• 1093
  • " كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ ، هَهُنَا فِي الدِّيمَاسِ , وَأَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ وَكَانَ فِي صَحْنِ السُّوقِ عِزْبَةُ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُكْنَى بِأَبِي سُلَيْمَانَ , فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : بَيْتُ الْمَقْدِسِ , قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : أَنَا وَاللَّهِ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ , قَالَ : فَالصَّحَابَةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ ؟ نَعَمْ , قَالَ : فَمَضَى مَعَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ إِلَى بَيْتِهِ فَأَخْرَجَ دَوْرَقًا مَشْدُودَ الرَّأْسِ فِيهِ كِسَرُ خُبْزٍ , قَالَ : فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ , وَرَدَّ الدَّوْرَقَ , وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَقَالَ : امْضِ بِنَا , قَالَ : فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا صَارَ قَرِيبًا مِنْ خَارِجِ السُّوقِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحْتَجِمَ , قَالَ : فَاحْتَجَمَ إِبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ , فَلَمَّا فَرَغَ الْحَجَّامُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِي سُلَيْمَانَ : مَعَكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : وَإِيشِ مَعَكَ ؟ قَالَ : فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا , قَالَ : ادْفَعْهَا إِلَى الْحَجَّامِ , قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ , أَدْفَعُهَا كُلَّهَا إِلَى الْحَجَّامِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , ادْفَعْهَا كَمَا أَقُولُ , قَالَ : وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يُرَاجَعُ فِي شَيْءٍ , قَالَ : فَدَفَعْتُهَا وَخَرَجْنَا , فَلَمَّا مَشَيْنَا قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ تِيكَ الدَّرَاهِمُ كُنَّا حَمَلْنَاهَا لَنَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْضَ مَا نَدْخُلُ بِهِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْعِيَالِ , فَقُلْتَ : أَعْطِهَا كُلَّهَا لِلْحَجَّامِ , فَأَعْطَيْنَاهَا , وَفَرِقْتُ مِنْكَ , وَاللَّهِ مَا مَعِي شَيْءٌ غَيْرُهَا , قَالَ : فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَنِي , قَالَ : فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَذَكَرْتُ الدَّرَاهِمَ فَكَانَ يَسْكُتُ فَلَا يُجِيبُنِي , قَالَ : فَلَاحَتْ لَنَا قَرْيَةٌ نَاحِيَةٌ عَنِ الطَّرِيقِ , فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ إِنَّ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَبِيتَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ , قَالَ : وَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ , قَالَ : فَمِلْنَا نَحْوَهَا , فَجِئْنَا الْقَرْيَةَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْمُؤَذِّنُ جَالِسٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤَذِّنَ , قَالَ : فَسَلَّمْنَا فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ , فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : مَنْ أَنْتَ ؟ مِنْ أَهْلِ هَهُنَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , فَقَالَ : تَعْلَمُ لَنَا بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ حَصَادًا نَحْصِدُهُ ؟ قَالَ : وَكَانَ قَدْ حَصَدَ النَّاسُ , فَقَالَ الشَّيْخُ : قَدْ حَصَدَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ , وَمَا أَعْلَمُ هَهُنَا إِلَّا حَقْلَيْنِ كَبِيرَيْنِ لِرَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ , فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : فَإِذَا صَلَّيْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ , فَإِنَّا شَيْخَانِ كَمَا تَرَى حَصَّادَانِ نُجِيدُ الْعَمَلَ , قَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ : فَلَمَّا أَنْ صَلَّى الشَّيْخُ الْمَغْرِبَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ : امْضِ بِنَا آجَرَكَ اللَّهُ إِلَى النَّصْرَانِيِّ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِينَا , قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ دَعْنَا نَرْكَعْ عَافَاكَ اللَّهُ قَالَ : فَسَكَتَ إِبْرَاهِيمُ , وَرَكَعَ , وَرَكَعَ الشَّيْخُ , فَعَاوَدَهُ إِبْرَاهِيمُ , فَقَالَ : مُرُّوا , فَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى قَرَعَ بَابَ النَّصْرَانِيِّ , فَخَرَجَ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ : إِنَّ هَذَيْنِ شَيْخَانِ غَرِيبَانِ , وَهُمَا يُجِيدَانِ الْحَصَادَ , وَقَدْ ذَكَرْتُ لَهُمَا أَمْرَ حَقْلَيْكَ هَذَيْنِ , وَقَدْ تَأَبَّى عَلَيْكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فِيهِمَا , وَأَرْجُو مِنْ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ أَنْ يَحْصِدَا لَكَ كَمَا تُحِبُّ فَأَرِهِمَا إِيَّاهُ , وَاسْتَعْمِلْهُمَا , قَالَ : مَا شِئْتَ , فَمَضَى النَّصْرَانِيُّ وَمَضَيْنَا مَعَهُ وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَوِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أُحِبُّ مِنْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا فَإِنَّكَ تُؤْجَرُ , قَالَ : فَجَاءَ مَعَنَا فَدَخَلَ النَّصْرَانِيُّ فَأَرَاهُمَا الْحَقْلَيْنِ , قَالَ : وَاللَّيْلَةُ مُقْمِرَةٌ , قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : قَدْ رَأَيْنَا , وَنَحْنُ نُجِيدُ عَمَلَهُ لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَأَعْطِنَا مَا أَحْبَبْتَ , قَالَ : سَلُوا , قَالَ : مَا نَسْأَلُكَ شَيْئًا , اذْكُرْ أَنْتَ مَا شِئْتَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ , وَمَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَأَعْطِ هَذَا الشَّيْخَ الْمُؤَذِّنَ يَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ , فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْ عَمِلِنَا مَا تُحِبُّ مُرْهُ يُعْطِيِنَا حَقَّنَا , وَإِنْ كَرِهْتَ فَأَنْتَ فِي سَعَةٍ , وَحَقُّكَ لَكَ , فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أُعْطِيكُمْ دِينَارًا , فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : قَدْ رَضِينَا , ادْفَعْ الدِّينَارَ إِلَى الشَّيْخِ , وَنَحْنُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَبْتَدِئُ فِي عَمَلِكَ , فَجَاءَ النَّصْرَانِيُّ بِدِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَى الشَّيْخِ , وَرَجَعْنَا مَعَ الشَّيْخِ إِلَى الْمَسْجِدِ , فَلَمَّا صَلَّيْنَا عِشَاءَ الْآخِرَةَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلشَّيْخِ : قَدْ أُغْفِلْنَا , لَيْسَ مَعَنَا مَنَاجِلُ , قُلْ لِلنَّصْرَانِيِّ : ابْعَثْ إِلَيْهِ يُعْطِينَا مِنْجَلَيْنِ , قَالَ الشَّيْخُ : عِنْدِي أَنَا أُعْطِيكُمْ , فَأَرْسَلَ الشَّيْخُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَى بِمِنْجَلَيْنِ جَيِّدَيْنِ , قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ : امْضِ بِنَا إِلَى الْحَقْلِ , فَجِئْنَا فَدَخَلْنَا الْحَقْلَ , فَكَانَ فِيهِ مَاءٌ , فَرَكَعَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْحَقْلِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , مَا أَقْبَحَ بِنَا شَخْصَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ تَذْهَبُ لَيْلَتُنَا فِي عَمَلِ نَصْرَانِيٍّ , وَلَا نَرْكَعُ نُصَلِّي لِلَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؟ فَإِنِّي لَا أَحْسِبُ أَحَدًا صَلَّى فِيهِ قَطُّ , انْظُرْ أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , تُصَلِّي أَنْتَ هَهُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَذْهَبُ أَنَا فَأَحْصِدَ ؟ أَوْ تَذْهَبُ أَنْتَ فَتَحْصِدَ ؟ وَأُقِيمُ أَنَا فَأُصَلِّيَ مَا قُدِّرَ لِي ؟ قَالَ : فَأَعْجَبَنِي مَا قَالَ , فَقُلْتُ : أَنَا أُقِيمُ هَهُنَا , وَأُصَلِّي , وَاذْهَبْ أَنْتَ فَاحْصِدْ , قَالَ : فَتَشَمَّرَ إِبْرَاهِيمُ وَشَدَّ فِي وَسَطِهِ , وَأَخَذَ الْمِنْجَلَ وَذَهَبَ , وَأَقَمْتُ أَنَا مَكَانِي , فَرَكَعْتُ ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسِي وَنِمْتُ , قَالَ : فَجَاءَنِي إِبْرَاهِيمُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَرَاكَ نَائِمًا قُمْ بِنَا , هَذَا الصُّبْحُ , وَالسَّاعَةَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ , قَدْ فَرَغْتُ مِنْ عَمَلِ النَّصْرَانِيِّ , قُلْتُ : وَقَدْ فَرَغْتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ؟ قَالَ : قَدْ أَعَانَنَا اللَّهُ تَعَالَى فَتَوَضَّأْنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ , وَجَلَسْنَا سَاعَةً , حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا جِئْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَ الشَّيْخِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكَ , قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ قَالَ : إِنَّا فَرَغْنَا مِنْ عَمَلِ النَّصْرَانِيِّ , قَدْ حَصَدْنَاهُ كُلَّهُ , وَجَرَزْنَاهُ كَمَا يَنْبَغِي , قَالَ : فَأَطْرَقَ الشَّيْخُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : مَا أَحْسِبُكَ يَا شَيْخُ إِلَّا قَدْ أَهْلَكْتَ النَّصْرَانِيَّ وَنَفْسَكَ وَصَاحِبَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ لَا يُفْرَغُ مِنْهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا , تَقُولُ أَنْتَ : قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُ فِي لَيْلَةٍ إِيشِ هَذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَقْبَحَ الْكَذِبِ , امْضِ بِنَا عَافَاكَ اللَّهُ - إِنْ رَأَيْتَ - إِلَى ذَلِكَ النَّصْرَانِيِّ حَتَّى يَدْخُلَ حَقْلَيْهِ , فَإِنْ رَأَى عَمَلًا مُحْكَمًا عَلَى مَا يَجِبُ أَمَرَكَ أَنْ تُعْطِينَا حَقَّنَا , وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادٌ تَرَكْنَا حَقَّنَا , وَإِنْ لَزِمَنَا غُرْمٌ غَرِمْنَا , قَالَ : فَقَالَ الشَّيْخُ : أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَعَّالٌ لَمَّا يُرِيدُ , امْضُوا بِنَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى , قَالَ : فَمَضَيْنَا إِلَى النَّصْرَانِيِّ , قَالَ : فَخَرَجَ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِكَ كُلِّهِ , وَحَصَدَهُ حَصَادًا جَيِّدًا , وَجَرَزَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي , فَأَرْخَى النَّصْرَانِيُّ عَيْنَيْهِ يَبْكِي , وَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ , وَجَعَلَ يَنْتِفُ لِحْيَتَهُ , وَأَقْبَلَ بِاللَّوْمِ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ : غَرَّرْتَنِي فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا نَصْرَانِيُّ لَا تَفْعَلْ , امْضِ بِنَا وَلَا تَعْجَلِ بِاللَّوْمِ ، وَالْعَذْلَ , فَإِنْ رَأَيْتَ مَا تُحِبُّ وَإِلَّا فَأَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ , قَالَ : فَمَا زَادَهُ كَلَامُ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا بُكَاءً وَنَتْفًا لِلِحْيَتِهِ وَجَلَسَ , وَقَالَ : إِيشْ تَقُولُ ؟ أَهْلَكْتَنِي وَأَهْلَكْتَ عِيَالِي قَالَ : فَمَرَّ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : اسْتَأْجِرْ هَذَا الرَّجُلَ بِدِرْهَمٍ عَلَيَّ حَتَّى يَدْخُلَ الْحَقْلَ , فَإِنِّي لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا زَارِعًا , فَإِنْ رَأَى فِي الْحَصَادِ تَقْصِيرًا جَاءَكَ فَأَخْبَرَكَ , وَإِنْ رَأَى خَيْرًا جَاءَ فَأَعْلَمَكَ , قَالَ الشَّيْخُ : مَا أَحْسِبُكَ إِلَّا أَنْصَفْتَ , امْضُوا بِنَا , وَأَخَذَ بِيَدِ النَّصْرَانِيِّ فَأَقَامَهُ , فَجِئْنَا جَمِيعًا , فَدَخَلْنَا الْحَقْلَ الْأَوَّلَ , فَإِذَا هُوَ قَدْ حُصِدَ حَصَادًا جَيِّدًا , وَإِذَا جُرُزٌ مَرْبُوطَةٌ مُكَوَّمَةٌ جَيِّدَةٌ , قَالَ : ثُمَّ دَخَلْنَا الْحَقْلَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ , فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ , قَالَ : فَعَجِبَ الشَّيْخُ , وَعَجِبَ النَّصْرَانِيُّ , وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ لِلشَّيْخِ : أَعْطِهِمَا الدِّينَارَ , وَأَزِيدُهُمَا دِينَارًا آخَرَ , قَالَ إِبْرَاهِيمُ : تُنْكِرُ شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : مَا ذَكَرْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا , هَلُمَّ الدِّينَارَ , قَالَ : فَدَفَعَ الدِّينَارَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ , قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , خُذْ هَذَا الدِّينَارَ , وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَيْسَ تَصْحَبُنِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , إِمَّا أَنْ أَرْجِعَ إِلَى عَسْقَلَانَ وَتَمْضِيَ أَنْتَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , وَإِمَّا أَنْ أَمْضِيَ وَتَرْجِعَ أَنْتَ إِلَى عَسْقَلَانَ , قَالَ : فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ الصُّحْبَةَ , قَالَ : لَا , كَرَّرْتَ عَلَيَّ : الدَّرَاهِمُ , الدَّرَاهِمُ خُذْ هَذَا الدِّينَارَ , وَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ , بَارَكَ اللَّهُ لَكَ , قَالَ : فَأَخَذْتُ الدِّينَارَ وَرَجَعْتُ إِلَى عَسْقَلَانَ وَمَضَى هُوَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ "

    حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَنْمَاطِيُّ الْعَسْكَرِيُّ , ثنا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الضَّيْفِ ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَلِّمُ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ ، هَهُنَا فِي الدِّيمَاسِ , وَأَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ وَكَانَ فِي صَحْنِ السُّوقِ عِزْبَةُ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يُكْنَى بِأَبِي سُلَيْمَانَ , فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : بَيْتُ الْمَقْدِسِ , قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : أَنَا وَاللَّهِ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ , قَالَ : فَالصَّحَابَةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ ؟ نَعَمْ , قَالَ : فَمَضَى مَعَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ إِلَى بَيْتِهِ فَأَخْرَجَ دَوْرَقًا مَشْدُودَ الرَّأْسِ فِيهِ كِسَرُ خُبْزٍ , قَالَ : فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ , وَرَدَّ الدَّوْرَقَ , وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَقَالَ : امْضِ بِنَا , قَالَ : فَمَضَيْنَا حَتَّى إِذَا صَارَ قَرِيبًا مِنْ خَارِجِ السُّوقِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحْتَجِمَ , قَالَ : فَاحْتَجَمَ إِبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ , فَلَمَّا فَرَغَ الْحَجَّامُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِي سُلَيْمَانَ : مَعَكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : وَإِيشِ مَعَكَ ؟ قَالَ : فَأَخْرَجَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا , قَالَ : ادْفَعْهَا إِلَى الْحَجَّامِ , قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ , أَدْفَعُهَا كُلَّهَا إِلَى الْحَجَّامِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , ادْفَعْهَا كَمَا أَقُولُ , قَالَ : وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يُرَاجَعُ فِي شَيْءٍ , قَالَ : فَدَفَعْتُهَا وَخَرَجْنَا , فَلَمَّا مَشَيْنَا قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ قُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ تِيكَ الدَّرَاهِمُ كُنَّا حَمَلْنَاهَا لَنَشْتَرِيَ بِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْضَ مَا نَدْخُلُ بِهِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْعِيَالِ , فَقُلْتَ : أَعْطِهَا كُلَّهَا لِلْحَجَّامِ , فَأَعْطَيْنَاهَا , وَفَرِقْتُ مِنْكَ , وَاللَّهِ مَا مَعِي شَيْءٌ غَيْرُهَا , قَالَ : فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَنِي , قَالَ : فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَذَكَرْتُ الدَّرَاهِمَ فَكَانَ يَسْكُتُ فَلَا يُجِيبُنِي , قَالَ : فَلَاحَتْ لَنَا قَرْيَةٌ نَاحِيَةٌ عَنِ الطَّرِيقِ , فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ إِنَّ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَبِيتَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ , قَالَ : وَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ , قَالَ : فَمِلْنَا نَحْوَهَا , فَجِئْنَا الْقَرْيَةَ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْمُؤَذِّنُ جَالِسٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤَذِّنَ , قَالَ : فَسَلَّمْنَا فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ , فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : مَنْ أَنْتَ ؟ مِنْ أَهْلِ هَهُنَا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , فَقَالَ : تَعْلَمُ لَنَا بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ حَصَادًا نَحْصِدُهُ ؟ قَالَ : وَكَانَ قَدْ حَصَدَ النَّاسُ , فَقَالَ الشَّيْخُ : قَدْ حَصَدَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ , وَمَا أَعْلَمُ هَهُنَا إِلَّا حَقْلَيْنِ كَبِيرَيْنِ لِرَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ , فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ : فَإِذَا صَلَّيْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ , فَإِنَّا شَيْخَانِ كَمَا تَرَى حَصَّادَانِ نُجِيدُ الْعَمَلَ , قَالَ : مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ : فَلَمَّا أَنْ صَلَّى الشَّيْخُ الْمَغْرِبَ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ جَاءَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ : امْضِ بِنَا آجَرَكَ اللَّهُ إِلَى النَّصْرَانِيِّ حَتَّى تُكَلِّمَهُ فِينَا , قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ دَعْنَا نَرْكَعْ عَافَاكَ اللَّهُ قَالَ : فَسَكَتَ إِبْرَاهِيمُ , وَرَكَعَ , وَرَكَعَ الشَّيْخُ , فَعَاوَدَهُ إِبْرَاهِيمُ , فَقَالَ : مُرُّوا , فَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى قَرَعَ بَابَ النَّصْرَانِيِّ , فَخَرَجَ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ : إِنَّ هَذَيْنِ شَيْخَانِ غَرِيبَانِ , وَهُمَا يُجِيدَانِ الْحَصَادَ , وَقَدْ ذَكَرْتُ لَهُمَا أَمْرَ حَقْلَيْكَ هَذَيْنِ , وَقَدْ تَأَبَّى عَلَيْكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فِيهِمَا , وَأَرْجُو مِنْ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ أَنْ يَحْصِدَا لَكَ كَمَا تُحِبُّ فَأَرِهِمَا إِيَّاهُ , وَاسْتَعْمِلْهُمَا , قَالَ : مَا شِئْتَ , فَمَضَى النَّصْرَانِيُّ وَمَضَيْنَا مَعَهُ وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَوِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أُحِبُّ مِنْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا فَإِنَّكَ تُؤْجَرُ , قَالَ : فَجَاءَ مَعَنَا فَدَخَلَ النَّصْرَانِيُّ فَأَرَاهُمَا الْحَقْلَيْنِ , قَالَ : وَاللَّيْلَةُ مُقْمِرَةٌ , قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : قَدْ رَأَيْنَا , وَنَحْنُ نُجِيدُ عَمَلَهُ لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَأَعْطِنَا مَا أَحْبَبْتَ , قَالَ : سَلُوا , قَالَ : مَا نَسْأَلُكَ شَيْئًا , اذْكُرْ أَنْتَ مَا شِئْتَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ , وَمَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ فَأَعْطِ هَذَا الشَّيْخَ الْمُؤَذِّنَ يَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ , فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْ عَمِلِنَا مَا تُحِبُّ مُرْهُ يُعْطِيِنَا حَقَّنَا , وَإِنْ كَرِهْتَ فَأَنْتَ فِي سَعَةٍ , وَحَقُّكَ لَكَ , فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أُعْطِيكُمْ دِينَارًا , فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : قَدْ رَضِينَا , ادْفَعْ الدِّينَارَ إِلَى الشَّيْخِ , وَنَحْنُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَبْتَدِئُ فِي عَمَلِكَ , فَجَاءَ النَّصْرَانِيُّ بِدِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَى الشَّيْخِ , وَرَجَعْنَا مَعَ الشَّيْخِ إِلَى الْمَسْجِدِ , فَلَمَّا صَلَّيْنَا عِشَاءَ الْآخِرَةَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلشَّيْخِ : قَدْ أُغْفِلْنَا , لَيْسَ مَعَنَا مَنَاجِلُ , قُلْ لِلنَّصْرَانِيِّ : ابْعَثْ إِلَيْهِ يُعْطِينَا مِنْجَلَيْنِ , قَالَ الشَّيْخُ : عِنْدِي أَنَا أُعْطِيكُمْ , فَأَرْسَلَ الشَّيْخُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَى بِمِنْجَلَيْنِ جَيِّدَيْنِ , قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ : امْضِ بِنَا إِلَى الْحَقْلِ , فَجِئْنَا فَدَخَلْنَا الْحَقْلَ , فَكَانَ فِيهِ مَاءٌ , فَرَكَعَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْحَقْلِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ , ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , مَا أَقْبَحَ بِنَا شَخْصَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ تَذْهَبُ لَيْلَتُنَا فِي عَمَلِ نَصْرَانِيٍّ , وَلَا نَرْكَعُ نُصَلِّي لِلَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؟ فَإِنِّي لَا أَحْسِبُ أَحَدًا صَلَّى فِيهِ قَطُّ , انْظُرْ أَيُّمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , تُصَلِّي أَنْتَ هَهُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَذْهَبُ أَنَا فَأَحْصِدَ ؟ أَوْ تَذْهَبُ أَنْتَ فَتَحْصِدَ ؟ وَأُقِيمُ أَنَا فَأُصَلِّيَ مَا قُدِّرَ لِي ؟ قَالَ : فَأَعْجَبَنِي مَا قَالَ , فَقُلْتُ : أَنَا أُقِيمُ هَهُنَا , وَأُصَلِّي , وَاذْهَبْ أَنْتَ فَاحْصِدْ , قَالَ : فَتَشَمَّرَ إِبْرَاهِيمُ وَشَدَّ فِي وَسَطِهِ , وَأَخَذَ الْمِنْجَلَ وَذَهَبَ , وَأَقَمْتُ أَنَا مَكَانِي , فَرَكَعْتُ ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسِي وَنِمْتُ , قَالَ : فَجَاءَنِي إِبْرَاهِيمُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَرَاكَ نَائِمًا قُمْ بِنَا , هَذَا الصُّبْحُ , وَالسَّاعَةَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ , قَدْ فَرَغْتُ مِنْ عَمَلِ النَّصْرَانِيِّ , قُلْتُ : وَقَدْ فَرَغْتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ؟ قَالَ : قَدْ أَعَانَنَا اللَّهُ تَعَالَى فَتَوَضَّأْنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ , وَجَلَسْنَا سَاعَةً , حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا جِئْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَ الشَّيْخِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ : سَلَامٌ عَلَيْكَ , قَالَ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ قَالَ : إِنَّا فَرَغْنَا مِنْ عَمَلِ النَّصْرَانِيِّ , قَدْ حَصَدْنَاهُ كُلَّهُ , وَجَرَزْنَاهُ كَمَا يَنْبَغِي , قَالَ : فَأَطْرَقَ الشَّيْخُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : مَا أَحْسِبُكَ يَا شَيْخُ إِلَّا قَدْ أَهْلَكْتَ النَّصْرَانِيَّ وَنَفْسَكَ وَصَاحِبَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ لَا يُفْرَغُ مِنْهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا , تَقُولُ أَنْتَ : قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُ فِي لَيْلَةٍ إِيشِ هَذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَقْبَحَ الْكَذِبِ , امْضِ بِنَا عَافَاكَ اللَّهُ - إِنْ رَأَيْتَ - إِلَى ذَلِكَ النَّصْرَانِيِّ حَتَّى يَدْخُلَ حَقْلَيْهِ , فَإِنْ رَأَى عَمَلًا مُحْكَمًا عَلَى مَا يَجِبُ أَمَرَكَ أَنْ تُعْطِينَا حَقَّنَا , وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادٌ تَرَكْنَا حَقَّنَا , وَإِنْ لَزِمَنَا غُرْمٌ غَرِمْنَا , قَالَ : فَقَالَ الشَّيْخُ : أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَعَّالٌ لَمَّا يُرِيدُ , امْضُوا بِنَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى , قَالَ : فَمَضَيْنَا إِلَى النَّصْرَانِيِّ , قَالَ : فَخَرَجَ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : إِنَّ هَذَا الشَّيْخَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِكَ كُلِّهِ , وَحَصَدَهُ حَصَادًا جَيِّدًا , وَجَرَزَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي , فَأَرْخَى النَّصْرَانِيُّ عَيْنَيْهِ يَبْكِي , وَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ , وَجَعَلَ يَنْتِفُ لِحْيَتَهُ , وَأَقْبَلَ بِاللَّوْمِ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ : غَرَّرْتَنِي فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا نَصْرَانِيُّ لَا تَفْعَلْ , امْضِ بِنَا وَلَا تَعْجَلِ بِاللَّوْمِ ، وَالْعَذْلَ , فَإِنْ رَأَيْتَ مَا تُحِبُّ وَإِلَّا فَأَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ , قَالَ : فَمَا زَادَهُ كَلَامُ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا بُكَاءً وَنَتْفًا لِلِحْيَتِهِ وَجَلَسَ , وَقَالَ : إِيشْ تَقُولُ ؟ أَهْلَكْتَنِي وَأَهْلَكْتَ عِيَالِي قَالَ : فَمَرَّ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : اسْتَأْجِرْ هَذَا الرَّجُلَ بِدِرْهَمٍ عَلَيَّ حَتَّى يَدْخُلَ الْحَقْلَ , فَإِنِّي لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا زَارِعًا , فَإِنْ رَأَى فِي الْحَصَادِ تَقْصِيرًا جَاءَكَ فَأَخْبَرَكَ , وَإِنْ رَأَى خَيْرًا جَاءَ فَأَعْلَمَكَ , قَالَ الشَّيْخُ : مَا أَحْسِبُكَ إِلَّا أَنْصَفْتَ , امْضُوا بِنَا , وَأَخَذَ بِيَدِ النَّصْرَانِيِّ فَأَقَامَهُ , فَجِئْنَا جَمِيعًا , فَدَخَلْنَا الْحَقْلَ الْأَوَّلَ , فَإِذَا هُوَ قَدْ حُصِدَ حَصَادًا جَيِّدًا , وَإِذَا جُرُزٌ مَرْبُوطَةٌ مُكَوَّمَةٌ جَيِّدَةٌ , قَالَ : ثُمَّ دَخَلْنَا الْحَقْلَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ , فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ , قَالَ : فَعَجِبَ الشَّيْخُ , وَعَجِبَ النَّصْرَانِيُّ , وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ لِلشَّيْخِ : أَعْطِهِمَا الدِّينَارَ , وَأَزِيدُهُمَا دِينَارًا آخَرَ , قَالَ إِبْرَاهِيمُ : تُنْكِرُ شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : مَا ذَكَرْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا , هَلُمَّ الدِّينَارَ , قَالَ : فَدَفَعَ الدِّينَارَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ , قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ : فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , خُذْ هَذَا الدِّينَارَ , وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَيْسَ تَصْحَبُنِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , إِمَّا أَنْ أَرْجِعَ إِلَى عَسْقَلَانَ وَتَمْضِيَ أَنْتَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , وَإِمَّا أَنْ أَمْضِيَ وَتَرْجِعَ أَنْتَ إِلَى عَسْقَلَانَ , قَالَ : فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ : يَا أَبَا إِسْحَاقَ الصُّحْبَةَ , قَالَ : لَا , كَرَّرْتَ عَلَيَّ : الدَّرَاهِمُ , الدَّرَاهِمُ خُذْ هَذَا الدِّينَارَ , وَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ , بَارَكَ اللَّهُ لَكَ , قَالَ : فَأَخَذْتُ الدِّينَارَ وَرَجَعْتُ إِلَى عَسْقَلَانَ وَمَضَى هُوَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ

    أحتجم: احتجم : تداوى بالحجامة وهي تشريط موضع الألم وتسخينه لإخراج الدم الفاسد منه
    الحجام: الحجام : من يعالج بالحجامة وهي تشريط موضع الألم وتسخينه لإخراج الدم الفاسد من البدن
    وفرقت: الفرق : الخوف الشديد والفزع
    فأطرق: أطرق : أمال رأسه إلى صدره وسكت فلم يتكلم
    غرمنا: الغُرْم : ما يلزم الشخص أداؤه كالضمان والدين والدية وغير ذلك
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات