عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : " أَتَى بِيَ الْحَجَّاجُ مَوْثَقًا ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ لَقِيَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ يَا شَعْبِيُّ لِمَا بَيْنَ دَفَّتَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ ، وَلَيْسَ بِيَوْمِ شَفَاعَةٍ ، بُؤْ لِلْأَمِيرِ بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَفْسِكَ ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ . ثُمَّ لَقِيَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَةِ يَزِيدَ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : " وَأَنْتَ يَا شَعْبِيُّ فِيمَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَكَثَّرَ " . قُلْتُ : " أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، أَحْزَنَ بِنَا الْمَنْزِلُ ، وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ ، وَضَاقَ الْمَسْلَكُ ، وَاكْتَحَلَنِي السَّهَرُ ، وَاسْتَحْلَسْنَا الْخَوْفَ ، وَدُفِعْنَا فِي خَرِبَةٍ خَرِبَةٍ ، لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ " . قَالَ : صَدَقَ وَاللَّهِ ، مَا بَرُّوا فِي خُرُوجِهِمْ عَلَيْنَا ، وَلَا قَوَوْا عَلَيْنَا حَيْثُ فَجَرُوا . فَأَطْلِقَا عَنْهُ . قَالَ : فَاحْتَاجَ إِلَى فَرِيضَةٍ . فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي أُخْتٍ وَأُمِّ وَجَدٍّ ؟ قُلْتُ : اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ ؟ إِنْ كَانَ لَمُفْتِيًا ، قُلْتُ : " جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ ، وَلَمْ يُعْطِ الْأُخْتَ شَيْئًا " قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ ؟ ، قُلْتُ : " جَعَلَهَا أَثْلَاثًا " . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ؟ قُلْتُ : " جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ ، فَأَعْطَى الْأُمَّ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ أَرْبَعًا ، وَأَعْطَى الْأُخْتَ سَهْمَيْنِ " . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ مَسْعُودٍ ؟ قُلْتُ : " جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ ، أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ سَهْمًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمَيْنِ " قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو تُرَابٍ قُلْتُ : " جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ ، أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ سَهْمَيْنِ " قَالَ مُرِ الْقَاضِي فَلْيُمْضِهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ . إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحَاجِبُ فَقَالَ : إِنَّ بِالْبَابِ رُسُلًا ، قَالَ : ائْذَنْ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا عَمَائِمُهُمْ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ ، وَسُيوفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ ، وَكُتُبُهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ سَيَابَةُ بْنُ عَاصِمٍ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ : مِنَ الشَّامِ قَالَ : كَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ كَيْفَ حَشَمُهُ ؟ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَصَابَتْنِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثُ سَحَائِبَ ، قَالَ : فَانْعَتْ لِي كَيْفَ كَانَ وَقْعُ الْمَطَرِ ، وَكَيْفَ كَانَ أَثَرُهُ وَتَبَاشِيرُهُ ، فَقَالَ : أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحَوْرَانَ فَوَقَعَ قَطْرٌ صِغَارٌ وَقَطْرٌ كِبَارٌ ، فَكَانَ الْكِبَارُ لُحْمَةَ الصِّغَارِ ، فَوَقَعَ سِبْطٌ مُتَدَارَكٌ وَهُوَ السَّحُّ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ ، فَوَادٍ سَائِلٌ ، وَوَادٍ نَازِحٌ ، وَأَرْضٌ مُقْبِلَةٌ ، وَأَرْضٌ مُدْبِرَةٌ ، وَأَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِسِوَا ، أَوْ قَالَ بِالْقَرْيَتَيْنِ ، شَكَّ عِيسَى ، فَلَبَّدَتِ الدِّمَاثَ ، وَأَسَالَتِ الْعِزَازَ ، وَأَدْحَضَتِ التِّلَاعَ ، فَصَدَعَتْ عَنِ الْكَمْأَةِ أَمَاكِنَهَا ، وَأَصَابَتْنِي بِسَحَابَةٍ فَتَأْتِ الْعُيونَ بَعْدَ الرِّيِّ ، وَامْتَلَأَتِ الْأَخَادِيدُ ، وَأُفْعِمَتِ الْأَوْدِيَةُ ، وَجِئْتُكَ فِي مِثْلِ وَجَارِ الضَّبُعِ . ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدَ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ غَيْثٌ . فَقَالَ : لَا ، كَثُرَ الْإِعْصَارُ ، وَاغْبَرَّ الْبِلَادُ ، وَأَكَلَ مَا أَشْرَفَ مِنَ الْجَنَبَةِ فَاسْتَقَيْنَا إِنَّهُ عَامُ سَنَةٍ . فَقَالَ : بِئْسَ الْمُخْبِرُ أَنْتَ . فَقَالَ : أَخْبَرْتُكَ بِمَا كَانَ ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ فَقَالَ : تَقَنَّعَتِ الرَّوَّادُ تَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا ، وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ : هَلُمَّ أَظْعَنُكُمْ إِلَى مَحِلَّةٍ تُطْفَأُ فِيهَا النِّيرَانُ ، وَتَشْكِي فِيهَا النِّسَاءُ ، وَتَنَافَسُ فِيهَا الْمِعْزَى . قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَلَمْ يَدْرِ الْحَجَّاجُ مَا قَالَ فَقَالَ : وَيْحَكَ ، إِنَّمَا تُحَدِّثُ أَهْلَ الشَّامِ فَأَفْهِمْهُمْ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، أَخْصَبَ النَّاسُ فَكَانَ الثَّمَرُ ، وَالسَّمْنُ ، وَالزُّبْدُ ، وَاللَّبَنُ ، فَلَا يُوقَدُ نَارٌ لِيُخْتَبَزَ بِهَا ، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَظَلُّ تَرِيفُ بَهْمَهَا ، تُمْخَضُ لَبَنَهَا ، فَتَبِيتُ وَلَهَا أَنِينٌ مِنْ عَضُدَيْهَا كَأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مَعَهَا ، وَأَمَّا تَنَافُسُ الْمَعِزَى فَإِنَّهَا تَرَى مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ ، وَأَلْوَانِ الثَّمَرِ ، وَنَوْرِ النَّبَاتِ مَا يُشْبِعُ بُطُونَهَا ، وَلَا يُشْبِعُ عُيونَهَا ، فَتَبِيتُ وَقَدِ امْتَلَأَتْ أَكْرَاشُهَا ، لَهَا مِنَ الْكِظَّةِ جَرَّةٌ ، فَتَبْقَى الْجَرَّةُ حَتَّى تَسْتَنْزِلَ بِهِمَا الدِّرَّةُ ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي كَانَ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَكِنْ لَا أُحْسِنُ أَقُولُ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ، فَقَالَ : قُلْ كَمَا تُحْسِنُ ، فَقَالَ : أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحُلْوَانَ فَلَمْ أَطَأْ فِي إِثْرِهَا حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى الْأَمِيرِ . فَقَالَ الْحَجَّاجُ : لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرَهُمْ فِي الْمَطَرِ خُطْبَةً ، إِنَّكَ أَطْوَلُهُمْ بِالسَّيْفِ خُطْوَةً "
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَارِبٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْحَلَبِيُّ ، ح . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ زَنْجُوَيْهِ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ ، ح . وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى ، ثنا هِشَامٌ ، قَالُوا : ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : أَتَى بِيَ الْحَجَّاجُ مَوْثَقًا ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ الْقَصْرِ لَقِيَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ يَا شَعْبِيُّ لِمَا بَيْنَ دَفَّتَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ ، وَلَيْسَ بِيَوْمِ شَفَاعَةٍ ، بُؤْ لِلْأَمِيرِ بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَفْسِكَ ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ . ثُمَّ لَقِيَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَةِ يَزِيدَ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَنْتَ يَا شَعْبِيُّ فِيمَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَكَثَّرَ . قُلْتُ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، أَحْزَنَ بِنَا الْمَنْزِلُ ، وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ ، وَضَاقَ الْمَسْلَكُ ، وَاكْتَحَلَنِي السَّهَرُ ، وَاسْتَحْلَسْنَا الْخَوْفَ ، وَدُفِعْنَا فِي خَرِبَةٍ خَرِبَةٍ ، لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ . قَالَ : صَدَقَ وَاللَّهِ ، مَا بَرُّوا فِي خُرُوجِهِمْ عَلَيْنَا ، وَلَا قَوَوْا عَلَيْنَا حَيْثُ فَجَرُوا . فَأَطْلِقَا عَنْهُ . قَالَ : فَاحْتَاجَ إِلَى فَرِيضَةٍ . فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي أُخْتٍ وَأُمِّ وَجَدٍّ ؟ قُلْتُ : اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ ؟ إِنْ كَانَ لَمُفْتِيًا ، قُلْتُ : جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ ، وَلَمْ يُعْطِ الْأُخْتَ شَيْئًا قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ يَعْنِي عُثْمَانَ ؟ ، قُلْتُ : جَعَلَهَا أَثْلَاثًا . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ؟ قُلْتُ : جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ ، فَأَعْطَى الْأُمَّ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ أَرْبَعًا ، وَأَعْطَى الْأُخْتَ سَهْمَيْنِ . قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ مَسْعُودٍ ؟ قُلْتُ : جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ ، أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ سَهْمًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمَيْنِ قَالَ : فَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو تُرَابٍ قُلْتُ : جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ ، أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثًا ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمًا ، وَأَعْطَى الْأُمَّ سَهْمَيْنِ قَالَ مُرِ الْقَاضِي فَلْيُمْضِهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ . إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحَاجِبُ فَقَالَ : إِنَّ بِالْبَابِ رُسُلًا ، قَالَ : ائْذَنْ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا عَمَائِمُهُمْ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ ، وَسُيوفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ ، وَكُتُبُهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ سَيَابَةُ بْنُ عَاصِمٍ ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ : مِنَ الشَّامِ قَالَ : كَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ كَيْفَ حَشَمُهُ ؟ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَصَابَتْنِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثُ سَحَائِبَ ، قَالَ : فَانْعَتْ لِي كَيْفَ كَانَ وَقْعُ الْمَطَرِ ، وَكَيْفَ كَانَ أَثَرُهُ وَتَبَاشِيرُهُ ، فَقَالَ : أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحَوْرَانَ فَوَقَعَ قَطْرٌ صِغَارٌ وَقَطْرٌ كِبَارٌ ، فَكَانَ الْكِبَارُ لُحْمَةَ الصِّغَارِ ، فَوَقَعَ سِبْطٌ مُتَدَارَكٌ وَهُوَ السَّحُّ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ ، فَوَادٍ سَائِلٌ ، وَوَادٍ نَازِحٌ ، وَأَرْضٌ مُقْبِلَةٌ ، وَأَرْضٌ مُدْبِرَةٌ ، وَأَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِسِوَا ، أَوْ قَالَ بِالْقَرْيَتَيْنِ ، شَكَّ عِيسَى ، فَلَبَّدَتِ الدِّمَاثَ ، وَأَسَالَتِ الْعِزَازَ ، وَأَدْحَضَتِ التِّلَاعَ ، فَصَدَعَتْ عَنِ الْكَمْأَةِ أَمَاكِنَهَا ، وَأَصَابَتْنِي بِسَحَابَةٍ فَتَأْتِ الْعُيونَ بَعْدَ الرِّيِّ ، وَامْتَلَأَتِ الْأَخَادِيدُ ، وَأُفْعِمَتِ الْأَوْدِيَةُ ، وَجِئْتُكَ فِي مِثْلِ وَجَارِ الضَّبُعِ . ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدَ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ غَيْثٌ . فَقَالَ : لَا ، كَثُرَ الْإِعْصَارُ ، وَاغْبَرَّ الْبِلَادُ ، وَأَكَلَ مَا أَشْرَفَ مِنَ الْجَنَبَةِ فَاسْتَقَيْنَا إِنَّهُ عَامُ سَنَةٍ . فَقَالَ : بِئْسَ الْمُخْبِرُ أَنْتَ . فَقَالَ : أَخْبَرْتُكَ بِمَا كَانَ ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ فَقَالَ : تَقَنَّعَتِ الرَّوَّادُ تَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا ، وَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ : هَلُمَّ أَظْعَنُكُمْ إِلَى مَحِلَّةٍ تُطْفَأُ فِيهَا النِّيرَانُ ، وَتَشْكِي فِيهَا النِّسَاءُ ، وَتَنَافَسُ فِيهَا الْمِعْزَى . قَالَ الشَّعْبِيُّ : وَلَمْ يَدْرِ الْحَجَّاجُ مَا قَالَ فَقَالَ : وَيْحَكَ ، إِنَّمَا تُحَدِّثُ أَهْلَ الشَّامِ فَأَفْهِمْهُمْ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، أَخْصَبَ النَّاسُ فَكَانَ الثَّمَرُ ، وَالسَّمْنُ ، وَالزُّبْدُ ، وَاللَّبَنُ ، فَلَا يُوقَدُ نَارٌ لِيُخْتَبَزَ بِهَا ، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَظَلُّ تَرِيفُ بَهْمَهَا ، تُمْخَضُ لَبَنَهَا ، فَتَبِيتُ وَلَهَا أَنِينٌ مِنْ عَضُدَيْهَا كَأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مَعَهَا ، وَأَمَّا تَنَافُسُ الْمَعِزَى فَإِنَّهَا تَرَى مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ ، وَأَلْوَانِ الثَّمَرِ ، وَنَوْرِ النَّبَاتِ مَا يُشْبِعُ بُطُونَهَا ، وَلَا يُشْبِعُ عُيونَهَا ، فَتَبِيتُ وَقَدِ امْتَلَأَتْ أَكْرَاشُهَا ، لَهَا مِنَ الْكِظَّةِ جَرَّةٌ ، فَتَبْقَى الْجَرَّةُ حَتَّى تَسْتَنْزِلَ بِهِمَا الدِّرَّةُ ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي كَانَ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَقَالَ : هَلْ كَانَ وَرَاءَكَ مِنْ غَيْثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَلَكِنْ لَا أُحْسِنُ أَقُولُ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ، فَقَالَ : قُلْ كَمَا تُحْسِنُ ، فَقَالَ : أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحُلْوَانَ فَلَمْ أَطَأْ فِي إِثْرِهَا حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى الْأَمِيرِ . فَقَالَ الْحَجَّاجُ : لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرَهُمْ فِي الْمَطَرِ خُطْبَةً ، إِنَّكَ أَطْوَلُهُمْ بِالسَّيْفِ خُطْوَةً . ثنا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ ، قَالَ : قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ : أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا تَحْفَظُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ إِنْ كُنْتَ حَافِظًا كَمَا حَفِظْتُ ، إِنَّهُ لَمَّا أَتَى بِي الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَأَنَا مُقَيَّدٌ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَمَا بَيْنَ دَفَّتَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ يَا شَعْبِيُّ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ