عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ : " يَا بُنَيَّ كُنْ مِمَّنْ نَأْيُهُ عَمَّنْ نَأَى عَنْهُ يَقِينٌ وَنَزَاهَةٌ ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ ، لَيْسَ نَأْيُهُ بِكِبْرٍ وَلَا بِعَظَمَةٍ ، وَلَا دُنُوُّهُ خِدَاعٌ وَلَا خِلَابَةٌ ، يَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ ، وَلَا يَعْزُبُ عِلْمُهُ ، وَلَا يَحْضُرُ جَهْلُهُ ، وَلَا يَعْجَلُ فِيمَا رَابَهُ ، وَيَعْفُو فِيمَا يَتَبَيَّنُ لَهُ ، يُغْمِضُ فِي الَّذِي لَهُ ، وَيُزِيدُ فِي الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ ، وَالْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ ، إِنْ كَانَ مَعَ الْغَافِلِينَ كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِينَ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، لَا يَغُرَّهُ ثَنَاءُ مَنْ جَهِلَهُ ، وَلَا يَنْسَى إِحْصَاءَ مَا قَدْ عَلِمَهُ ، إِنْ زُكِّيَ خَافَ مَا يَقُولُونَ ، وَاسْتَغْفَرَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ، يَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِي مِنْ غَيْرِي ، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي ، فَهُوَ يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ ، وَيَأْتِي مَا يَأْتِي مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى وَجَلٍ ، يَظَلُّ يَذْكُرُ وَيُمْسِي وَهَمُّهُ أَنْ يَشْكُرَ ، يَبِيتُ حَذِرًا ، وَيُصْبِحُ فَرِحًا ، حَذِرًا لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ ، وَفَرِحًا لِمَا أَصَابَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، إِنْ عَصَتْهُ نَفْسُهُ فِيمَا يَكْرَهُ لَمْ يُطِعْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ فَرَغْبَتُهُ فِيمَا يُخَلَّدُ ، وَزَهَادَتُهُ فِيمَا يَنْفَدُ ، يَمْزُجُ الْعِلْمَ بِالْحِلْمِ ، وَيَصْمُتُ لِيَسْلَمَ ، وَيَنْطِقُ لِيَفْهَمَ ، وَيَخْلُو لِيَغْنَمَ ، وَيُخَالِقُ لِيَعْلَمَ ، لَا يُنْصِتُ لِخَيْرٍ حِينَ يُنْصِتُ وَهُوَ يَسْهُو ، وَلَا يَسْتَمِعُ لَهُ وَهُوَ يَلْغُو ، لَا يُحَدِّثُ أَمَانَتَهُ الْأَصْدِقَاءَ ، وَلَا يَكْتُمُ شَهَادَتَهُ الْأَعْدَاءَ ، وَلَا يَعْمَلُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا رِيَاءً ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا حَيَاءً ، مَجَالِسُ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَجَالِسِ اللَّهْوِ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ . وَلَا تَكُنْ يَا بُنَيَّ مِمَّنْ يُعْجَبُ بِالْيَقِينِ مِنْ نَفْسِهِ فِيمَا ذَهَبَ ، وَيَنْسَى الْيَقِينَ فِيمَا رَجَا ، وَطَلَبَ يَقُولُ فِيمَا ذَهَبَ لَوْ قُدِّرَ شَيْئٌ لَكَانَ ، وَيَقُولُ فِيمَا بَقِيَ ابْتَغِ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ شَاخِصًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ ، وَلَا يَثِقُ مِنَ الرِّزْقِ بِمَا قَدْ ضَمِنَ . لَا تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ ، وَلَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ ، فَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شَكٍّ ، وَمِنْ ظَنِّهِ إِنْ لَمْ يُرْحَمْ فِي هَلَكٍ ، إِنْ سَقِمَ نَدِمَ وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ ، وَإِنِ افْتَقَرَ حَزِنَ ، وَإِنِ اسْتَغْنَى افْتُتِنَ ، وَإِنْ رَغِبَ كَسِلَ ، وَإِنْ نَشَطَ زَهِدَ ، يَرْغَبُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَ ، وَلَا يَنْصَبُ فِيمَا يَرْغَبُ ، يَقُولُ لَمْ أَعْمَلْ فَأَتَعَنَّى ، بَلْ أَجْلِسْ فَأَتَمَنَّى ، يَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ وَيَعْمَلُ بِالْمَعْصِيَةِ ، كَانَ أَوَّلَ عُمْرِهِ غَفْلَةً وَغِرَّةً ، ثُمَّ أُبْقِيَ وَأُقِيلَ الْعَثْرَةَ ، فَإِذَا آخِرُهُ كَسَلٌ وَفَتْرَةٌ ، طَالَ عَلَيْهِ الْأَمَلُ فَافْتُتِنَ ، وَطَالَ عَلَيْهِ الْأَمَدُ فَاغْتَرَّ ، وَأُعْذِرَ إِلَيْهِ فَمَا عُمِّرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا أُعْمِرَ بِمُعْذَرٍ ، عُمِّرَ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ، فَهُوَ مِنَ الذَّنْبِ وَالنِّعْمَةِ مُوَقَّرٌ ، إِنْ أُعْطِيَ لَمْ يَشْكُرْ ، وَإِنْ مُنِعَ قَالَ لَمْ يَقْدِرْ ، أَسَاءَ الْعَبْدُ وَاسْتَأْثَرَ ، يَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ يَحْذَرْ ، يَبْتَغِي الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَشْكُرْ حَقَّ أَنْ يَشْكُرَ ، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْذَرَ ، يَتَكَلَّفُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ ، وَيُضَيِّعُ مَا هُوَ أَكْثَرُ ، إِنْ يَسْأَلْ أَكْثَرَ ، وَإِنْ أَنْفَقَ قَتَّرَ ، يَسْأَلُ الْكَثِيرَ ، وَيُنْفِقُ الْيَسِيرَ ، قُدِرَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ قَدَرِهِ لِنَفْسِهِ ، فَوُسِّعَ لَهُ رِزْقُهُ ، وَخُفِّفَ حِسَابُهُ ، فَأُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ ، وَمُنِعَ مَا يُلْهِيهِ ، لَيْسَ يَرَى شَيْئًا يُغْنِيهِ دُونَ غِنًى يُطْغِيهِ ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ ، يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي شُكْرِ مَا أُوتِي ، وَيَنْسَى مَا عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ فِيمَا وَفَّى ، وَيُنْهَى فَلَا يَنْتَهِي ، وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي ، يَهْلِكُ فِي بُغْضِهِ ، وَيُقَصِّرُ فِي حُبِّهِ ، غَرَّهُ مِنْ نَفْسِهِ حُبُّهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَبُغْضُهُ عَلَى مَا عِنْدَهُ ، مِثْلُهُ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ فَلَا يَعْمَلْ أَعْمَالَهُمْ ، وَيُبْغِضُ الْمُسِيئِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ ، يَرْجُو الْآخِرَةَ فِي الْبُغْضِ عَلَى ظَنِّهِ ، وَلَا يَخْشَى الْمَقْتَ فِي الْيَقِينِ مِنْ نَفْسِهِ ، لَا يَقْدِرُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا يَهْوَى ، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْآخِرَةِ مَا يَبْقَى ، يُبَادِرُ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَفْنَى ، وَيَتْرُكُ مِنَ الْآخِرَةِ مَا يَبْقَى ، إِنْ عُوفِيَ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ ، وَإِنِ ابْتُلِيَ عَادَ ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا قَوْلَ الزَّاهِدِينَ ، وَيَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِإِسَاءَتِهِ ، وَلَا يَنْتَهِي عَنِ الْإِسَاءَةِ فِي حَيَاتِهِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِمَا لَا يَدَعُ ، وَيُحِبُّ الْحَيَاةَ لِمَا يَصْنَعُ ، إِنْ مُنِعَ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَقْنَعْ ، وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَا يَشْبَعُ ، وَإِنْ عُرِضَتِ الشَّهْوَةُ قَالَ : يَكْفِيكَ الْعَمَلُ ، فَوَاقَعَ ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْعَمَلُ كَسِلَ وَقَالَ : يَكْفِيكَ الْوَرَعُ ، لَا يُذْهِبُ مَخَافَتَهُ الْكَسَلُ ، وَلَا تَبْعَثُهُ رَغْبَتُهُ عَلَى الْعَمَلِ . يَرْجُو الْأَجْرَ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ لِطُولِ الْأَمَلِ ، ثُمَّ لَا يَسْعَى فِيمَا لَهُ خُلِقَ ، وَرَغْبَتُهُ فِيمَا تُكُفِّلَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ ، وَزَهَادَتُهُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ ، وَيَتَفَرَّغُ لِمَا فَرَغَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ ، يَخْشَى الْخَلْقَ فِي رَبِّهِ ، وَلَا يَخْشَى الرَّبَّ فِي خَلْقِهِ ، يَعَوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ ، وَلَا يُعِيذُ بِاللَّهِ مَنْ هُوَ تَحْتَهُ ، يَخْشَى الْمَوْتَ وَلَا يَرْجُو الْفَوْتَ ، يَأْمَنُ مَا يَخْشَى وَقَدْ أَيْقَنَ بِهِ ، وَلَا يَيْأَسُ مِمَّا يَرْجُو وَقَدْ تَيَقَّنَ مِنْهُ ، يَرْجُو نَفْعَ عِلْمٍ لَا يَعْمَلُ بِهِ ، وَيَأْمَنُ ضَرَّ جَهْلٍ قَدْ أَيْقَنَ بِهِ ، يَسْخَرُ بِمَنْ تَحْتَهُ مِنَ الْخَلْقِ ، وَيَنْسَى مَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ، يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الرِّزْقِ ، وَيَنْسَى مِنْ تَحْتِهِ مِنَ الْخَلْقِ ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَيْسَرَ مِنْ عَمَلِهِ ، يُبْصِرُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَغْفَلُهَا مِنْ نَفْسِهِ ، إِنْ ذُكِرَ الْيَقِينُ قَالَ : مَا هَكَذَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَا تَعْمَلُ أَنْتَ عَمَلَهُمْ ، يَقُولُ : مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ مَثَلَهُمْ . فَهُوَ لِلْقَوْلِ مُدِلٌّ ، وَيَسْتَصْعِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، يَرَى الْأَمَانَةَ مَا عُوفِيَ وَأَرْضَى ، وَالْخِيَانَةِ أَنْ أَسْخَطَ وَأُبْتَلَى ، يَلِينُ لِيُحْسَبَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ ، فَهُوَ يَرْصُدُهَا لِلْخِيَانَةِ ، يَتَعَلَّمُ لِلصَّدَاقَةِ مَا يَرْصُدُ بِهِ لِلْعَدَاوَةِ ، يَسْتَعْجِلُ بِالسَّيِّئَةَ وَهُوَ فِي الْحَسَنَةِ بَطِيءٌ ، يَخِفُّ عَلَيْهِ الشِّعْرُ ، وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ، اللَّغْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ ، يَتَعَجَّلُ النَّوْمَ ، وَيُؤَخِّرُ الصَّوْمَ ، فَلَا يَبِيتُ قَائِمًا ، وَلَا يُصْبِحُ صَائِمًا ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ التَّصَبُّحُ مِنَ النَّوْمِ وَلَمْ يَسْهَرْ ، وَيَمْشِي وَهَمُّهُ الْعَشَاءُ وَهُوَ مُفْطِرٌ "
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ، ثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ، ثنا سَهْلُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : كَتَبَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى ابْنِهِ : يَا بُنَيَّ ح . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، ثَنَا حَجَّاجٌ ، أَنْبَأَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ كُنْ مِمَّنْ نَأْيُهُ عَمَّنْ نَأَى عَنْهُ يَقِينٌ وَنَزَاهَةٌ ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ ، لَيْسَ نَأْيُهُ بِكِبْرٍ وَلَا بِعَظَمَةٍ ، وَلَا دُنُوُّهُ خِدَاعٌ وَلَا خِلَابَةٌ ، يَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ ، وَلَا يَعْزُبُ عِلْمُهُ ، وَلَا يَحْضُرُ جَهْلُهُ ، وَلَا يَعْجَلُ فِيمَا رَابَهُ ، وَيَعْفُو فِيمَا يَتَبَيَّنُ لَهُ ، يُغْمِضُ فِي الَّذِي لَهُ ، وَيُزِيدُ فِي الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ ، وَالْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ ، إِنْ كَانَ مَعَ الْغَافِلِينَ كُتِبَ مِنَ الذَّاكِرِينَ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، لَا يَغُرَّهُ ثَنَاءُ مَنْ جَهِلَهُ ، وَلَا يَنْسَى إِحْصَاءَ مَا قَدْ عَلِمَهُ ، إِنْ زُكِّيَ خَافَ مَا يَقُولُونَ ، وَاسْتَغْفَرَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ، يَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِي مِنْ غَيْرِي ، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي ، فَهُوَ يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ ، وَيَأْتِي مَا يَأْتِي مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى وَجَلٍ ، يَظَلُّ يَذْكُرُ وَيُمْسِي وَهَمُّهُ أَنْ يَشْكُرَ ، يَبِيتُ حَذِرًا ، وَيُصْبِحُ فَرِحًا ، حَذِرًا لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ ، وَفَرِحًا لِمَا أَصَابَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، إِنْ عَصَتْهُ نَفْسُهُ فِيمَا يَكْرَهُ لَمْ يُطِعْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ فَرَغْبَتُهُ فِيمَا يُخَلَّدُ ، وَزَهَادَتُهُ فِيمَا يَنْفَدُ ، يَمْزُجُ الْعِلْمَ بِالْحِلْمِ ، وَيَصْمُتُ لِيَسْلَمَ ، وَيَنْطِقُ لِيَفْهَمَ ، وَيَخْلُو لِيَغْنَمَ ، وَيُخَالِقُ لِيَعْلَمَ ، لَا يُنْصِتُ لِخَيْرٍ حِينَ يُنْصِتُ وَهُوَ يَسْهُو ، وَلَا يَسْتَمِعُ لَهُ وَهُوَ يَلْغُو ، لَا يُحَدِّثُ أَمَانَتَهُ الْأَصْدِقَاءَ ، وَلَا يَكْتُمُ شَهَادَتَهُ الْأَعْدَاءَ ، وَلَا يَعْمَلُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا رِيَاءً ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا حَيَاءً ، مَجَالِسُ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَجَالِسِ اللَّهْوِ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ . وَلَا تَكُنْ يَا بُنَيَّ مِمَّنْ يُعْجَبُ بِالْيَقِينِ مِنْ نَفْسِهِ فِيمَا ذَهَبَ ، وَيَنْسَى الْيَقِينَ فِيمَا رَجَا ، وَطَلَبَ يَقُولُ فِيمَا ذَهَبَ لَوْ قُدِّرَ شَيْئٌ لَكَانَ ، وَيَقُولُ فِيمَا بَقِيَ ابْتَغِ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ شَاخِصًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ ، وَلَا يَثِقُ مِنَ الرِّزْقِ بِمَا قَدْ ضَمِنَ . لَا تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ ، وَلَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ ، فَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شَكٍّ ، وَمِنْ ظَنِّهِ إِنْ لَمْ يُرْحَمْ فِي هَلَكٍ ، إِنْ سَقِمَ نَدِمَ وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ ، وَإِنِ افْتَقَرَ حَزِنَ ، وَإِنِ اسْتَغْنَى افْتُتِنَ ، وَإِنْ رَغِبَ كَسِلَ ، وَإِنْ نَشَطَ زَهِدَ ، يَرْغَبُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَ ، وَلَا يَنْصَبُ فِيمَا يَرْغَبُ ، يَقُولُ لَمْ أَعْمَلْ فَأَتَعَنَّى ، بَلْ أَجْلِسْ فَأَتَمَنَّى ، يَتَمَنَّى الْمَغْفِرَةَ وَيَعْمَلُ بِالْمَعْصِيَةِ ، كَانَ أَوَّلَ عُمْرِهِ غَفْلَةً وَغِرَّةً ، ثُمَّ أُبْقِيَ وَأُقِيلَ الْعَثْرَةَ ، فَإِذَا آخِرُهُ كَسَلٌ وَفَتْرَةٌ ، طَالَ عَلَيْهِ الْأَمَلُ فَافْتُتِنَ ، وَطَالَ عَلَيْهِ الْأَمَدُ فَاغْتَرَّ ، وَأُعْذِرَ إِلَيْهِ فَمَا عُمِّرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا أُعْمِرَ بِمُعْذَرٍ ، عُمِّرَ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ، فَهُوَ مِنَ الذَّنْبِ وَالنِّعْمَةِ مُوَقَّرٌ ، إِنْ أُعْطِيَ لَمْ يَشْكُرْ ، وَإِنْ مُنِعَ قَالَ لَمْ يَقْدِرْ ، أَسَاءَ الْعَبْدُ وَاسْتَأْثَرَ ، يَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ يَحْذَرْ ، يَبْتَغِي الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَشْكُرْ حَقَّ أَنْ يَشْكُرَ ، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْذَرَ ، يَتَكَلَّفُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ ، وَيُضَيِّعُ مَا هُوَ أَكْثَرُ ، إِنْ يَسْأَلْ أَكْثَرَ ، وَإِنْ أَنْفَقَ قَتَّرَ ، يَسْأَلُ الْكَثِيرَ ، وَيُنْفِقُ الْيَسِيرَ ، قُدِرَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ قَدَرِهِ لِنَفْسِهِ ، فَوُسِّعَ لَهُ رِزْقُهُ ، وَخُفِّفَ حِسَابُهُ ، فَأُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ ، وَمُنِعَ مَا يُلْهِيهِ ، لَيْسَ يَرَى شَيْئًا يُغْنِيهِ دُونَ غِنًى يُطْغِيهِ ، يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ ، يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي شُكْرِ مَا أُوتِي ، وَيَنْسَى مَا عَلَيْهِ مِنَ الشُّكْرِ فِيمَا وَفَّى ، وَيُنْهَى فَلَا يَنْتَهِي ، وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي ، يَهْلِكُ فِي بُغْضِهِ ، وَيُقَصِّرُ فِي حُبِّهِ ، غَرَّهُ مِنْ نَفْسِهِ حُبُّهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَبُغْضُهُ عَلَى مَا عِنْدَهُ ، مِثْلُهُ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ فَلَا يَعْمَلْ أَعْمَالَهُمْ ، وَيُبْغِضُ الْمُسِيئِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ ، يَرْجُو الْآخِرَةَ فِي الْبُغْضِ عَلَى ظَنِّهِ ، وَلَا يَخْشَى الْمَقْتَ فِي الْيَقِينِ مِنْ نَفْسِهِ ، لَا يَقْدِرُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا يَهْوَى ، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْآخِرَةِ مَا يَبْقَى ، يُبَادِرُ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَفْنَى ، وَيَتْرُكُ مِنَ الْآخِرَةِ مَا يَبْقَى ، إِنْ عُوفِيَ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ تَابَ ، وَإِنِ ابْتُلِيَ عَادَ ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا قَوْلَ الزَّاهِدِينَ ، وَيَعْمَلُ فِيهَا عَمَلَ الرَّاغِبِينَ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِإِسَاءَتِهِ ، وَلَا يَنْتَهِي عَنِ الْإِسَاءَةِ فِي حَيَاتِهِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِمَا لَا يَدَعُ ، وَيُحِبُّ الْحَيَاةَ لِمَا يَصْنَعُ ، إِنْ مُنِعَ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَقْنَعْ ، وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَا يَشْبَعُ ، وَإِنْ عُرِضَتِ الشَّهْوَةُ قَالَ : يَكْفِيكَ الْعَمَلُ ، فَوَاقَعَ ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْعَمَلُ كَسِلَ وَقَالَ : يَكْفِيكَ الْوَرَعُ ، لَا يُذْهِبُ مَخَافَتَهُ الْكَسَلُ ، وَلَا تَبْعَثُهُ رَغْبَتُهُ عَلَى الْعَمَلِ . يَرْجُو الْأَجْرَ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ لِطُولِ الْأَمَلِ ، ثُمَّ لَا يَسْعَى فِيمَا لَهُ خُلِقَ ، وَرَغْبَتُهُ فِيمَا تُكُفِّلَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ ، وَزَهَادَتُهُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ ، وَيَتَفَرَّغُ لِمَا فَرَغَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ ، يَخْشَى الْخَلْقَ فِي رَبِّهِ ، وَلَا يَخْشَى الرَّبَّ فِي خَلْقِهِ ، يَعَوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ ، وَلَا يُعِيذُ بِاللَّهِ مَنْ هُوَ تَحْتَهُ ، يَخْشَى الْمَوْتَ وَلَا يَرْجُو الْفَوْتَ ، يَأْمَنُ مَا يَخْشَى وَقَدْ أَيْقَنَ بِهِ ، وَلَا يَيْأَسُ مِمَّا يَرْجُو وَقَدْ تَيَقَّنَ مِنْهُ ، يَرْجُو نَفْعَ عِلْمٍ لَا يَعْمَلُ بِهِ ، وَيَأْمَنُ ضَرَّ جَهْلٍ قَدْ أَيْقَنَ بِهِ ، يَسْخَرُ بِمَنْ تَحْتَهُ مِنَ الْخَلْقِ ، وَيَنْسَى مَا عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ، يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الرِّزْقِ ، وَيَنْسَى مِنْ تَحْتِهِ مِنَ الْخَلْقِ ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَيْسَرَ مِنْ عَمَلِهِ ، يُبْصِرُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَغْفَلُهَا مِنْ نَفْسِهِ ، إِنْ ذُكِرَ الْيَقِينُ قَالَ : مَا هَكَذَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِنْ قِيلَ : أَفَلَا تَعْمَلُ أَنْتَ عَمَلَهُمْ ، يَقُولُ : مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ مَثَلَهُمْ . فَهُوَ لِلْقَوْلِ مُدِلٌّ ، وَيَسْتَصْعِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ ، يَرَى الْأَمَانَةَ مَا عُوفِيَ وَأَرْضَى ، وَالْخِيَانَةِ أَنْ أَسْخَطَ وَأُبْتَلَى ، يَلِينُ لِيُحْسَبَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ ، فَهُوَ يَرْصُدُهَا لِلْخِيَانَةِ ، يَتَعَلَّمُ لِلصَّدَاقَةِ مَا يَرْصُدُ بِهِ لِلْعَدَاوَةِ ، يَسْتَعْجِلُ بِالسَّيِّئَةَ وَهُوَ فِي الْحَسَنَةِ بَطِيءٌ ، يَخِفُّ عَلَيْهِ الشِّعْرُ ، وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ، اللَّغْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ ، يَتَعَجَّلُ النَّوْمَ ، وَيُؤَخِّرُ الصَّوْمَ ، فَلَا يَبِيتُ قَائِمًا ، وَلَا يُصْبِحُ صَائِمًا ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ التَّصَبُّحُ مِنَ النَّوْمِ وَلَمْ يَسْهَرْ ، وَيَمْشِي وَهَمُّهُ الْعَشَاءُ وَهُوَ مُفْطِرٌ . زَادَ الْحَجَّاجُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ فِي رِوَايَتِهِ : إِنْ صَلَّى اعْتَرَضَ ، وَإِنْ رَكَعَ رَبَضَ ، وَإِنْ سَجَدَ نَقَرَ ، وَإِنْ سَأَلَ أَلْحَفَ ، وَإِنْ سُئِلَ سَوَّفَ ، وَإِنْ حَدَّثَ حَلِفَ ، وَإِنْ حَلِفَ حَنِثَ ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِنْ وَعَظَ كَلَحَ ، وَإِنْ مُدِحَ فَرِحَ ، طَلَبُهُ شَرٌّ ، وَتَرْكُهُ وِزْرٌ ، لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ عَنْ عَيْبِ النَّاسِ شُغْلٌ ، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْإِحْسَانِ فَضْلٌ ، يَمِيلُ لَهَا وَيُحِبُّ لَهَا مِنْهُمُ الْعَدْلَ ، أَهْلُ الْخِيَانَةِ لَهُ بِطَانَةٌ ، وَأَهْلُ الْأَمَانَةِ لَهُ عَدَاوَةٌ ، إِنْ سَلِمَ لَمْ يَسْمَعْ ، وَإِنْ سَمِعَ لَمْ يَرْجِعْ ، يَنْظُرُ نَظَرَ الْحَسُودِ ، وَيُعْرِضُ إِعْرَاضَ الْحَقُودِ ، يَسْخَرُ بِالْمُقَتَّرِ ، وَيَأْكُلُ بِالْمُدَبَّرِ ، وَيُرْضِي الشَّاهِدَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ ، وَيُسْخِطُ الْغَائِبَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِيهِ ، جَرِئٌ عَلَى الْخِيَانَةِ ، بَرِيءٌ مِنَ الْأَمَانَةِ ، مَنْ أَحَبَّ كَذَبَ ، وَمَنْ أَبْغَضَ خَلَبَ ، يَضْحَكُ مِنْ غَيْرِ الْعَجَبِ ، وَيَمْشِي فِي غَيْرِ الْأَدَبِ ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُ مَنْ جَانَبَ ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ صَاحَبَ ، إِنْ حَدَّثْتَهُ مَلَّكَ ، وَإِنْ حَدَّثَكَ غَمَّكَ ، وَإِنْ سُؤْتَهُ سَرَّكَ ، وَإِنْ سَرَرْتَهُ ضَرَّكَ ، وَإِنْ فَارَقْتَهُ أَكَلَكَ ، وَإِنْ بَاطَنْتَهُ فَجَعَكَ ، وَإِنْ تَابَعْتَهُ بَهَتَكَ ، وَإِنْ وَافَقْتَهُ حَسَدَكَ ، وَإِنْ خَالَفْتَهُ مَقَتَكَ ، يَحْسِدُ أَنْ يُفْضَلَ ، وَيَزْهَدُ أَنْ يَفْضُلَ ، يَحْسِدُ مَنْ فَضَلَهُ ، وَيَزْهَدُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ ، يَعْجِزُ عَنْ مُكَافَأَةِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ ، وَيَفْرُطُ فِيمَنْ بَغَى عَلَيْهِ ، وَلَا يُنْصِتُ فَيَسْلَمُ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْلَمُ ، يَغْلِبَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ ، وَلَا يَضْبِطُ قَلْبُهُ قَوْلَهُ ، يَتَعَلَّمُ لِلْمِرَاءِ ، وَيَتَفَقُّهُ لِلرِّيَاءِ ، وَيُظْهِرُ الْكِبْرِيَاءَ ، فَيَظْهَرُ مِنْهُ مَا أَخْفَى ، وَلَا يَخْفِي مِنْهُ مَا أَبْدَى ، يُبَادِرُ مَا يَفْنَى ، وَيُوَاكِلُ كُلَّ مَا يَبْقَى ، يُبَادِرُ بِالدُّنْيَا ، وَيُوَاكِلُ بِالتَّقْوَى