سَمِعْتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَصَارُوا صُفُوفًا ، فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ ، فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ مِنَ الْخَلَائِقِ عَلَى قَدْرِ مِائَةِ عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ الْخَلَائِقِ ، ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ تَزْفَرُ الثَّالِثَةَ فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَذْهَلُ الْعُقُولُ فَيَفْزَعُ كُلُّ امْرِئٍ إِلَى عَمَلِهِ حَتَّى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ : بِخُلَّتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي ، وَيقُولُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : بِمُنَاجَاتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي ، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيقُولُ : بِمَا أَكْرَمْتَنِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي لَا أَسْأَلُكَ مَرْيمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أُمَّتِي أُمَّتِي ، لَا أَسْأَلُكَ الْيوْمَ نَفْسِي ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ أُمَّتِي ، قَالَ : فَيُجِيبُهُ الْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ : إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ أُمَّتِكَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ فِي أُمَّتِكَ ، ثُمَّ تَقِفُ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَنْتَظِرُونَ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ ، فَيَقُولُ الرَّحْمَنُ تَعَالَى : مَعَاشِرَ الزَّبَانِيَةِ ، انْطَلِقُوا بِالْمُصِرِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَى النَّارِ ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ بِتَهَاوُنِهِمْ بِأَمْرِي فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِحَقِّي ، وَانْتِهَاكِهِمْ حُرْمَتِي ، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ، وَيُبَارِزُونِي مَعَ كَرَامَتِي لَهُمْ فِي تَفْضِيلِي إِيَّاهُمْ عَلَى الْأُمَمِ ، وَلَا يَعْرِفُونَ فَضْلِي ، وَعَظِيمَ نِعْمَتِي ، فَعِنْدَهَا تَأْخُذُ الزَّبَانِيَةُ بِلِحَى الرِّجَالِ وَذَوَائِبِ النِّسَاءِ ، فَيَنْطَلِقْنَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسَاقُ إِلَى النَّارِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مُسْوَدٌّ وَجْهُهُ ، قَدْ وُضِعَتِ الْأَنْكَالُ فِي قَدَمِهِ ، وَالْأَغْلَالُ فِي عُنُقِهِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُمْ يسَاقُونَ بِأَلْوَانِهِمْ ، فَإِذَا وَرَدُّوا عَلَى مَالِكٍ قَالَ لَهُمْ : مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ ، مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتُمْ ، فَمَا وَرَدَ عَلِيَّ أَحْسَنُ وُجُوهًا مِنْكُمْ ؟ فَيقُولُونَ : يَا مَالِكُ نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ الْقُرْآنِ ، فَيقُولُ لَهُمْ مَالِكٌ : مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ ، أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَيرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالنَّحِيبِ وَالْبُكَاءِ ، فَيقُولُونَ : وَامُحَمَّدَاهُ ، يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لِمَنْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ مِنْ أُمَّتِكَ ، قَالَ : فَيُنَادَى مَالِكٌ بِتَهَدُّدٍ وَانْتِهَارٍ : يَا مَالِكُ ، مَنْ أَمَرَكَ بِمُعَاتَبَةِ أَهْلِ الشَّقَاءِ وَمُحَادَثَتِهِمْ ، وَالتَّوَقُّفِ عَنْ إِدْخَالِهِمُ الْعَذَابَ ؟ يَا مَالِكُ ، لَا تُسَوِّدْ وُجُوهَهُمْ فَقَدْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِي فِي دَارِ الدُّنْيَا ، يَا مَالِكُ لَا تُغِلَّهُمْ بِالْأَغْلَالِ فَقَدْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ ، يَا مَالِكُ لَا تُقَيِّدْهُمْ بِالْأَنْكَالِ فَقَدْ طَافُوا حَوْلَ بَيْتِيَ الْحَرَامِ ، يَا مَالِكُ ، لَا تُسَرْبِلْهُمُ الْقَطِرَانَ ، فَقَدْ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ لِلْإِحْرَامِ ، يَا مَالِكُ ، مُرِ النَّارَ لَا تَحْرِقْ أَلْسِنَتَهُمْ فَقَدْ كَانُوا يَقرءُونَ الْقُرْآنَ ، يَا مَالِكُ ، قُلْ لِلنَّارِ تَأْخُذُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ ، فَالنَّارُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَبِمَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى سُرَّتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى صَدْرِهِ ، فَإِذَا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ كَبَائِرِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ فُتِحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بَابٌ فَرَأَوْهُمْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنَ النَّارِ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ، يَبْكُونَ وَيقُولُونَ : يَا مُحَمَّدَاهُ ارْحَمْ مِنْ أُمَّتِكَ الْأَشْقِيَاءَ ، وَاشْفَعْ لَهُمْ ، فَقَدْ أَكَلَتِ النَّارُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَعِظَامَهُمْ ، ثُمَّ يُنَادُونَ : يَا رَبَّاهُ ، يَا سَيِّدَاهِ ، ارْحَمْ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ وَتَعَدَّى ، فَعِنْدَهَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ لَهُمْ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ ، فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ ، انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيُخْرِجُهُمْ ضَبَايِرَ قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُلْقِيهِمْ عَلَى نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَيَمْكُثُونَ حَتَّى يَعُودُون أَنْضَرَ مَا كَانُوا ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ مَكْتُوبٌ عَلَى جِبَاهِهِمْ : هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيُعْرَفُونَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ ، فَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السِّمَةَ فَيَمْحُوهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، فَلَا يُعْرَفُونَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ "
حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ ، ثنا سَلَّامٌ الْخَوَّاصُ ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ : سَمِعْتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَصَارُوا صُفُوفًا ، فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ ، فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ مِنَ الْخَلَائِقِ عَلَى قَدْرِ مِائَةِ عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ الْخَلَائِقِ ، ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ تَزْفَرُ الثَّالِثَةَ فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَذْهَلُ الْعُقُولُ فَيَفْزَعُ كُلُّ امْرِئٍ إِلَى عَمَلِهِ حَتَّى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ : بِخُلَّتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي ، وَيقُولُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : بِمُنَاجَاتِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي ، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيقُولُ : بِمَا أَكْرَمْتَنِي لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي لَا أَسْأَلُكَ مَرْيمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي ، وَمُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : أُمَّتِي أُمَّتِي ، لَا أَسْأَلُكَ الْيوْمَ نَفْسِي ، إِنَّمَا أَسْأَلُكَ أُمَّتِي ، قَالَ : فَيُجِيبُهُ الْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ : إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ أُمَّتِكَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ فِي أُمَّتِكَ ، ثُمَّ تَقِفُ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَنْتَظِرُونَ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ ، فَيَقُولُ الرَّحْمَنُ تَعَالَى : مَعَاشِرَ الزَّبَانِيَةِ ، انْطَلِقُوا بِالْمُصِرِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَى النَّارِ ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبِي عَلَيْهِمْ بِتَهَاوُنِهِمْ بِأَمْرِي فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِحَقِّي ، وَانْتِهَاكِهِمْ حُرْمَتِي ، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ، وَيُبَارِزُونِي مَعَ كَرَامَتِي لَهُمْ فِي تَفْضِيلِي إِيَّاهُمْ عَلَى الْأُمَمِ ، وَلَا يَعْرِفُونَ فَضْلِي ، وَعَظِيمَ نِعْمَتِي ، فَعِنْدَهَا تَأْخُذُ الزَّبَانِيَةُ بِلِحَى الرِّجَالِ وَذَوَائِبِ النِّسَاءِ ، فَيَنْطَلِقْنَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسَاقُ إِلَى النَّارِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا مُسْوَدٌّ وَجْهُهُ ، قَدْ وُضِعَتِ الْأَنْكَالُ فِي قَدَمِهِ ، وَالْأَغْلَالُ فِي عُنُقِهِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُمْ يسَاقُونَ بِأَلْوَانِهِمْ ، فَإِذَا وَرَدُّوا عَلَى مَالِكٍ قَالَ لَهُمْ : مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ ، مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتُمْ ، فَمَا وَرَدَ عَلِيَّ أَحْسَنُ وُجُوهًا مِنْكُمْ ؟ فَيقُولُونَ : يَا مَالِكُ نَحْنُ مِنْ أُمَّةِ الْقُرْآنِ ، فَيقُولُ لَهُمْ مَالِكٌ : مَعَاشِرَ الْأَشْقِيَاءِ ، أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَيرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالنَّحِيبِ وَالْبُكَاءِ ، فَيقُولُونَ : وَامُحَمَّدَاهُ ، يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لِمَنْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ مِنْ أُمَّتِكَ ، قَالَ : فَيُنَادَى مَالِكٌ بِتَهَدُّدٍ وَانْتِهَارٍ : يَا مَالِكُ ، مَنْ أَمَرَكَ بِمُعَاتَبَةِ أَهْلِ الشَّقَاءِ وَمُحَادَثَتِهِمْ ، وَالتَّوَقُّفِ عَنْ إِدْخَالِهِمُ الْعَذَابَ ؟ يَا مَالِكُ ، لَا تُسَوِّدْ وُجُوهَهُمْ فَقَدْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِي فِي دَارِ الدُّنْيَا ، يَا مَالِكُ لَا تُغِلَّهُمْ بِالْأَغْلَالِ فَقَدْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنَ الْجَنَابَةِ ، يَا مَالِكُ لَا تُقَيِّدْهُمْ بِالْأَنْكَالِ فَقَدْ طَافُوا حَوْلَ بَيْتِيَ الْحَرَامِ ، يَا مَالِكُ ، لَا تُسَرْبِلْهُمُ الْقَطِرَانَ ، فَقَدْ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ لِلْإِحْرَامِ ، يَا مَالِكُ ، مُرِ النَّارَ لَا تَحْرِقْ أَلْسِنَتَهُمْ فَقَدْ كَانُوا يَقرءُونَ الْقُرْآنَ ، يَا مَالِكُ ، قُلْ لِلنَّارِ تَأْخُذُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ ، فَالنَّارُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَبِمَقَادِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى سُرَّتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى صَدْرِهِ ، فَإِذَا انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ كَبَائِرِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ فُتِحَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بَابٌ فَرَأَوْهُمْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنَ النَّارِ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ، يَبْكُونَ وَيقُولُونَ : يَا مُحَمَّدَاهُ ارْحَمْ مِنْ أُمَّتِكَ الْأَشْقِيَاءَ ، وَاشْفَعْ لَهُمْ ، فَقَدْ أَكَلَتِ النَّارُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَعِظَامَهُمْ ، ثُمَّ يُنَادُونَ : يَا رَبَّاهُ ، يَا سَيِّدَاهِ ، ارْحَمْ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ وَأَخْطَأَ وَتَعَدَّى ، فَعِنْدَهَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ لَهُمْ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ ، فَيَغْضَبُ اللَّهُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ : يَا جِبْرِيلُ ، انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَيُخْرِجُهُمْ ضَبَايِرَ قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُلْقِيهِمْ عَلَى نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ ، فَيَمْكُثُونَ حَتَّى يَعُودُون أَنْضَرَ مَا كَانُوا ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ مَكْتُوبٌ عَلَى جِبَاهِهِمْ : هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَيُعْرَفُونَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ ، فَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ السِّمَةَ فَيَمْحُوهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، فَلَا يُعْرَفُونَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ