عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ " يَرَى شَهَادَتَهُ جَائِزَةً إِذَا تَابَ "
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ يَرَى شَهَادَتَهُ جَائِزَةً إِذَا تَابَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، فَيَرَوْنَ شَهَادَتَهُ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا تَأَوَّلَ فِيمَا نَرَى الْآيَةَ ، فَالَّذِي لَا يَقْبَلُهَا يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ انْقَطَعَ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ : {{ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا }} ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ ، فَقَالَ : {{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا }} ، فَأَوْقَعَ التَّوْبَةَ عَلَى الْفِسْقِ خَاصَّةً دُونَ الشَّهَادَةِ ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ : {{ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }} ، ثُمَّ أَوْقَعُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى كُلِّ الْكَلَامِ وَرَأَوْا أَنَّهُ مُنْتَظِمٌ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالَّذِي يُخْتَارُ هَذَا الْقَوْلُ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ وَأَعْلَى ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَنْ وَرَاءَهُ ، مَعَ أَنَّهُ فِي النَّظَرِ عَلَى هَذَا أَصَحُّ ، وَلَا يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفَاحِشَةِ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ رَاكِبِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْعَاهِرِ أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إِذَا تَابَ ، فَرَامِيهِ بِهَا أَيْسَرُ جُرْمًا إِذَا نَزَعَ عَمَّا قَالَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، وَإِذَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ مِنْ عَبْدِهِ كَانَ الْعِبَادُ بِالْقَبُولِ أَوْلَى ، مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ }} ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : {{ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا }} ، فَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ نَاسِخٌ لِلْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا وَأَنَّ التَّوْبَةَ لِهَؤُلَاءِ جَمِيعًا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطُّهُورِ حِينَ قَالَ : {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا }} ، ثُمَّ قَالَ : {{ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا }} ، فَصَارَ التَّيَمُّمُ لَاحِقًا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ ، كَمَا لَحِقَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ عَمَّارًا وَأَبَا ذَرٍّ بِذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَأَوَّلَ مَنْ رَأَى شَهَادَةَ الْقَاذِفِ جَائِزَةً ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ وَبَعْضُهُ تَابَعَ بَعْضًا ، ثُمَّ انْتَظَمَهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَحَاطَ بِهِ