• 2545
  • " دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ : صِفْ لِي عَلِيًّا ، فَقَالَ : أَوَ تُعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : لَا أُعْفِيكَ ، قَالَ : " أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى ، شَدِيدَ الْقُوَى ، يَقُولُ فَصْلًا وَيَحْكُمُ عَدْلًا ، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ ، وَكَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ ، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُدْنِينَا إِذَا أَتَيْنَاهُ ، وَيُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ ، وَكَانَ مَعَ تَقَرُّبِهِ إِلَيْنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ ، يَمِيلُ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ ، فَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ الْآنَ وَهُوَ يَقُولُ : يَا رَبَّنَا يَا رَبَّنَا - يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ لِلدُّنْيَا : إِلَيَّ تَغَرَّرَتْ ، إِلَيَّ تَشَوَّفَتْ ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، غُرِّي غَيْرِي ، قَدْ بَتَتُّكِ ثَلَاثًا ، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ ، وَمَجْلِسُكِ حَقِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، آهٍ آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ، وَبُعْدِ السَّفَرِ ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ " . فَوَكَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ عَلَى لِحْيَتِهِ مَا يَمْلِكُهَا ، وَجَعَلَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ . فَقَالَ : كَذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، كَيْفَ وَجْدُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ ؟ قَالَ : " وَجْدُ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا فِي حِجْرِهَا ، لَا تَرْقَأُ دَمْعَتُهَا ، وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا . ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ "

    حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ ، ثَنَا الْعَبَّاسُ ، عَنْ بَكَّارٍ الضَّبِّيِّ ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْأَسَدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ : دَخَلَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ الْكِنَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ : صِفْ لِي عَلِيًّا ، فَقَالَ : أَوَ تُعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : لَا أُعْفِيكَ ، قَالَ : أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى ، شَدِيدَ الْقُوَى ، يَقُولُ فَصْلًا وَيَحْكُمُ عَدْلًا ، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ ، وَكَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا جَشَبَ ، كَانَ وَاللَّهِ كَأَحَدِنَا يُدْنِينَا إِذَا أَتَيْنَاهُ ، وَيُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ ، وَكَانَ مَعَ تَقَرُّبِهِ إِلَيْنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ مِثْلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَنْظُومِ ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ ، يَمِيلُ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ ، فَكَأَنِّي أَسْمَعُهُ الْآنَ وَهُوَ يَقُولُ : يَا رَبَّنَا يَا رَبَّنَا - يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ لِلدُّنْيَا : إِلَيَّ تَغَرَّرَتْ ، إِلَيَّ تَشَوَّفَتْ ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، غُرِّي غَيْرِي ، قَدْ بَتَتُّكِ ثَلَاثًا ، فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ ، وَمَجْلِسُكِ حَقِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، آهٍ آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ، وَبُعْدِ السَّفَرِ ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ . فَوَكَفَتْ دُمُوعُ مُعَاوِيَةَ عَلَى لِحْيَتِهِ مَا يَمْلِكُهَا ، وَجَعَلَ يُنَشِّفُهَا بِكُمِّهِ وَقَدِ اخْتَنَقَ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ . فَقَالَ : كَذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، كَيْفَ وَجْدُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ ؟ قَالَ : وَجْدُ مَنْ ذُبِحَ وَاحِدُهَا فِي حِجْرِهَا ، لَا تَرْقَأُ دَمْعَتُهَا ، وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا . ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ

    فصلا: الفصل : البَيِّن الظاهر ، الذي يَفْصِل بين الحقّ والباطل
    العبرة: العبرة : الدمعة
    يدنينا: يدني : يقرب
    هيبة: الهيبة : من هابَ الشَّيءَ يَهابُه إذا خَافَهُ وإذا وَقَّرَهُ وعَظَّمَه.
    محرابه: المحراب : الموضع العالي المشرف المنعزل المعد للعبادة
    الزاد: الزاد : هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به، ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل به إلى غاية بعينها
    وجدك: الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات