حَيَاتِي حَيَاةَ السَّفِيهِ , وَمَوْتِي مَوْتَ الْجَاهِلِ فَمَا يُغْنِي عَنِّي مَا جَمَعْتُ مِنْ غَرَائِبِ الْحِكْمَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ آدَمَ : مَا يُغْنِي عَنْكَ مَا جَمَعْتَ مِنْ حِكْمَةِ الْحُكَمَاءِ وَأَنْتَ تَجْرِي فِي الْعَمَلِ مَجْرَى السُّفَهَاءِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَوِيُّ : أَيُّ شَيْءٍ تَرَكْتَ يَا عَارِفًا بِاللَّهِ لِلْمُمْتَرِينَ وَالْجُهَّالِ ؟ وَقَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ : أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَرِيصُ تَعَلَّمْ أَنَّ لِلْحَقِّ مَذْهَبًا قَدْ ضَلَلْتَهُ إِنْ رَكِبْتَ السَّحَابَ فِي نَيْلِ مَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ نَيْلَهُ مَا أَخَذْتَهُ أَوْ جَرَتْ عَاصِفَاتُ رِيحِكَ كَيْ تَسْبِقَ أَمْرًا مُقَدَّرًا مَا سَبَقْتَهُ فَعَلَامَ الْعَنَاءُ إِنْ كَانَ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ طَلَبْتَةُ أَوْ تَرَكْتَهُ لَيْسَ يُجْدِي عَلَيْكَ عِلْمُكَ إِنْ لَمْ تَكُ مُسْتَعْمِلًا لِمَا قَدْ عَلِمْتَهُ قَدْ لَعَمْرِي اغْتَرَبْتَ فِي طَلَبِ الْ عِلْمِ وَحَاوَلْتَ جَمْعَهُ فَجَمَعْتَهُ وَلَقِيتَ الرِّجَالَ فِيهِ وَزَاحَمْتَ عَلَيْهِ الْجَمِيعَ حَتَّى سَمِعْتَهُ ثُمَّ ضَيَّعْتَ أَوْ نَسِيتَ وَمَا يَنْفَعُ عِلْمٌ نَسِيتَهُ أَوْ أَضَعْتَهُ وَسَوَاءٌ عَلَيْكَ عِلْمُكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ نَفْعًا عَلَيْكَ أَوْ مَا جَهِلْتَهُ يَا ابْنَ عُثْمَانَ فَازْدَجِرْ وَالْزَمِ الْبَيْتَ وَعِشْ قَانِعًا بِمَا رُزِقْتَهُ كَمْ إِلَى كَمْ تُخَادِعُ النَّفْسَ جَهْلًا وَتَجْرِي خِلَافَ مَا قَدْ عَرَفْتَهُ تَصِفُ الْحَقَّ وَالطَّرِيقَ إِلَيْهِ فَإِذَا مَا عَلِمْتَ خَالَفْتَ سَمْتَهُ قَدْ لَعَمْرِي مَحَضْتُكَ النُّصْحَ يَا عَمْرُو بْنَ عُثْمَانَ جَاهِدًا إِنْ قِبْلَتَهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِدْرِيسَ : وَالْعِلْمُ لَيْسَ بِنَافِعٍ أَرْبَابَهُ مَا لَمْ يُفِدْ عَمَلًا وَحُسْنَ تَبَصُّرِ سِيَّانَ عِنْدِي عِلْمُ مَنْ لَمْ يَسْتَفِدْ عَمَلًا بِهِ وَصَلَاةُ مَنْ لَمْ يَطْهُرِ فَاعْمَلْ بِعِلْمِكَ تُوَفِّ نَفْسَكَ وَزْنَهَا لَا تَرْضَ بِالتَّضْيِيعِ وَزْنَ الْمُخْسَرِ