• 1815
  • عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ ، أَنَّهُ قَالَ : " كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَصْحَابِ الْفِيلِ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ الْحَبَشِيَّ كَانَ مَلِكَ الْيَمَنِ ، وَأَنَّ ابْنَ ابْنَتِهِ أَكْشُومَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْحِمْيَرِيَّ خَرَجَ حَاجًّا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ نَزَلَ بِكَنِيسَةٍ بِنَجْرَانَ ، فَ غَدَا عَلَيْهَا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَخَذُوا مَا فِيهَا مِنَ الْحُلِيِّ ، وَأَخَذُوا مَتَاعَ أَكْشُومَ ، فَانْصَرَفَ إِلَى جَدِّهِ الْحَبَشِيِّ مُغْضَبًا ، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَا لَقِيَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا تَأَلَّى بِيَمِينٍ أَنْ يَهْدِمَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ شِمْرُ بْنُ مَصْفُودَ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ خَوْلَانَ ، وَنَفَرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا أَرْضَ خَثْعَمٍ ، فَتَنَحَّتْ خَثْعَمٌ عَنْ طَرِيقِهِمْ ، وَكَلَّمَهُمُ التَّقْتَالُ الْخَثْعَمِيُّ ، وَكَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَبَشَةِ ، فَقَالَ : هَذَانِ عَلَى شِمْرَانِ قَوْسِي عَلَى أَكَلَتْ ، وَسَهْمَيْ قُحَافَةَ ، فَأَنَا جَارٌ لَكَ ، فَسَارَ مَعَهُ وَأَحَبَّهُ ، فَقَالَ لَهُ التَّقْتَالُ : إِنِّي أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَأَهْدَاهُمْ بِطَرِيقِهِمْ ، فَطَفِقَ يَجُبُّهُمْ فِي مَسِيرِهِمُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَهْمَةِ ، حَتَّى تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَطَشًا ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَارِسٌ مِنْ خَثْعَمٍ ، وَنَصْرٍ ، وَثَقِيفٍ ، فَقَالُوا : مَا حَاجَتُكَ إِلَى طَرِيقِنَا ؟ وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَةٌ صَغِيرَةٌ ، لَكِنَّا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ بِمَكَّةَ يُعْبَدُ ، وَهُوَ حِرْزٌ لِمَنْ يُجَاءُ إِلَيْهِ , مَنْ مَلَكَهُ تَمَّ لَهُ مُلْكُ الْعَرَبِ ، فَعَلَيْكَ بِهِ ، وَدَعْنَا مِنْكَ ، فَأَتَاهُ ، حَتَّى بَلَغَ الْمَغْمَسَ ، فَوَجَدَ إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ ، فَأَنْهَبَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَاءَهُ ، وَكَانَ جَمِيلًا ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ ذُو نفر ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ إِبِلَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي لَا أُطِيقُ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَدْخَلْتُكَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : فَافْعَلْ ، فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ : قُضِيَتْ كُلُّ حَاجَةٍ جِئْتَ تَطْلُبُهَا قَالَ : إِنَّا فِي بَلَدٍ حَرَامٍ فِي سَبِيلٍ بَيْنَ أَرْضِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ أَرْضِ الْعَجَمِ ، وَكَانَتْ لِي مِائَةُ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ تَرْعَى هَذَا الْوَادِي بَيْنَ مَكَّةَ وَتِهَامَةَ ، عَلَيْهَا نَمِيرُ أَهْلَنَا ، وَنَخْرُجُ إِلَى تِجَارَتِنَا ، وَنَتَحَمَّلُ مِنْ عَدِوِّنَا ، عَدَا عَلَيْهَا جَيْشُكَ فَأَخْذَوَهَا ، وَلَيْسَ مِثْلُكَ يُظْلَمُ مَنْ جَاوَرَهُ ، فَالْتَفَتَ الْحَبَشِيُّ إِلَى ذِي نفر ، ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَجَبًا ، فَقَالَ : لَوْ سَأَلَنِي كُلَّ شَيْءٍ أُحْرِزُهُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ ، أَمَّا إِبِلُكَ فَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ وَمِثْلَهَا ، فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فِي بَيْتِكُمْ هَذَا ، وَبَلَدِكُمْ هَذَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَمَّا بَيْتُنَا هَذَا ، وَبَلَدُنَا هَذَا ، فَإِنَّ لَهُمَا رَبًّا ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مَنَعَهُمَا ، وَلَكِنِّي أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ ، وَتَأَلَّى لَيَهْدِمَنَّ مَكَّةَ ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، وَسَمِعَ تَأَلِّيهِ فِي مَكَّةَ ، وَقَدْ هَرَبَ أَهْلُهَا ، فَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ ، فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ ، وَهُوَ يَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ : {
    }
    لَا هُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ {
    }
    رحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكْ {
    }
    {
    }
    لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ {
    }
    وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ {
    }
    {
    }
    فَلَئِنْ فَعَلْتَ فَبِهَا وَإِلَّا {
    }
    فَالْأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ {
    }
    {
    }
    وَلَئِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّهُ {
    }
    أَمْرٌ تَتِمُّ بِهِ فِعَالُكَ {
    }
    {
    }
    غَدَوْا لِجُمُوعِهِمْ {
    }
    وَالْفِيلُ كَيْ يَدُوسُوا عِيَالَكْ {
    }
    {
    }
    وَلَئِنْ تَرَكْتَهُمْ وَكَعْبَتَنَا {
    }
    فَوَا حُزْنًا هُنَالِكْ {
    }
    فَلَمَّا تَوَجَّهَ شِمْرٌ وَأَصْحَابُهُ بِالْفِيلِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا مَا أَجْمَعُوا طَفِقَ كُلَّمَا وَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ أَنَاخَ وَبَرَكَ ، فَإِذَا صَرَفُوهُ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ أَتَى أَسْرَعَ السَّيْرَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَهُمُ اللَّيْلُ وَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا خَرَاطِيمُ ، كَأَنَّهَا الْبَلَسُ شَبِيهَةٌ بِالْوَطَاوِيطِ حُمْرٌ وَسُودٌ ، فَلَمَّا رَأَوْهَا أَشْفَقُوا مِنْهَا ، وَسَقَطَ فِي أَذْرُعِهِمْ ، فَقَالَ شِمْرٌ : مَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ طَيْرٍ خِمَالٍ جَنَّبَهَا اللَّيْلُ إِلَى مَسَاكِنِهَا ، فَرَمَتْهُمْ بِحِجَارَةٍ مُدَحْرَجَةٍ كَالْبَنَادِقِ ، تَقَعُ فِي رَأْسِ الرَّجُلِ ، فَتَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ ، وَكَانَ فِيهِمْ أَخَوَانِ مِنْ كِنْدَةَ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا ، فَفَارَقَ الْقَوْمَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْآخَرُ ، فَلَحِقَ بِأَخِيهِ حِينَ رَأَى مَا رَأَى ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ عَنْهَا إِذْ رَأَى طَيْرًا مِنْهَا قَالَ : كَانَ هَذَا مِنْهَا ، فَدَنَا مِنْهُ الطَّيْرُ ، فَفَدَغَهُ بِحَجَرٍ ، فَمَاتَ ، فَقَالَ أَخُوهُ النَّاجِي مِنْهَا : {
    }
    فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ ، وَلَنْ تَرَانَا {
    }
    خِبْتَ لِذِي الْغِمْرَيْنِ مَا لَقِينَا {
    }
    {
    }
    خَشِيتَ اللَّهَ لَمَّا بَثَّ طَيْرًا {
    }
    بِظِلِّ سَحَابَةٍ مَرَّتْ عَلَيْنَا {
    }
    {
    }
    وَبَاتُوا كُلُّهُمْ يَدْعُو بِحَقٍّ {
    }
    كَأَنْ قَدْ كَانَ لِلْحُبْشَانِ دِينَا {
    }
    فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ أَصْبَحَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى جِبَالِهِمْ ، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَشِيَهُمْ ، فَبَعَثَ ابْنَهُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ سَرِيعٍ يَنْظُرُ مَا لَقُوا ، فَإِذَا الْقَوْمُ مُشَدَّخُونَ جَمِيعًا ، فَرَجَعَ يَرْفَعُ فَرَسَهُ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ قَالَ : إِنَّ ابْنِي أَفْرَسُ الْعَرَبِ ، وَمَا كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ إِلَّا بَشِيرًا ، أَوْ نَذِيرًا ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ نَادِيهِمْ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ ، قَالُوا : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : هَلَكُوا جَمِيعًا ، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، فَكَانَتْ أَوَّلُ أَمْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : {
    }
    أَنْتَ مَنَعْتَ الْجَيْشَ وَالْأَفْيَالَا {
    }
    {
    }
    وَقَدْ رَعَوْا بِمَكَّةَ الْأَجْبَالَا {
    }
    {
    }
    وَقَدْ خَشِينَا مِنْهُمُ الْقِتَالَا {
    }
    {
    }
    وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُمْ مِعْضَالَا {
    }
    {
    }
    شُكْرًا وَحَمْدًا لَكَ ذَا الْجَلَالَا {
    }
    "
    وَقَالَ عُمَارَةُ الْعَبْدُ : {
    }
    اللَّهُ رَبِّي وَوَلِيَّ الْأَنْفُسِ {
    }
    أَنْتَ حَبَسْتَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ {
    }
    فَانْصَرَفَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَصْفُودٍ هَارِبًا وَحْدَهُ ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ سَقَطَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلًا آخَرَ فَسَقَطَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ، فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَقَوْمَهُ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا أَعْضَاءَ لَهُ ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ مَا لَقِيَتْ جُيُوشُهُ ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ

    حَدَّثَنَا أحمدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَصْحَابِ الْفِيلِ أَنَّ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ الْحَبَشِيَّ كَانَ مَلِكَ الْيَمَنِ ، وَأَنَّ ابْنَ ابْنَتِهِ أَكْشُومَ بْنَ الصَّبَّاحِ الْحِمْيَرِيَّ خَرَجَ حَاجًّا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ نَزَلَ بِكَنِيسَةٍ بِنَجْرَانَ ، فَ غَدَا عَلَيْهَا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَخَذُوا مَا فِيهَا مِنَ الْحُلِيِّ ، وَأَخَذُوا مَتَاعَ أَكْشُومَ ، فَانْصَرَفَ إِلَى جَدِّهِ الْحَبَشِيِّ مُغْضَبًا ، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَا لَقِيَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا تَأَلَّى بِيَمِينٍ أَنْ يَهْدِمَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ شِمْرُ بْنُ مَصْفُودَ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ خَوْلَانَ ، وَنَفَرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا أَرْضَ خَثْعَمٍ ، فَتَنَحَّتْ خَثْعَمٌ عَنْ طَرِيقِهِمْ ، وَكَلَّمَهُمُ التَّقْتَالُ الْخَثْعَمِيُّ ، وَكَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَبَشَةِ ، فَقَالَ : هَذَانِ عَلَى شِمْرَانِ قَوْسِي عَلَى أَكَلَتْ ، وَسَهْمَيْ قُحَافَةَ ، فَأَنَا جَارٌ لَكَ ، فَسَارَ مَعَهُ وَأَحَبَّهُ ، فَقَالَ لَهُ التَّقْتَالُ : إِنِّي أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَأَهْدَاهُمْ بِطَرِيقِهِمْ ، فَطَفِقَ يَجُبُّهُمْ فِي مَسِيرِهِمُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَهْمَةِ ، حَتَّى تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَطَشًا ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَارِسٌ مِنْ خَثْعَمٍ ، وَنَصْرٍ ، وَثَقِيفٍ ، فَقَالُوا : مَا حَاجَتُكَ إِلَى طَرِيقِنَا ؟ وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَةٌ صَغِيرَةٌ ، لَكِنَّا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ بِمَكَّةَ يُعْبَدُ ، وَهُوَ حِرْزٌ لِمَنْ يُجَاءُ إِلَيْهِ , مَنْ مَلَكَهُ تَمَّ لَهُ مُلْكُ الْعَرَبِ ، فَعَلَيْكَ بِهِ ، وَدَعْنَا مِنْكَ ، فَأَتَاهُ ، حَتَّى بَلَغَ الْمَغْمَسَ ، فَوَجَدَ إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ ، فَأَنْهَبَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ جَاءَهُ ، وَكَانَ جَمِيلًا ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ ذُو نفر ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ إِبِلَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي لَا أُطِيقُ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَدْخَلْتُكَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : فَافْعَلْ ، فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ : قُضِيَتْ كُلُّ حَاجَةٍ جِئْتَ تَطْلُبُهَا قَالَ : إِنَّا فِي بَلَدٍ حَرَامٍ فِي سَبِيلٍ بَيْنَ أَرْضِ الْعَرَبِ وَبَيْنَ أَرْضِ الْعَجَمِ ، وَكَانَتْ لِي مِائَةُ نَاقَةٍ مُقَلَّدَةٍ تَرْعَى هَذَا الْوَادِي بَيْنَ مَكَّةَ وَتِهَامَةَ ، عَلَيْهَا نَمِيرُ أَهْلَنَا ، وَنَخْرُجُ إِلَى تِجَارَتِنَا ، وَنَتَحَمَّلُ مِنْ عَدِوِّنَا ، عَدَا عَلَيْهَا جَيْشُكَ فَأَخْذَوَهَا ، وَلَيْسَ مِثْلُكَ يُظْلَمُ مَنْ جَاوَرَهُ ، فَالْتَفَتَ الْحَبَشِيُّ إِلَى ذِي نفر ، ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَجَبًا ، فَقَالَ : لَوْ سَأَلَنِي كُلَّ شَيْءٍ أُحْرِزُهُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ ، أَمَّا إِبِلُكَ فَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ وَمِثْلَهَا ، فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فِي بَيْتِكُمْ هَذَا ، وَبَلَدِكُمْ هَذَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَمَّا بَيْتُنَا هَذَا ، وَبَلَدُنَا هَذَا ، فَإِنَّ لَهُمَا رَبًّا ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مَنَعَهُمَا ، وَلَكِنِّي أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ ، وَتَأَلَّى لَيَهْدِمَنَّ مَكَّةَ ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، وَسَمِعَ تَأَلِّيهِ فِي مَكَّةَ ، وَقَدْ هَرَبَ أَهْلُهَا ، فَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ ، فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ ، وَهُوَ يَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ : لَا هُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رحْلَهُ فَامْنَعْ حَلَالَكْ لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ فَلَئِنْ فَعَلْتَ فَبِهَا وَإِلَّا فَالْأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ وَلَئِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ تَتِمُّ بِهِ فِعَالُكَ غَدَوْا لِجُمُوعِهِمْ وَالْفِيلُ كَيْ يَدُوسُوا عِيَالَكْ وَلَئِنْ تَرَكْتَهُمْ وَكَعْبَتَنَا فَوَا حُزْنًا هُنَالِكْ فَلَمَّا تَوَجَّهَ شِمْرٌ وَأَصْحَابُهُ بِالْفِيلِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا مَا أَجْمَعُوا طَفِقَ كُلَّمَا وَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ أَنَاخَ وَبَرَكَ ، فَإِذَا صَرَفُوهُ عَنْهَا مِنْ حَيْثُ أَتَى أَسْرَعَ السَّيْرَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى غَشِيَهُمُ اللَّيْلُ وَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا خَرَاطِيمُ ، كَأَنَّهَا الْبَلَسُ شَبِيهَةٌ بِالْوَطَاوِيطِ حُمْرٌ وَسُودٌ ، فَلَمَّا رَأَوْهَا أَشْفَقُوا مِنْهَا ، وَسَقَطَ فِي أَذْرُعِهِمْ ، فَقَالَ شِمْرٌ : مَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ طَيْرٍ خِمَالٍ جَنَّبَهَا اللَّيْلُ إِلَى مَسَاكِنِهَا ، فَرَمَتْهُمْ بِحِجَارَةٍ مُدَحْرَجَةٍ كَالْبَنَادِقِ ، تَقَعُ فِي رَأْسِ الرَّجُلِ ، فَتَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ ، وَكَانَ فِيهِمْ أَخَوَانِ مِنْ كِنْدَةَ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا ، فَفَارَقَ الْقَوْمَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الْآخَرُ ، فَلَحِقَ بِأَخِيهِ حِينَ رَأَى مَا رَأَى ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُ عَنْهَا إِذْ رَأَى طَيْرًا مِنْهَا قَالَ : كَانَ هَذَا مِنْهَا ، فَدَنَا مِنْهُ الطَّيْرُ ، فَفَدَغَهُ بِحَجَرٍ ، فَمَاتَ ، فَقَالَ أَخُوهُ النَّاجِي مِنْهَا : فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ ، وَلَنْ تَرَانَا خِبْتَ لِذِي الْغِمْرَيْنِ مَا لَقِينَا خَشِيتَ اللَّهَ لَمَّا بَثَّ طَيْرًا بِظِلِّ سَحَابَةٍ مَرَّتْ عَلَيْنَا وَبَاتُوا كُلُّهُمْ يَدْعُو بِحَقٍّ كَأَنْ قَدْ كَانَ لِلْحُبْشَانِ دِينَا فَلَمَّا أَصْبَحُوا مِنَ الْغَدِ أَصْبَحَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى جِبَالِهِمْ ، فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا غَشِيَهُمْ ، فَبَعَثَ ابْنَهُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ سَرِيعٍ يَنْظُرُ مَا لَقُوا ، فَإِذَا الْقَوْمُ مُشَدَّخُونَ جَمِيعًا ، فَرَجَعَ يَرْفَعُ فَرَسَهُ كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ قَالَ : إِنَّ ابْنِي أَفْرَسُ الْعَرَبِ ، وَمَا كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ إِلَّا بَشِيرًا ، أَوْ نَذِيرًا ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ نَادِيهِمْ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ ، قَالُوا : مَا وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : هَلَكُوا جَمِيعًا ، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ ، فَكَانَتْ أَوَّلُ أَمْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَنْتَ مَنَعْتَ الْجَيْشَ وَالْأَفْيَالَا وَقَدْ رَعَوْا بِمَكَّةَ الْأَجْبَالَا وَقَدْ خَشِينَا مِنْهُمُ الْقِتَالَا وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُمْ مِعْضَالَا شُكْرًا وَحَمْدًا لَكَ ذَا الْجَلَالَا وَقَالَ عُمَارَةُ الْعَبْدُ : اللَّهُ رَبِّي وَوَلِيَّ الْأَنْفُسِ أَنْتَ حَبَسْتَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ فَانْصَرَفَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَصْفُودٍ هَارِبًا وَحْدَهُ ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ سَقَطَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلًا آخَرَ فَسَقَطَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ، فَأَتَى مَنْزِلَهُ وَقَوْمَهُ وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا أَعْضَاءَ لَهُ ، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَصَّ عَلَيْهِمْ مَا لَقِيَتْ جُيُوشُهُ ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ . قَالَ الشَّيْخُ : رَوَى قِصَّةَ أَصْحَابِ الْفِيلِ مِنْ وُجُوهٍ وَسِيَاقٍ عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَتَمَّهَا وَأَحْسَنَهَا شَرْحًا ، وَذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَعَثَ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ وَهْمُ بَعْضِ النَّقَلَةِ ، لِأَنَّ الزُهْرِيَّ ذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مَوْتُهُ عَامَ الْفِيلِ وَأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُ عَلَى فَرَسِهِ لِيَنْظُرَ مَا لَقِيَ الْقَوْمُ

    غدا: الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار
    تألى: تألى : أقسم
    حرز: الحرز : الحصن الواقي والموفر للحفظ والحماية والصيانة
    مقلدة: قلد الهدي : علق في عنقه ما يدل على إهدائه للحرم
    يرتجز: الرجز : إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين
    طفق: طفق يفعل الشيء : أخذ في فعله واستمر فيه
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات