• 2567
  • عَنْ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى النَّفَرِ الَّذِينَ كَتَبُوا إِلَيَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِحَقٍّ فِي رَدِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِأَقْدَارِهِ النَّافِذَةِ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ مَخْرَجٌ ، وَطَعْنِهِمْ فِي دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَائِمَةِ فِي أُمَّتِهِ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَيَّ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتُرُونَ مِنْهُ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ إِلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ كَانُوا يَقُولُونَ : الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ ، وَسَيُقْبَضُ الْعِلْمُ قَبْضًا سَرِيعًا ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ : إِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ عِنْدَ اللَّهِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ بِضَلَالَةٍ رَكِبَهَا حَسِبَهَا هُدًى ، وَلَا فِي هُدًى تَرَكَهُ حَسِبَهُ ضَلَالَةً ، قَدْ تَبَيَّنْتِ الْأُمُورُ ، وَثَبَتَتِ الْ حُجَّةُ ، وَانْقَطَعَ الْعُذْرُ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَنْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ تَقَطَّعَتْ مِنْ يَدَيْهِ أَسْبَابُ الْهُدَى ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ عِصْمَةً يَنْجُو بِهَا مِنَ الرَّدَى ، وَإِنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ بَلَغَكُمْ أَنِّي أَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ مَا الْعِبَادُ عَامِلُونَ ، وَإِلَى مَا هُمْ صَائِرُونَ ، فَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ عَلَيَّ وَقُلْتُمْ : إِنَّهُ لَيْسَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمٍ حَتَّى يَكُونَ ذَاكَ مِنَ الْخَلْقِ عَمَلًا ، فَكَيْفَ ذَلِكَ كَمَا قُلْتُمْ ؟ وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ }} ، يَعْنِي : عَائِدِينَ فِي الْكُفْرِ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }} فَزَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }} . أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي أَيِّ ذَلِكَ أَحْبَبْتُمْ فَعَلْتُمْ مِنْ ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }} ، فَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُمْ شَاءُوا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَنَالُوا بِمَشِيئَتِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ شَيْئًا قَوْلًا وَلَا عَمَلًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُمَلِّكِ الْعِبَادَ مَا بِيدِهِ ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ رُسُلِهِ ، فَقَدْ حَرَصَتِ الرُّسُلُ عَلَى هُدَى النَّاسِ جَمِيعًا ، فَمَا اهْتَدَى مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، وَلَقَدْ حَرَصَ إِبْلِيسُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ جَمِيعًا ، فَمَا ضَلَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ضَالًّا ، وَزَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِالَّذِي يَضْطَرُّ الْعِبَادَ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ مَعْصِيتِهِ ، وَلَا بِالَّذِي صَدَّهُمْ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ طَاعَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ بِزَعْمِكُمْ كَمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَعْمَلُونَ بِمَعْصِيَتِهِ ، كَذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَسْتَطِيعُونَ تَرْكَهَا ، فَجَعَلْتُمْ عِلْمَ اللَّهِ لَغْوًا ، تَقُولُونَ لَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَعَمِلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ بِهَا ، وَلَوْ شَاءَ تَرَكَ مَعْصِيتَهُ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ لَهَا ، فَأَنْتُمْ إِذَا شِئْتُمْ أَصَبْتُمُوهُ وَكَانَ عِلْمًا ، وَإِذَا شِئْتُمْ رَدَدْتُمُوهُ وَكَانَ جَهْلًا ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَحْدَثْتُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عِلْمًا لَيْسَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَطَعْتُمْ بِهِ عِلْمَ اللَّهِ عَنْكُمْ ، وَهَذَا مَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْدُهُ لِلتَّوْحِيدِ نَقْضًا ، وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فَضْلَهُ وَرَحْمَتَهُ هَمَلًا بِغَيْرِ قَسْمٍ مِنْهُ وَلَا اخْتِيَارٍ ، وَلَمْ يَبْعَثْ رُسُلَهُ بِإِبْطَالِ مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ ، فَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ فِي الْعِلْمِ بِأَمْرٍ وَتَنْقُضُونَهُ فِي آخَرَ ، وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ }} ، فَالْخَلْقُ صَائِرُونَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَازِلُونَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ شَيْءٌ هُوَ كَائِنٌ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ عَنْهُ ، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَفْرِضْ بِعَمَلٍ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ قَوْمٍ ، وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ، وَأَنَّهُ قَالَ : {{ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }} ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُعَذِّبُهُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَتَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُمْ لَوْ شَاءُوا خَرَجُوا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فِي عَذَابِهِ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ رَحْمَتِهِ لَهُمْ ، وَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَى كِتَابَ اللَّهِ بِرَدٍّ ، وَلَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى رِجَالًا مِنَ الرُّسُلِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ ، فَمَا اسْتَطَاعَ آبَاؤُهُمْ لِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ تَغْيِيرًا ، وَمَا اسْتَطَاعَ إِبْلِيسُ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ مِنَ الْفَضْلِ تَبْدِيلًا فَقَالَ : {{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ }} ، فَاللَّهُ أَعَزُّ فِي قُدْرَتِهِ ، وَأَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُمَلِّكَ أَحَدًا إِبْطَالَ عِلْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ مُسَمًّى لَهُمْ بِوَحْيهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ أَوْ أَنْ يُشْرِكَ فِي خَلْقِهِ أَحَدًا ، أَوْ يُدْخِلَ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ، أَوْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا مَنْ قَدْ أَدْخَلَهُ فِيهَا ، وَلَقَدْ أَعْظَمَ بِاللَّهِ الْجَهْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِلْمَ كَانَ بَعْدَ الْخَلْقِ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ وَحْدَهُ بِكَلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا ، وَبَعْدَمَا خَلَقَ لَمْ يَنْقُصْ عِلْمُهُ فِي بَدْئِهِمْ ، وَلَمْ يَزِدْ بَعْدَ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَا بِحَوَائِجِهِ الَّتِي قَطَعَ بِهَا دَابِرَ ظُلْمِهِمْ ، وَلَا يَمْلِكُ إِبْلِيسُ هُدَى نَفْسِهِ ، وَلَا ضَلَالَةَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ أَرَدْتُمْ بِقَذْفِ مَقَالَتِكُمْ إِبْطَالَ عِلْمِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ ، وَإِهْمَالَ عِبَادَتِهِ ، وَكِتَابُ اللَّهِ قَائِمٌ بِنَقْضِ بِدْعَتِكُمْ ، وَإِفْرَاطِ قَذْفِكُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ شِرْكٍ ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى لَمْ تَحِلَّ ضَلَالَتَهُ الَّتِي كَانَ فِيهَا دُونَ إِرَادَةِ اللَّهِ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى تَرَكَهُ فِي الْكُفْرِ ضَالًّا ، فَكَانَتْ ضَلَالَتُهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ هُدَاهُ ، فَزَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَثْبَتَ فِي قُلُوبِكُمُ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ ، فَعَمِلْتُمْ بِقُدْرَتِكُمْ بِطَاعَتِهِ ، وَتَرَكْتُمْ بِقُدْرَتِكُمْ مَعْصِيتَهُ ، وَإِنَّ اللَّهَ خِلْوٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَخْتَصُّ أَحَدًا بِرَحْمَتِهِ ، أَوْ يَحْجُزَ أَحَدًا عَنْ مَعْصِيتِهِ ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي بِقَدَرٍ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَكُمُ الْيُسْرُ وَالرَّخَاءُ وَالنِّعْمَةُ ، وَأَخْرَجْتُمْ مِنْهُ الْأَعْمَالَ ، وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنَ اللَّهِ ضَلَالَةٌ أَوْ هُدًى ، وَأَنَّكُمُ الَّذِينَ هَدَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَأَنَّكُمُ الَّذِينَ حَجَزْتُمُوهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنَ اللَّهِ ، وَلَا إِذْنٍ مِنْهُ ، فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلَا فِي الْقَوْلِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَمْ يَسْبِقْ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لَكَانَ للَّهِ فِي مُلْكِهِ شَرِيكٌ يَنْفُذُ مَشِيئَتَهُ فِي الْخَلْقِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ : {{ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ }} ، وَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَارِهُونَ ، {{ وَكَرَّهُ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ }} ، وَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُحِبُّونَ ، وَمَا كَانُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَادِرِينَ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا سَبَقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْمَغْفِرَةِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى : {{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }} ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ لِيغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }} ، فَلَوْلَا عِلْمُهُ مَا غَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهَا ، وَفَضْلًا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَرِضْوَانًا عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنُوا ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا هُمْ عَامِلُونَ آمِنُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا وَقَالَ : {{ تُرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }} . فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَامِلُونَ ، وَأَنَّ إِلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ ، فَيَكُونُ الَّذِي أَرَادُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ مَفْعُولًا ، وَلَا يَكُونُ لَوْحَيِ اللَّهِ فِيمَا اخْتَارَ تَصْدِيقًا ، بَلْ لِلَّهِ الْحِجَّةُ الْبَالِغَةُ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} . فَسَبَقَ لَهُمُ الْعَفْوُ مِنَ اللَّهِ فِيمَا أَخَذُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءُوا خَرَجُوا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فِي عَفْوِهِ عَنْهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ تَرْكِهِمْ لِمَا أَخَذُوا ، فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلَا وَكَذَّبَ ، وَلَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ بَشَرًا كَثِيرًا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ فَقَالَ : {{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ }} ، وَقَالَ : {{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ }} ، فَسَبَقَتْ لَهُمُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِالْإِيمَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْعُوا لَهُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمَ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَشَاءُ أَمْرًا فَتَحُولُ مَشِيئَةُ غَيْرِهِ دُونَ بَلَاغِ مَا شَاءَ ، وَلَقَدْ شَاءَ لِقَوْمٍ الْهُدَى فَلَمْ يُضِلَّهُمْ أَحَدٌ ، وَشَاءَ إِبْلِيسُ لِقَوْمٍ الضَّلَالَةَ فَاهْتَدَوْا ، وَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ : {{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }} ، وَمُوسَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِفِرْعَوْنَ عَدُوًّا وَحَزَنًا ، فَقَالَ تَعَالَى : {{ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ }} ، فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ : لَوْ شَاءَ فِرْعَوْنُ كَانَ لِمُوسَى وَلِيًّا وَنَاصِرًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا }} ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءَ فِرْعَوْنُ لَامْتَنَعَ مِنَ الْغَرَقِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ }} ، مُثْبَتٌ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي وَحْيِهِ فِي ذِكْرِ الْأَوَّلِينَ ، كَمَا قَالَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ لِآدَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ : {{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }} ، فَصَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا ، وَكَمَا كَانَ إِبْلِيسُ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ سَيكُونُ مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَصَارَ إِلَى ذَلِكَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ فَأَبَى ، فَتَلَقَّى آدَمُ التَّوْبَةَ فَرُحِمَ ، وَتَلْقَى إِبْلِيسُ اللَّعْنَةَ فَغَوَى ، ثُمَّ أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ مَرْحُومًا مَتُوبًا عَلَيْهِ ، وَأُهْبِطَ إِبْلِيسُ بِنَظْرَتِهِ مَدْحُورًا مَذْمُومًا مَسْخُوطًا عَلَيْهِ ، وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : إِنَّ إِبْلِيسَ وَأَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْجِنِّ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ عِلْمِ اللَّهِ وَالْخُرُوجَ مِنْ قَسَمِهِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ إِذْ قَالَ : {{ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ }} ، حَتَّى لَا يَنْفُذَ لَهُ عِلْمٌ إِلَّا بَعْدَ مَشِيئَتِهِمْ ، فَمَاذَا تُرِيدُونَ بِهَلَكَةِ أَنْفُسِكُمْ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُشْهِدْكُمْ خَلْقَ أَنْفُسِكُمْ ، فَكَيْفَ يُحِيطُ جَهْلُكُمْ بِعِلْمِهِ وَعِلْمُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُقْصِرٍ عَنْ شىءٍ ، هُوَ كَائِنٌ وَلَا يَسْبِقُ عِلْمُهُ فِي شَيْءٍ فَيَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ ، فَلَوْ كُنْتُمْ تَنْتَقِلُونَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ لَكَانَتْ مَوَاقِعُكُمْ عِنْدَهُ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْعِبَادِ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فِيهَا ، وَمَا كَانَ لَهُمْ فِي الْغَيْبِ مِنْ عِلْمٍ فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْفَسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ ، وَمَا قَالُوا تَخَرُّصًا إِلَّا بِتَعْلِيمِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ لَهُمْ ، فَظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَدْ أَنْطَقَهُمْ بِهِ ، فَأَنْكَرْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَزَاغَ قَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَزِيغُوا ، وَأَضَلَّ قَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَضِلُّوا ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَرَفَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْعِبَادَ مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ ، وَبَرَّهُمْ مِنْ فَاجِرِهِمْ ، وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ عَبْدٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا ، أَوْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَافِرٌ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا ، وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }} ، فَهُوَ فِي الضَّلَالَةِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ آخَرُونَ اتَّخَذُوا مِنْ بَعْدِ الْهُدَى عِجْلًا جَسَدًا فَضَلُّوا بِهِ فَعَفَى عَنْهُمْ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ، فَصَارُوا مِنْ أُمَّةِ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَصَارُوا إِلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ ، ثُمَّ ضَلَّتْ ثَمُودُ بَعْدَ الْهُدَى ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُرْحَمُوا ، فَصَارُوا فِي عِلْمِهِ إِلَى صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ، فَنَفَذُوا إِلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ أَنَّ صَالِحًا رَسُولَهُمْ ، وَأَنَّ النَّاقَةَ فِتْنَةٌ لَهُمْ ، وَأَنَّهُ مُمِيتُهُمْ كُفَّارًا فَعَقَرُوهَا ، وَكَانَ إِبْلِيسُ فِيمَا كَانَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْعِبَادَةِ ابْتُلِيَ فَعَصَى فَلَمْ يُرْحَمْ ، وَابْتُلِيَ آدَمُ فَعَصَى فَرُحِمَ ، وَهَمَّ آدَمُ بِالْخَطِيئَةِ فَنَسِيَ ، وَهَمَّ يُوسُفُ بِالْخَطِيئَةِ فَعُصِمَ ، فَأَيْنَ كَانَتِ الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ هَلْ كَانَتْ تُغْنِي شَيْئًا فِيمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ ، أَوْ تُغْنِي فِيمَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى يَكُونَ ، فَتُعْرَفُ لَكُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ ، بَلِ اللَّهُ أَعَزُّ مِمَّا تَصِفُونَ وَأَقْدَرُ ، وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنَ اللَّهِ ضَلَالَةٌ أَوْ هُدًى ، وَإِنَّمَا عِلْمُهُ بِزَعْمِكُمْ حَافِظٌ ، وَأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَعْمَالِ إِلَيْكُمْ إِنْ شِئْتُمْ أَحْبَبْتُمُ الْإِيمَانَ فَكُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ جَعَلْتُمْ بِجَهْلِكُمْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مُصَدِّقٌ لِلْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ أَنَّهُ مِنْ ذَنْبٍ مَضَاهُ ذَنْبًا خَبِيثًا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ : أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ أَشَيْءَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ شَيْءٌ نَأْتَنِفُهُ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ " فَطَعَنْتُمْ بِالتَّكْذِيبِ لَهُ ، وَتَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمِهِ إِذْ قُلْتُمْ : إِنْ كُنَّا لَا نَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ فَهُوَ الْجَبْرُ وَالْجَبْرُ عِنْدَكُمُ الْحَيْفُ ، فَسَمَّيْتُمْ نَفَاذَ عِلْمِ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ حَيْفًا ، وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ فَنَثَرَ ذُرِّيَّتَهُ فِي يَدِهِ فَكَتَبَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ، وَكَتَبَ أَهْلَ النَّارِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا آرَاءَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ نَسْتَطِيعُ رَدَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْنَاهُ ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيوفَنَا عَلَى عَوَاتِقَنَا إِلَّا أَسْهَلَ بِنَا عَلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ أَمْرِكُمْ هَذَا ، ثُمَّ أَنْتُمْ بِجَهْلِكُمْ قَدْ أَظْهَرْتُمْ دَعْوَةَ حَقٍّ عَلَى تَأْوِيلِ بَاطِلٍ ، تَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ فَقُلْتُمُ : الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَالسَّيِّئَةُ مِنْ أَنْفُسِنَا ، وَقَالَ أَئِمَّتُكُمْ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ : الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ ، وَالسَّيِّئَةُ مِنْ أَنْفُسِنَا فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ ، فَقُلْتُمْ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنْ أَنْفُسِنَا ، كَمَا بَدْءُ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَنْفُسِنَا ، وَهَذَا رَدٌّ لِلْكِتَابِ مِنْكُمْ ، وَنَقْضٌ لِلدِّينِ . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ نَجَمَ الْقَوْلَ بِالْقَدَرِ : هَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَاللَّهِ مَا يَنْتَهِي بِهِمْ سُوءُ رَأْيِهِمْ حَتَّى يُخْرِجُوا اللَّهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ خَيْرًا ، كَمَا أَخْرَجُوهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ شَرًّا ، فَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ بِجَهْلِكُمْ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ضَالًّا فَاهْتَدَى فَهُوَ بِمَا مَلَكَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ فِي هُدَاهُ مَا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَلِمَهُ فِيهِ ، وَأَنَّ مَنْ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَا فَوَّضَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَحَهُ اللَّهُ لَهُ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَكَفَرَ فَهُوَ مِمَّا شَاءَ لِنَفْسِهِ ، وَمَلَكَ مِنْ ذَلِكَ لَهَا ، وَكَانَتْ مَشِيئَتُهُ فِي كُفْرِهِ أُنْفَذُ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ فِي إِيمَانِهِ ، بَلْ أَشْهَدُ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَبِغَيْرِ مَعُونَةٍ كَانَتْ مِنْ نَفْسِهِ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَبِغَيْرِ حُجَّةٍ كَانَتْ لَهُ فِيهَا ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِي النَّاسَ جَمِيعًا لَنَفَذَ أَمْرُهُ فِيمَنْ ضَلَّ حَتَّى يَكُونَ مُهْتَدِيًا فَقُلْتُمْ : بِمَشِيئَتِهِ شَاءَ لَكُمْ تَفْوِيضَ الْحَسَنَاتِ إِلَيْكُمْ ، وَتَفْوِيضَ السَّيِّئَاتِ ، أَلْقَى عَنْكُمْ سَابِقَ عِلْمِهِ فِي أَعْمَالِكُمْ ، وَجَعَلَ مَشِيئَتَهُ تَبَعًا لِمَشِيئَتِكُمْ ، وَيْحَكُمْ فَوَاللَّهِ مَا أَمْضَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَشِيئَتَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا مَا آتَاهُمْ بِقُوَّةٍ حَتَّى نَتَقَ الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ، فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ أَمْضَى مَشِيئَتَهُ لِمَنْ كَانَ فِي ضَلَالَتِهِ حِينَ أَرَادَ هُدَاهُ حَتَّى صَارَ إِلَى أَنْ أَدْخَلَهُ بِالسَّيْفِ إِلَى الْإِسْلَامِ كُرْهًا بِمَوْضِعِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فِيهِ ، أَمْ هَلْ أَمْضَى لِقَوْمِ يُونُسَ مَشِيئَتَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا حَتَّى أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ فَآمَنُوا وَقَبِلَ مِنْهُمْ ، وَرَدَّ عَلَى غَيْرِهِمُ الْإِيمَانَ ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ }} . أَيْ عِلْمُ اللَّهِ الَّذِي قَدْ خَلَا فِي خَلْقِهِ : {{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }} . وَذَلِكَ كَانَ مَوْقِعَهُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُهْلَكُوا بِغَيْرِ قَبُولٍ مِنْهُمْ بَلِ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ بِيدِ اللَّهِ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيذَرُ مَنْ يَشَاءُ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . كَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }} . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مَسْلَمَةً لَكَ }} . أَيْ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ بِيدِكَ ، وَإِنَّ عِبَادَةَ مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ بِيدِكَ ، فَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ وَجَعَلْتُمُوهُ مِلْكًا بِأَيْدِيكُمْ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقُلْتُمْ فِي الْقَتْلِ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ لِيَحْيَى : {{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيوْمَ يَمُوتُ وَيوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }} . فَلَمْ يَمُتْ يَحْيَى إِلَّا بِالْقَتْلِ وَهُوَ مَوْتٌ كَمَا مَاتَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا ، أَوْ قُتِلَ عَمْدًا ، أَوْ قُتِلَ خَطَأً ، كَمَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ ، أَوْ فَجْأَةً ، كُلُّ ذَلِكَ مَوْتٌ بِأَجَلٍ تَوَفَّاهُ ، وَرِزْقٍ اسْتَكْمَلَهُ ، وَأَثَرٍ بَلَغَهُ ، وَمَضْجَعٍ بَرَزَ إِلَيْهِ : {{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا }} . وَلَا تَمُوتُ نَفْسٌ وَلَهَا فِي الدُّنْيَا عُمْرُ سَاعَةٍ إِلَّا بَلَغَتْهُ ، وَلَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَطِئَتْهُ ، وَلَا مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ رِزْقٍ إِلَّا اسْتَكْمَلَتْهُ ، وَلَا مَضْجَعٌ بِحَيْثُ كَانَ إِلَّا بَرَزَتْ إِلَيْهِ ، يُصَدِّقُ ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ }} . فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعَذَابِهِمْ بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالنَّارِ ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ بِمَكَّةَ ، وَتَقُولُونَ أَنْتُمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ عِلْمِ اللَّهِ فِي الْعَذَابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنَّهُمَا نَازِلَانِ بِهِمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ }} . يَعْنِي الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، {{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ }} . فَانْظُرُوا إِلَى مَا أَرْدَاكُمْ فِيهِ رَأْيَكُمْ وَكِتَابًا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ بِشَقَائِكُمْ إِنْ لَمْ يَرْحَمْكُمْ ، ثُمَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَعْمَالٍ : الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ يَوْمِ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ إِلَى الْقِيَامَةِ ، فِيهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ مَنْ عَدَلَ ، وَالثَّانِيَةُ : أَهْلُ التَّوْحِيدِ لَا تُكَفِّرُوهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ بِشِرْكٍ ، وَالثَّالِثَةُ : الْمَقَادِيرُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ " فَنَقَضْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ جِهَادَهُ ، وَنَقَضْتُمْ شَهَادَتَكُمْ عَلَى أُمَّتِكُمْ بِالْكُفْرِ وَبَرِئْتُمْ مِنْهُمْ بِبِدْعَتِكُمْ ، وَكَذَّبْتُمْ بِالْمَقَادِيرِ كُلِّهَا وَالْآجَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَرْزَاقِ ، فَمَا بَقِيتْ فِي أَيْدِيكُمْ خَصْلَةٌ يَنْبَنِي الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا إِلَّا نَقَضْتُمُوهَا وَخَرَجْتُمْ مِنْهَا "

    حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ ، ثنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ ، ثنا سُلَيْمُ بْنُ نُفَيْعٍ الْقُرَشِيُّ ، عَنْ خَلَفٍ أَبِي الْفَضْلِ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى النَّفَرِ الَّذِينَ كَتَبُوا إِلَيَّ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِحَقٍّ فِي رَدِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِأَقْدَارِهِ النَّافِذَةِ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ مَخْرَجٌ ، وَطَعْنِهِمْ فِي دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَائِمَةِ فِي أُمَّتِهِ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَيَّ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتُرُونَ مِنْهُ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ إِلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ كَانُوا يَقُولُونَ : الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ ، وَسَيُقْبَضُ الْعِلْمُ قَبْضًا سَرِيعًا ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ : إِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ عِنْدَ اللَّهِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ بِضَلَالَةٍ رَكِبَهَا حَسِبَهَا هُدًى ، وَلَا فِي هُدًى تَرَكَهُ حَسِبَهُ ضَلَالَةً ، قَدْ تَبَيَّنْتِ الْأُمُورُ ، وَثَبَتَتِ الْ حُجَّةُ ، وَانْقَطَعَ الْعُذْرُ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَنْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ تَقَطَّعَتْ مِنْ يَدَيْهِ أَسْبَابُ الْهُدَى ، وَلَمْ يَجِدْ لَهُ عِصْمَةً يَنْجُو بِهَا مِنَ الرَّدَى ، وَإِنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ بَلَغَكُمْ أَنِّي أَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ مَا الْعِبَادُ عَامِلُونَ ، وَإِلَى مَا هُمْ صَائِرُونَ ، فَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ عَلَيَّ وَقُلْتُمْ : إِنَّهُ لَيْسَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمٍ حَتَّى يَكُونَ ذَاكَ مِنَ الْخَلْقِ عَمَلًا ، فَكَيْفَ ذَلِكَ كَمَا قُلْتُمْ ؟ وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ }} ، يَعْنِي : عَائِدِينَ فِي الْكُفْرِ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }} فَزَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }} . أَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي أَيِّ ذَلِكَ أَحْبَبْتُمْ فَعَلْتُمْ مِنْ ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }} ، فَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُمْ شَاءُوا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَنَالُوا بِمَشِيئَتِهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ شَيْئًا قَوْلًا وَلَا عَمَلًا ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُمَلِّكِ الْعِبَادَ مَا بِيدِهِ ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ رُسُلِهِ ، فَقَدْ حَرَصَتِ الرُّسُلُ عَلَى هُدَى النَّاسِ جَمِيعًا ، فَمَا اهْتَدَى مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، وَلَقَدْ حَرَصَ إِبْلِيسُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ جَمِيعًا ، فَمَا ضَلَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ضَالًّا ، وَزَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِالَّذِي يَضْطَرُّ الْعِبَادَ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ مَعْصِيتِهِ ، وَلَا بِالَّذِي صَدَّهُمْ عَمَّا تَرَكُوهُ مِنْ طَاعَتِهِ ، وَلَكِنَّهُ بِزَعْمِكُمْ كَمَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَعْمَلُونَ بِمَعْصِيَتِهِ ، كَذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَسْتَطِيعُونَ تَرْكَهَا ، فَجَعَلْتُمْ عِلْمَ اللَّهِ لَغْوًا ، تَقُولُونَ لَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَعَمِلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ بِهَا ، وَلَوْ شَاءَ تَرَكَ مَعْصِيتَهُ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ لَهَا ، فَأَنْتُمْ إِذَا شِئْتُمْ أَصَبْتُمُوهُ وَكَانَ عِلْمًا ، وَإِذَا شِئْتُمْ رَدَدْتُمُوهُ وَكَانَ جَهْلًا ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَحْدَثْتُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عِلْمًا لَيْسَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَطَعْتُمْ بِهِ عِلْمَ اللَّهِ عَنْكُمْ ، وَهَذَا مَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْدُهُ لِلتَّوْحِيدِ نَقْضًا ، وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فَضْلَهُ وَرَحْمَتَهُ هَمَلًا بِغَيْرِ قَسْمٍ مِنْهُ وَلَا اخْتِيَارٍ ، وَلَمْ يَبْعَثْ رُسُلَهُ بِإِبْطَالِ مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ ، فَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ فِي الْعِلْمِ بِأَمْرٍ وَتَنْقُضُونَهُ فِي آخَرَ ، وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ }} ، فَالْخَلْقُ صَائِرُونَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَازِلُونَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ شَيْءٌ هُوَ كَائِنٌ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ عَنْهُ ، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَفْرِضْ بِعَمَلٍ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ قَوْمٍ ، وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ، وَأَنَّهُ قَالَ : {{ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }} ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُعَذِّبُهُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَتَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُمْ لَوْ شَاءُوا خَرَجُوا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فِي عَذَابِهِ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ رَحْمَتِهِ لَهُمْ ، وَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَى كِتَابَ اللَّهِ بِرَدٍّ ، وَلَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى رِجَالًا مِنَ الرُّسُلِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ ، فَمَا اسْتَطَاعَ آبَاؤُهُمْ لِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ تَغْيِيرًا ، وَمَا اسْتَطَاعَ إِبْلِيسُ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ مِنَ الْفَضْلِ تَبْدِيلًا فَقَالَ : {{ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ }} ، فَاللَّهُ أَعَزُّ فِي قُدْرَتِهِ ، وَأَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُمَلِّكَ أَحَدًا إِبْطَالَ عِلْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ مُسَمًّى لَهُمْ بِوَحْيهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ أَوْ أَنْ يُشْرِكَ فِي خَلْقِهِ أَحَدًا ، أَوْ يُدْخِلَ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ، أَوْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا مَنْ قَدْ أَدْخَلَهُ فِيهَا ، وَلَقَدْ أَعْظَمَ بِاللَّهِ الْجَهْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعِلْمَ كَانَ بَعْدَ الْخَلْقِ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ وَحْدَهُ بِكَلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا ، وَبَعْدَمَا خَلَقَ لَمْ يَنْقُصْ عِلْمُهُ فِي بَدْئِهِمْ ، وَلَمْ يَزِدْ بَعْدَ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَا بِحَوَائِجِهِ الَّتِي قَطَعَ بِهَا دَابِرَ ظُلْمِهِمْ ، وَلَا يَمْلِكُ إِبْلِيسُ هُدَى نَفْسِهِ ، وَلَا ضَلَالَةَ غَيْرِهِ ، وَقَدْ أَرَدْتُمْ بِقَذْفِ مَقَالَتِكُمْ إِبْطَالَ عِلْمِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ ، وَإِهْمَالَ عِبَادَتِهِ ، وَكِتَابُ اللَّهِ قَائِمٌ بِنَقْضِ بِدْعَتِكُمْ ، وَإِفْرَاطِ قَذْفِكُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ شِرْكٍ ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى لَمْ تَحِلَّ ضَلَالَتَهُ الَّتِي كَانَ فِيهَا دُونَ إِرَادَةِ اللَّهِ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى تَرَكَهُ فِي الْكُفْرِ ضَالًّا ، فَكَانَتْ ضَلَالَتُهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ هُدَاهُ ، فَزَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَثْبَتَ فِي قُلُوبِكُمُ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ ، فَعَمِلْتُمْ بِقُدْرَتِكُمْ بِطَاعَتِهِ ، وَتَرَكْتُمْ بِقُدْرَتِكُمْ مَعْصِيتَهُ ، وَإِنَّ اللَّهَ خِلْوٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَخْتَصُّ أَحَدًا بِرَحْمَتِهِ ، أَوْ يَحْجُزَ أَحَدًا عَنْ مَعْصِيتِهِ ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي بِقَدَرٍ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَكُمُ الْيُسْرُ وَالرَّخَاءُ وَالنِّعْمَةُ ، وَأَخْرَجْتُمْ مِنْهُ الْأَعْمَالَ ، وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنَ اللَّهِ ضَلَالَةٌ أَوْ هُدًى ، وَأَنَّكُمُ الَّذِينَ هَدَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَأَنَّكُمُ الَّذِينَ حَجَزْتُمُوهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنَ اللَّهِ ، وَلَا إِذْنٍ مِنْهُ ، فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلَا فِي الْقَوْلِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَمْ يَسْبِقْ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لَكَانَ للَّهِ فِي مُلْكِهِ شَرِيكٌ يَنْفُذُ مَشِيئَتَهُ فِي الْخَلْقِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ : {{ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ }} ، وَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَارِهُونَ ، {{ وَكَرَّهُ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ }} ، وَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُحِبُّونَ ، وَمَا كَانُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَادِرِينَ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا سَبَقَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْمَغْفِرَةِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى : {{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }} ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ لِيغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }} ، فَلَوْلَا عِلْمُهُ مَا غَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَهَا ، وَفَضْلًا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَرِضْوَانًا عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنُوا ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا هُمْ عَامِلُونَ آمِنُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا وَقَالَ : {{ تُرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }} . فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَامِلُونَ ، وَأَنَّ إِلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ ، فَيَكُونُ الَّذِي أَرَادُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ مَفْعُولًا ، وَلَا يَكُونُ لَوْحَيِ اللَّهِ فِيمَا اخْتَارَ تَصْدِيقًا ، بَلْ لِلَّهِ الْحِجَّةُ الْبَالِغَةُ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }} . فَسَبَقَ لَهُمُ الْعَفْوُ مِنَ اللَّهِ فِيمَا أَخَذُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءُوا خَرَجُوا مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فِي عَفْوِهِ عَنْهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ تَرْكِهِمْ لِمَا أَخَذُوا ، فَمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلَا وَكَذَّبَ ، وَلَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ بَشَرًا كَثِيرًا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ فَقَالَ : {{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ }} ، وَقَالَ : {{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ }} ، فَسَبَقَتْ لَهُمُ الرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِالْإِيمَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْعُوا لَهُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمَ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَشَاءُ أَمْرًا فَتَحُولُ مَشِيئَةُ غَيْرِهِ دُونَ بَلَاغِ مَا شَاءَ ، وَلَقَدْ شَاءَ لِقَوْمٍ الْهُدَى فَلَمْ يُضِلَّهُمْ أَحَدٌ ، وَشَاءَ إِبْلِيسُ لِقَوْمٍ الضَّلَالَةَ فَاهْتَدَوْا ، وَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ : {{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }} ، وَمُوسَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ لِفِرْعَوْنَ عَدُوًّا وَحَزَنًا ، فَقَالَ تَعَالَى : {{ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ }} ، فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ : لَوْ شَاءَ فِرْعَوْنُ كَانَ لِمُوسَى وَلِيًّا وَنَاصِرًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا }} ، وَقُلْتُمْ : لَوْ شَاءَ فِرْعَوْنُ لَامْتَنَعَ مِنَ الْغَرَقِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {{ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ }} ، مُثْبَتٌ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي وَحْيِهِ فِي ذِكْرِ الْأَوَّلِينَ ، كَمَا قَالَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ لِآدَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ : {{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }} ، فَصَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا ، وَكَمَا كَانَ إِبْلِيسُ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ سَيكُونُ مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَصَارَ إِلَى ذَلِكَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ فَأَبَى ، فَتَلَقَّى آدَمُ التَّوْبَةَ فَرُحِمَ ، وَتَلْقَى إِبْلِيسُ اللَّعْنَةَ فَغَوَى ، ثُمَّ أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ مَرْحُومًا مَتُوبًا عَلَيْهِ ، وَأُهْبِطَ إِبْلِيسُ بِنَظْرَتِهِ مَدْحُورًا مَذْمُومًا مَسْخُوطًا عَلَيْهِ ، وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : إِنَّ إِبْلِيسَ وَأَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْجِنِّ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ عِلْمِ اللَّهِ وَالْخُرُوجَ مِنْ قَسَمِهِ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ إِذْ قَالَ : {{ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ }} ، حَتَّى لَا يَنْفُذَ لَهُ عِلْمٌ إِلَّا بَعْدَ مَشِيئَتِهِمْ ، فَمَاذَا تُرِيدُونَ بِهَلَكَةِ أَنْفُسِكُمْ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُشْهِدْكُمْ خَلْقَ أَنْفُسِكُمْ ، فَكَيْفَ يُحِيطُ جَهْلُكُمْ بِعِلْمِهِ وَعِلْمُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُقْصِرٍ عَنْ شىءٍ ، هُوَ كَائِنٌ وَلَا يَسْبِقُ عِلْمُهُ فِي شَيْءٍ فَيَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ ، فَلَوْ كُنْتُمْ تَنْتَقِلُونَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ لَكَانَتْ مَوَاقِعُكُمْ عِنْدَهُ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْعِبَادِ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ فِيهَا ، وَمَا كَانَ لَهُمْ فِي الْغَيْبِ مِنْ عِلْمٍ فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْفَسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ ، وَمَا قَالُوا تَخَرُّصًا إِلَّا بِتَعْلِيمِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ لَهُمْ ، فَظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَدْ أَنْطَقَهُمْ بِهِ ، فَأَنْكَرْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَزَاغَ قَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَزِيغُوا ، وَأَضَلَّ قَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَضِلُّوا ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَرَفَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْعِبَادَ مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ ، وَبَرَّهُمْ مِنْ فَاجِرِهِمْ ، وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ عَبْدٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا ، أَوْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَافِرٌ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا ، وَاللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ : {{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }} ، فَهُوَ فِي الضَّلَالَةِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا أَبَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، ثُمَّ آخَرُونَ اتَّخَذُوا مِنْ بَعْدِ الْهُدَى عِجْلًا جَسَدًا فَضَلُّوا بِهِ فَعَفَى عَنْهُمْ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ، فَصَارُوا مِنْ أُمَّةِ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ، وَصَارُوا إِلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ ، ثُمَّ ضَلَّتْ ثَمُودُ بَعْدَ الْهُدَى ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُرْحَمُوا ، فَصَارُوا فِي عِلْمِهِ إِلَى صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ، فَنَفَذُوا إِلَى مَا سَبَقَ لَهُمْ أَنَّ صَالِحًا رَسُولَهُمْ ، وَأَنَّ النَّاقَةَ فِتْنَةٌ لَهُمْ ، وَأَنَّهُ مُمِيتُهُمْ كُفَّارًا فَعَقَرُوهَا ، وَكَانَ إِبْلِيسُ فِيمَا كَانَتْ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْعِبَادَةِ ابْتُلِيَ فَعَصَى فَلَمْ يُرْحَمْ ، وَابْتُلِيَ آدَمُ فَعَصَى فَرُحِمَ ، وَهَمَّ آدَمُ بِالْخَطِيئَةِ فَنَسِيَ ، وَهَمَّ يُوسُفُ بِالْخَطِيئَةِ فَعُصِمَ ، فَأَيْنَ كَانَتِ الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ هَلْ كَانَتْ تُغْنِي شَيْئًا فِيمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَكُونَ ، أَوْ تُغْنِي فِيمَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى يَكُونَ ، فَتُعْرَفُ لَكُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ ، بَلِ اللَّهُ أَعَزُّ مِمَّا تَصِفُونَ وَأَقْدَرُ ، وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لِأَحَدٍ مِنَ اللَّهِ ضَلَالَةٌ أَوْ هُدًى ، وَإِنَّمَا عِلْمُهُ بِزَعْمِكُمْ حَافِظٌ ، وَأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَعْمَالِ إِلَيْكُمْ إِنْ شِئْتُمْ أَحْبَبْتُمُ الْإِيمَانَ فَكُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ جَعَلْتُمْ بِجَهْلِكُمْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مُصَدِّقٌ لِلْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ أَنَّهُ مِنْ ذَنْبٍ مَضَاهُ ذَنْبًا خَبِيثًا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ : أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ أَشَيْءَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ شَيْءٌ نَأْتَنِفُهُ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَطَعَنْتُمْ بِالتَّكْذِيبِ لَهُ ، وَتَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمِهِ إِذْ قُلْتُمْ : إِنْ كُنَّا لَا نَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ فَهُوَ الْجَبْرُ وَالْجَبْرُ عِنْدَكُمُ الْحَيْفُ ، فَسَمَّيْتُمْ نَفَاذَ عِلْمِ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ حَيْفًا ، وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ فَنَثَرَ ذُرِّيَّتَهُ فِي يَدِهِ فَكَتَبَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ، وَكَتَبَ أَهْلَ النَّارِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا آرَاءَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ نَسْتَطِيعُ رَدَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْنَاهُ ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَا سُيوفَنَا عَلَى عَوَاتِقَنَا إِلَّا أَسْهَلَ بِنَا عَلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ أَمْرِكُمْ هَذَا ، ثُمَّ أَنْتُمْ بِجَهْلِكُمْ قَدْ أَظْهَرْتُمْ دَعْوَةَ حَقٍّ عَلَى تَأْوِيلِ بَاطِلٍ ، تَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ فَقُلْتُمُ : الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَالسَّيِّئَةُ مِنْ أَنْفُسِنَا ، وَقَالَ أَئِمَّتُكُمْ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ : الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ ، وَالسَّيِّئَةُ مِنْ أَنْفُسِنَا فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ ، فَقُلْتُمْ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهَا مِنْ أَنْفُسِنَا ، كَمَا بَدْءُ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَنْفُسِنَا ، وَهَذَا رَدٌّ لِلْكِتَابِ مِنْكُمْ ، وَنَقْضٌ لِلدِّينِ . وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ نَجَمَ الْقَوْلَ بِالْقَدَرِ : هَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَاللَّهِ مَا يَنْتَهِي بِهِمْ سُوءُ رَأْيِهِمْ حَتَّى يُخْرِجُوا اللَّهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ خَيْرًا ، كَمَا أَخْرَجُوهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ شَرًّا ، فَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ بِجَهْلِكُمْ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ضَالًّا فَاهْتَدَى فَهُوَ بِمَا مَلَكَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ فِي هُدَاهُ مَا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَلِمَهُ فِيهِ ، وَأَنَّ مَنْ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَا فَوَّضَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَحَهُ اللَّهُ لَهُ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَكَفَرَ فَهُوَ مِمَّا شَاءَ لِنَفْسِهِ ، وَمَلَكَ مِنْ ذَلِكَ لَهَا ، وَكَانَتْ مَشِيئَتُهُ فِي كُفْرِهِ أُنْفَذُ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ فِي إِيمَانِهِ ، بَلْ أَشْهَدُ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَبِغَيْرِ مَعُونَةٍ كَانَتْ مِنْ نَفْسِهِ عَلَيْهَا ، وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَبِغَيْرِ حُجَّةٍ كَانَتْ لَهُ فِيهَا ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِي النَّاسَ جَمِيعًا لَنَفَذَ أَمْرُهُ فِيمَنْ ضَلَّ حَتَّى يَكُونَ مُهْتَدِيًا فَقُلْتُمْ : بِمَشِيئَتِهِ شَاءَ لَكُمْ تَفْوِيضَ الْحَسَنَاتِ إِلَيْكُمْ ، وَتَفْوِيضَ السَّيِّئَاتِ ، أَلْقَى عَنْكُمْ سَابِقَ عِلْمِهِ فِي أَعْمَالِكُمْ ، وَجَعَلَ مَشِيئَتَهُ تَبَعًا لِمَشِيئَتِكُمْ ، وَيْحَكُمْ فَوَاللَّهِ مَا أَمْضَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَشِيئَتَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا مَا آتَاهُمْ بِقُوَّةٍ حَتَّى نَتَقَ الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ، فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ أَمْضَى مَشِيئَتَهُ لِمَنْ كَانَ فِي ضَلَالَتِهِ حِينَ أَرَادَ هُدَاهُ حَتَّى صَارَ إِلَى أَنْ أَدْخَلَهُ بِالسَّيْفِ إِلَى الْإِسْلَامِ كُرْهًا بِمَوْضِعِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فِيهِ ، أَمْ هَلْ أَمْضَى لِقَوْمِ يُونُسَ مَشِيئَتَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا حَتَّى أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ فَآمَنُوا وَقَبِلَ مِنْهُمْ ، وَرَدَّ عَلَى غَيْرِهِمُ الْإِيمَانَ ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ }} . أَيْ عِلْمُ اللَّهِ الَّذِي قَدْ خَلَا فِي خَلْقِهِ : {{ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }} . وَذَلِكَ كَانَ مَوْقِعَهُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُهْلَكُوا بِغَيْرِ قَبُولٍ مِنْهُمْ بَلِ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ بِيدِ اللَّهِ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيذَرُ مَنْ يَشَاءُ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . كَذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }} . وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مَسْلَمَةً لَكَ }} . أَيْ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ بِيدِكَ ، وَإِنَّ عِبَادَةَ مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ بِيدِكَ ، فَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ وَجَعَلْتُمُوهُ مِلْكًا بِأَيْدِيكُمْ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقُلْتُمْ فِي الْقَتْلِ أَنَّهُ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ لِيَحْيَى : {{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيوْمَ يَمُوتُ وَيوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }} . فَلَمْ يَمُتْ يَحْيَى إِلَّا بِالْقَتْلِ وَهُوَ مَوْتٌ كَمَا مَاتَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا ، أَوْ قُتِلَ عَمْدًا ، أَوْ قُتِلَ خَطَأً ، كَمَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ ، أَوْ فَجْأَةً ، كُلُّ ذَلِكَ مَوْتٌ بِأَجَلٍ تَوَفَّاهُ ، وَرِزْقٍ اسْتَكْمَلَهُ ، وَأَثَرٍ بَلَغَهُ ، وَمَضْجَعٍ بَرَزَ إِلَيْهِ : {{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا }} . وَلَا تَمُوتُ نَفْسٌ وَلَهَا فِي الدُّنْيَا عُمْرُ سَاعَةٍ إِلَّا بَلَغَتْهُ ، وَلَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَطِئَتْهُ ، وَلَا مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ رِزْقٍ إِلَّا اسْتَكْمَلَتْهُ ، وَلَا مَضْجَعٌ بِحَيْثُ كَانَ إِلَّا بَرَزَتْ إِلَيْهِ ، يُصَدِّقُ ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ }} . فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعَذَابِهِمْ بِالْقَتْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالنَّارِ ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ بِمَكَّةَ ، وَتَقُولُونَ أَنْتُمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مَلَكُوا رَدَّ عِلْمِ اللَّهِ فِي الْعَذَابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنَّهُمَا نَازِلَانِ بِهِمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : {{ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ }} . يَعْنِي الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، {{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ }} . فَانْظُرُوا إِلَى مَا أَرْدَاكُمْ فِيهِ رَأْيَكُمْ وَكِتَابًا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ بِشَقَائِكُمْ إِنْ لَمْ يَرْحَمْكُمْ ، ثُمَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَعْمَالٍ : الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ يَوْمِ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ إِلَى الْقِيَامَةِ ، فِيهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ مَنْ عَدَلَ ، وَالثَّانِيَةُ : أَهْلُ التَّوْحِيدِ لَا تُكَفِّرُوهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ بِشِرْكٍ ، وَالثَّالِثَةُ : الْمَقَادِيرُ كُلُّهَا خَيْرُهَا وَشَرُّهَا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَنَقَضْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ جِهَادَهُ ، وَنَقَضْتُمْ شَهَادَتَكُمْ عَلَى أُمَّتِكُمْ بِالْكُفْرِ وَبَرِئْتُمْ مِنْهُمْ بِبِدْعَتِكُمْ ، وَكَذَّبْتُمْ بِالْمَقَادِيرِ كُلِّهَا وَالْآجَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَرْزَاقِ ، فَمَا بَقِيتْ فِي أَيْدِيكُمْ خَصْلَةٌ يَنْبَنِي الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا إِلَّا نَقَضْتُمُوهَا وَخَرَجْتُمْ مِنْهَا

    الاعتصام: الاعتصام : التمسك بالشيء والاحتماء به
    البينة: البينة : الدليل والبرهان الواضح
    حجة: الحجة : الدليل والبرهان
    لغوا: اللغو : السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع
    حجاب: الحجاب : الحاجز والمانع والساتر
    يحجبه: الحجابة : هي السدَانَة ، وتَوَلّي حِفْظ أبواب الملوك والحُجَّاب همُ الذين بأيديهم مِفْتَاحُها
    بدعتكم: البدعة بِدْعَتَان : بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وسلم فهو في حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع م
    ابتلي: البلاء والابتلاء : الاخْتِبار بالخير ليتَبَيَّن الشُّكر، وبالشَّر ليظْهر الصَّبْر
    فأبى: أبى : رفض وامتنع، واشتد على غيره
    أزاغ: أزاغ : أمال عن الحق
    يزيغوا: يزيغ : يميل عن الحق
    فعقروها: العقر : الذبح والقتل والهلاك
    فعصم: العصمة : المنع والحفظ
    نأتنفه: نأتنفه : نستحدثه والمراد مستأنف لم يسبق به القضاء
    الحيف: الحَيْف : الـمَيْلُ في الحُكم ، والجَوْرُ والظُّلم
    اتهموا: اتهموا الرأي أو النفس : لا تثقوا فيه ثقة مجاوزة للحد ولا يكن اعتمادكم عليه
    عواتقنا: العاتق : ما بين المنكب والعنق
    أبوا: أبى : رفض وامتنع، واشتد على غيره
    وطئته: وطئ : وضع قدمه على الأرض أو على الشيء وداس عليه ، ونزل بالمكان
    جائر: الجور : البغي والظلم والميل عن الحق
    خصلة: الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات