" لَمَّا بَنَى الْمَهْدِيُّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَزَادَ الزِّيَادَةَ الْأُولَى ، اتَّسَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ وَشِقُّهُ الَّذِي يَلِي دَارَ النَّدْوَةِ الشَّامِيُّ وَضَاقَ شِقُّهُ الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَلِي الْوَادِيَ وَالصَّفَا ، فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي شِقِّ الْمَسْجِدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَادِيَ كَانَ دَاخِلًا لَاصِقًا بِالْمَسْجِدِ فِي بَطْنِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ ، قَالَ : وَكَانَتِ الدُّورُ وَبُيُوتُ النَّاسِ مِنْ وَرَائِهِ فِي مَوْضِعِ الْوَادِي الْيَوْمَ ، إِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُهُ دُورِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُسْلَكُ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى الصَّفَا فِي بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ يُسْلَكُ فِي زُقَاقٍ ضَيِّقٍ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا مِنَ الْتِفَافِ الْبُيُوتِ ، فِيمَا بَيْنَ الْوَادِي وَالصَّفَا ، وَكَانَ الْمَسْعَى فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ ، وَكَانَ بَابُ دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ حَدِّ رُكْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ ، عِنْدَ مَوْضِعِ الْمَنَارَةِ الشَّارِعَةِ فِي نَحْوِ الْوَادِي ، فِيهَا عَلَمُ الْمَسْعَى ، وَكَانَ الْوَادِي يَمُرُّ دُونَهَا فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ "
قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ : قَالَ جَدِّي : لَمَّا بَنَى الْمَهْدِيُّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَزَادَ الزِّيَادَةَ الْأُولَى ، اتَّسَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ وَشِقُّهُ الَّذِي يَلِي دَارَ النَّدْوَةِ الشَّامِيُّ وَضَاقَ شِقُّهُ الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَلِي الْوَادِيَ وَالصَّفَا ، فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي شِقِّ الْمَسْجِدِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَادِيَ كَانَ دَاخِلًا لَاصِقًا بِالْمَسْجِدِ فِي بَطْنِ الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ ، قَالَ : وَكَانَتِ الدُّورُ وَبُيُوتُ النَّاسِ مِنْ وَرَائِهِ فِي مَوْضِعِ الْوَادِي الْيَوْمَ ، إِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُهُ دُورِ النَّاسِ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُسْلَكُ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى الصَّفَا فِي بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ يُسْلَكُ فِي زُقَاقٍ ضَيِّقٍ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا مِنَ الْتِفَافِ الْبُيُوتِ ، فِيمَا بَيْنَ الْوَادِي وَالصَّفَا ، وَكَانَ الْمَسْعَى فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ ، وَكَانَ بَابُ دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ حَدِّ رُكْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ ، عِنْدَ مَوْضِعِ الْمَنَارَةِ الشَّارِعَةِ فِي نَحْوِ الْوَادِي ، فِيهَا عَلَمُ الْمَسْعَى ، وَكَانَ الْوَادِي يَمُرُّ دُونَهَا فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ : فَلَمَّا حَجَّ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ، وَرَأَى الْكَعْبَةَ فِي شِقٍّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، كَرِهَ ذَلِكَ ، وَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ مُتَوَسِّطَةً فِي الْمَسْجِدِ ، فَدَعَا الْمُهَنْدِسِينَ فَشَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ ، فَقَدَّرُوا ذَلِكَ ، فَإِذَا هُوَ لَا يَسْتَوِي لَهُمْ مِنْ أَجْلِ الْوَادِي وَالسَّيْلُ ، وَقَالُوا : إِنَّ وَادِيَ مَكَّةَ لَهُ أَسْيَالٌ عَارِمَةٌ ، وَهُوَ وَادٍ حَدُورٌ ، وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ حَوَّلْنَا الْوَادِيَ عَنْ مَكَانِهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ لَنَا عَلَى مَا نُرِيدُ ، مَعَ أَنَّ وَرَاءَهُ مِنَ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ مَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمُؤْنَةُ ، وَلَعَلَّهُ أَلَّا يَتِمَّ ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ : لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُوَسِّعَهُ حَتَّى أُوَسِّطَ الْكَعْبَةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلَوْ أَنْفَقْتُ فِيهِ مَا فِي بُيُوتِ الْأَمْوَالِ ، وَعَظُمَتْ فِي ذَلِكَ نِيَّتُهُ ، وَاشْتَدَّتْ رَغْبَتُهُ ، وَلَهَجَ بِعَمَلِهِ ، فَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّهِ ، فَقَدَّرُوا ذَلِكَ وَهُوَ حَاضِرٌ ، وَنُصِبَتِ الرِّمَاحُ عَلَى الدُّورِ ، مِنْ أَوَّلِ مَوْضِعِ الْوَادِي إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ ذَرَعُوهُ مِنْ فَوْقِ الرِّمَاحِ حَتَّى عَرَفُوا مَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا يَكُونُ لِلْوَادِي فِيهِ مِنْهُ ، فَلَمَّا نَصَبُوا الرِّمَاحَ عَلَى جَنْبَتَيِ الْوَادِي ، وَعُلِمَ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ ، وَزَنُوهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَقَدَّرُوا ذَلِكَ ، ثُمَّ خَرَجَ الْمَهْدِيُّ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَخَلَّفَ الْأَمْوَالَ ، فَاشْتَرَوْا مِنَ النَّاسِ دُورَهُمْ ، فَكَانَ ثَمَنُ كُلِّ مَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِرَاعٍ مُكَسَّرٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا ، وَكَانَ ثَمَنُ كُلِّ مَا دَخَلَ فِي الْوَادِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ، وَأَرْسَلَ إِلَى الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ فَنُقِلَتْ أَسَاطِينُ الرُّخَامِ فِي السُّفُنِ حَتَّى أُنَزَلَتْ بِجُدَّةَ ، ثُمَّ نُقِلَتْ عَلَى الْعَجَلِ مِنْ جُدَّةَ إِلَى مَكَّةَ ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَهَدَمُوا الدُّورَ وَبَنَوْا الْمَسْجِدَ ، فَابْتَدَءُوا مِنْ أَعْلَاهُ مِنْ بَابِ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ الْوَادِيَ وَالْبَطْحَاءَ ، وَوُسِّعَ ذَلِكَ الْبَابُ ، وَجُعِلَ بِإِزَائِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلُهُ بَابًا آخَرَ ، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فَجَّ خَطِّ الْحِزَامِيَّةِ ، يُقَالُ لَهُ : بَابُ الْبَقَّالِينَ ، فَقَالَ الْمُهَنْدِسُونَ : إِنْ جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ ، وَلَمْ يَحْمِلْ فِي شِقِّ الْكَعْبَةِ ، فَابْتَدَءُوا عَمَلَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ، وَاشْتَرُوا الدُّورَ وَهَدَمُوهَا ، فَهَدَمُوا أَكْثَرَ دَارِ ابْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَايِذِيِّ ، وَجَعَلُوا الْمَسْعَى وَالْوَادِيَ فيهِمَا فَهَدَمُوا ما كَانَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْوَادِي مِنَ الدُّورِ ، ثُمَّ حَرَّفُوا الْوَادِيَ فِي مَوْضِعِ الدُّورِ حَتَّى لَقُوا بِهِ الْوَادِيَ الْقَدِيمَ ، بِبَابِ أَجْيَادٍ الْكَبِيرِ بِفَمِ خَطِّ الْحِزَامِيَّةِ ، فَالَّذِي زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شِقِّ الْوَادِي تِسْعَوْنَ ذِرَاعًا مِنْ مَوْضِعِ جَدْرِ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ إِلَى مَوْضِعِهِ الْيَوْمَ ، وَإِنَّمَا كَانَ عَرْضُ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مِنْ جَدْرِ الْكَعْبَةِ الْيَمَانِيِّ إِلَى جَدْرِ الْمَسْجِدِ الْيَمَانِيِّ الشَّارِعِ عَلَى الْوَادِي الَّذِي يَلِي بَابَ الصَّفَا تِسْعً وَأَرْبَعِونَ ذِرَاعًا وَنِصْفَ ذِرَاعٍ ، ثُمَّ بَنَى مُنْحَدَرًا حَتَّى دَخَلَتْ دَارُ أُمِّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَتْ عِنْدَهَا بِئْرٌ جَاهِلِيَّةٌ ، كَانَ قُصَيٌّ حَفَرَهَا ، فَدَخَلَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَحَفَرَ الْمَهْدِيُّ عِوَضًا مِنْهَا الْبِئْرَ الَّتِي عَلَى بَابِ الْبَقَّالِينَ الَّذِي فِي حَدِّ رُكْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ ، ثُمَّ مَضَوْا فِي بِنَائِهِ بِأَسَاطِينِ الرُّخَامِ ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ الْمُذَهَّبِ الْمَنْقُوشِ ، حَتَّى تُوُفِّيَ الْمَهْدِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ، وَقَدِ انْتَهَوْا إِلَى آخِرِ مُنْتَهَى أَسَاطِينِ الرُّخَامِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ ، فَاسْتُخْلِفَ مُوسَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينِ ، فَبَادَرَ الْقَوْمُ بِإِتْمَامِ الْمَسْجِدِ ، وَأَسْرَعُوا فِي ذَلِكَ ، وَبَنَوْا أَسَاطِينَهُ بِحِجَارَةٍ ، ثُمَّ طُلِيَتْ بِالْجِصِّ ، وَعُمِلَ سَقْفُهُ عَمَلًا دُونَ عَمَلِ الْمَهْدِيِّ فِي الْإِحْكَامِ وَالْحُسْنِ ، فَعَمِلَ الْمَهْدِيُّ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ مِنْ أَعْلَى الْمَسْجِدِ إِلَى مُنْتَهَى آخِرِ أَسَاطِينِ الرُّخَامِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عُمِلَ فِي خِلَافَةِ مُوسَى إِلَى الْمَنَارَةِ الشَّارِعَةِ ، عَلَى بَابِ أَجْيَادٍ الْكَبِيرِ ، ثُمَّ مُنْحَدَرًا فِي عَرْضِ الْمَسْجِدِ ، إِلَى بَابِ بَنِي جُمَحٍ ، إِلَى الْأَحْجَارِ النَّادِرَةِ مِنْ بَيْتِ الزَّيْتِ ، حَتَّى وَصَلَ بِعَمَلِ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَعَمَلِ الْمَهْدِيِّ فِي الزِّيَادَةِ الْأُولَى ، فَهَذَا جَمِيعُ مَا عُمِّرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَا أُحْدِثَ فِيهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَكَانَ فِي مَوْضِعِ الدَّارِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا : دَارُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ ، بَيْنَ بَابِ الْبَقَّالِينَ وَبَابِ الْخَيَّاطِينَ ، لَاصِقَةٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، رَحَبَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمَسْجِدِ ، حَتَّى اسْتَقْطَعَهَا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى فِي خِلَافَةِ الرَّشِيدِ هَارُونَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ ، فَبَنَاهَا وَلَمْ يُتِمَّ أَعْلَاهَا حَتَّى جَاءَ نَعْيُهُ ، وَلَمْ يُتِمَّ جَنَاحَهَا وَأَعْلَاهَا