• 2666
  • كَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ وَالْبَرْكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَمْرَو بْنَ بَكْرٍ التَّمِيمِيَّ ، اجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ فَذَكَرُوا أَمْرَ النَّاسِ ، وَعَابُوا عَمَلَ وُلَاتِهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرُوا أَهْلَ النَّهَرِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ شَيْئًا ، إِخْوَانُنَا الَّذِينَ كَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمُ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا ، فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ وَثَأَرْنَا بِهِمْ إِخْوَانَنَا ، قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبَرْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا بِاللَّهِ ، لَا يَنْكُصُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ ، أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ ، فَسَمُّوها وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَثِبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُبُ ، فَأَمَّا ابْنُ الْمُلْجَمِ الْمُرَادِيُّ ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ وَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابًا لَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مِنْهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهَرِ ، فَذَكَرُوا قَتْلَاهُمْ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهَا قَطَامُ بِنْتُ الشَّحنةِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبَاهَا ، وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهَرِ ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا ، فَخَطَبَهَا ، فَقَالَتْ : لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تَشْتَفِيَ لِي ، قَالَ : وَمَا تَشَائِينَ ؟ قَالَتْ : ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ ، وَقَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : هُوَ مَهْرٌ لَكَ ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيٍّ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ لِي وَأَنْتِ تُرِيدِينَهُ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي ، وَنَفَعَكَ الْعَيْشُ مَعِي ، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ ، وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ ، فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ ، يُقَالُ لَهُ : وَرْدَانُ ، فَكَلَّمَتْهُ ، فَأَجَابَهَا ، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : شَبِيبُ بْنُ نَجْدَةً ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : قَتْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا ، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ؟ قَالَ : أَكْمُنُ لَهُ فِي السَّحَرِ فَإِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا ، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، قَالَ : وَيْحَكَ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ ، قَدْ عَرَفْتُ بَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا أَجِدُنِي أنْشَرِحُ لِقَتْلِهِ ، قَالَ : أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهَرِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَقَتْلُهُ بِمَا قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا ، فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةٌ فِيهِ ، فَقَالُوا لَهَا : قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَائْتُونِي ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْتُ فِيهَا صَاحِبِي أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ ، فَدَعَتْ لَهُمْ بِالْحَرِيرِ فَعَصَّبَتْهُمْ ، وَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ، فَوَقَعَ السَّيْفُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ - أَوْ بِالطَّاقِ - فَشَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فِي قَرْنِهِ ، وَهَرَبَ وَرْدَانُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمِّهِ ، وَهُوَ يَنْزِعُ الْحَرِيرَ وَالسَّيْفَ عَنْ صَدْرِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّيْفُ وَالْحَرِيرُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ ، فَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَهُ ، حَتَّى قَتَلَهُ وَخَرَجَ شَبِيبٌ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَّا أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ : عُوَيْمِرٌ ضَرَبُ رِجْلَهُ بِالسَّيْفِ فَصَرَعَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ الْحَضْرَمِيُّ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَقْبَلُوا فِي طَلَبِهِ ، وَسَيْفُ شَبِيبٍ فِي يَدِهِ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ ، فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَنَجَا شَبِيبٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ ، وَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمْدَانَ يُكَنَّى : أَبَا أَدَمَا فَضَرَبَ رِجْلَهُ وَصَرَعَهُ ، وَتَأَخَّرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَفَعَ فِي ظَهْرِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حُنَيْفٍ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لِأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ ، قَرِيبًا مِنَ السُّدَّةِ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا فِيهِمْ إِلَّا قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَمَا يَسْأَمُونَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ ، إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ ، الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَمَا أَدْرِي أَتَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَوْ نَظَرْتُ إِلَى بَرِيقِ السُّيُوفِ ، وَسَمِعْتُ : الْحُكْمُ للَّهِ ، لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ ، فَرَأَيْتُ سَيْفًا ، ثُمَّ رَأَيْتُ نَاسًا ، وَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : لَا يَفُوتُكُمُ الرَّجُلُ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَخَلْتُ فِيمَنْ دَخَلَ مِنِ النَّاسِ ، فَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي ، وَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَلَمَّا أُدْخِلَ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ ، وَمَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الْحَسَنِ ، إِذْ نَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَهِيَ تَبْكِي : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى أَبِي ، وَاللَّهُ مُخْزِيكَ ، قَالَ : فَعَلَامَ تَبْكِينَ ؟ وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَسَمَّمْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَاعَةً ، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقِيًا حَتَّى الْآنَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَإِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً ، وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ " وَذَكَرَ أَنَّ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ بِهِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلَا نَفْقُدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ ؟ قَالَ : مَا آمُرُكُمْ ، وَلَا أَنْهَاكُمْ أَنْتُمْ أَبْصَرُ ، فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ : هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ ؟ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا إِلَّا وَفَّيْتُ بِهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا ، وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا ، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَكَ اللَّهَ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أُقْتُلْ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا وَاللَّهِ أَوْ تُعَايِنُ النَّارَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارِي ، ثُمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلَا لَا يُقْتَلُ بِي إِلَّا قَاتِلِي ، وَأَمَّا الْبَرْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا ، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي إِلْيَتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي خَبَرًا أُبَشِّرُكَ بِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : بَلَى ، إِنَّ عَلِيًّا يَخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ ، فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُتِلَ ، فَبَعَثَ إِلَى السَّاعِدِيِّ وَكَانَ طَبِيبًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنْ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَاخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ أَحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعَهَا مَوْضِعَ السَّيْفِ ، وَإِمَّا أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ ، وَتَبْرَأُ مِنْهَا ، فَإِنَّ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَّا النَّارُ فَلَا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا ، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَدِ فَإِنَّ فِي يَزِيدَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ ، وَوَلَدِهِمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَيَّ ، فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ ، فَبَرَأَ فَلَمْ يُولَدْ بَعْدُ لَهُ ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُورَاتِ ، وَقِيَامِ الشُّرَطِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَيْ بَنِيَّ أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا ، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ ، وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَهْلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ : هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ ، وَأُوصِيكَ بِتَوقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ ، وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا ، وَلَا تَقْطَعْ أَمْرًا دُونَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : أُوصِيكُمَا بِهِ ، فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا ، وَابْنُ أبِيكُمَا ، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ ، ثُمَّ أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ ، وَيَا حُسَيْنُ ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وَلَا تَفَرَّقُوا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ " وَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلِوهُمْ يُهَوِّنُ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ لَا يَضِيعُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَأَشْرِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَسْبِقَنَّكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تَنَاظَرُوا ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يُظْلَمُنَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ " وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ وَصِيٌّ بِهِمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ : نِسَائُكُمْ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ : النِّسَاءُ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، لَا تَخَافُنَّ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، يَكْفِكُمْ مَنْ أرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وَلَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَيُوَلِّيَ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ، عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ ، وَالتَّبَاذُلِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ ، وَالتَّدَابُرَ ، وَالتَّفُرَّقَ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ حَتَّى قُبِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَوَلِيَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عَلِيًّا قَاعِدًا فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، إِذْ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ أَبْجَرَ بْنِ جَابِرٍ الْعِجْلِيِّ أَبِي حَجَّارٍ ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا وَالنَّصَارَى حَوْلَهُ ، وَأُنَاسٌ مَعَ حَجَّارٍ بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ ، يَمْشُونَ فِي جَانِبٍ ، أَمَامَهُمْ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ السُّلَمِيُّ ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ فَأُخْبِرَ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : {
    }
    لَئِنْ كَانَ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ مُسْلِمًا {
    }
    لَقَدْ بُوعِدَتْ مِنْهُ جِنَازَةُ أَبْجَرِ {
    }
    {
    }
    وَإِنْ كَانَ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ كَافِرًا {
    }
    فَمَا مِثْلُ هَذَا مِنْ كُفُورٍ بِمُنْكَرِ {
    }
    {
    }
    أَتَرْضَوْنَ هَذَا إِنَّ قِسًّا وَمُسْلِمًا {
    }
    جَمِيعًا لَدَى نَعْشٍ فَيَا قُبْحَ مَنْظَرِ {
    }
    وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَيَّاشٍ الْمُرَادِيُّ : {
    }
    وَلَمْ أَرَ مَهْرًا سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ {
    }
    كَمَهْرِ قَطَامِ بَيِّنًا غَيْرَ مُعْجَمِ {
    }
    {
    }
    ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ {
    }
    وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمَّمِ {
    }
    {
    }
    وَلَا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا {
    }
    وَلَا قَتْلَ إِلَّا دُونَ قَتْلِ ابْنِ مُلْجَمِ {
    }
    ، وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ : {
    }
    أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ {
    }
    وَلَا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتِينَا {
    }
    {
    }
    أَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَجَعْتُمُونَا {
    }
    بِخَيْرِ النَّاسِ طُرًّا أَجْمَعِينَا {
    }
    {
    }
    قَتَلْتُمُ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا {
    }
    وَخَيْسَهَا وَمَنْ رَكِبَ السَّفِينَا {
    }
    {
    }
    وَمَنْ لَبِسَ النِّعَالَ وَمَنْ حَذَاهَا {
    }
    وَمَنْ قَرَأَ الْمَثَانِيَ وَالْمِئِينَا {
    }
    {
    }
    لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ كَانَتْ {
    }
    بِأَنَّكَ خَيْرُهَا حَسَبًا وَدِينًا {
    }
    ، وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَعَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَانَ اشْتَكَى بَطْنَهُ ، فَأَمَرَ خَارِجَةَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ ، وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ ، وَكَانَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَخَرَجَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ ، فَأُخِذَ وَأُدْخِلَ عَلَى عَمْرٍو ، فَلَمَّا رَآهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، قَالَ : فَمَنْ قَتَلْتُ ؟ قَالُوا : خَارِجَةَ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ يَا فَاسِقُ مَا ضَمَّدْتُ غَيْرَكَ ، قَالَ عَمْرٌو : أَرَدْتَنِي ، وَاللَّهُ أَرَادَ خَارِجَةَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : {
    }
    وَقَتْكَ وَأَسْبَابُ الْأُمُورِ كَثِيرَةٌ {
    }
    مَنِيَّةُ شَيْخٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ {
    }
    {
    }
    فَيَا عَمْرُو مَهْلًا إِنَّمَا أَنْتَ عَمُّهُ {
    }
    وَصَاحِبُهُ دُونَ الرِّجَالِ الْأَقَارِبِ {
    }
    {
    }
    نَجَوْتَ وَقَدْ بَلَّ الْمُرَادِيُّ سَيْفَهُ {
    }
    مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الْأَبَاطِحِ طَالِبِ {
    }
    {
    }
    وَيَضْرِبُنِي بِالسَّيْفِ آخَرُ مِثْلُهُ {
    }
    فَكَانَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ ضَرْبَةَ لَازِبِ {
    }
    {
    }
    وَأَنْتَ تُنَاغِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ {
    }
    بِمِصْرِكَ بِيضًا كَالظِّبَاءِ الشَّوَارِبِ {
    }
    ، وَكَانَ الَّذِي ذَهَبَ بِنَعْيِهِ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى تَقْدِمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ إِيلِيَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَخَرَجَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُصُورِ الْبِيضِ فِي الْمَدَائِنِ ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ مَسْكَنًا وَكَانَ عَلَى الْمَدَائِنِ عَمُّ الْمُخْتَارِ لِابْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ : هَلْ لَكَ فِي الْغِنَى وَالشَّرَفِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : تُوثِقُ الْحَسَنَ وَتَسْتَأْمِنْ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ ، أَأَثِبُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوثِقُهُ ؟ بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ ، فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَفَرُّقَ النَّاسِ عَنْهُ بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَطْلُبُ الصُّلْحَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ ، فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ وَصَالَحَاهُ ، ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّاسِ ، وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، إِنَّهُ مِمَّا يُسْخِئُ بِنَفْسِي عَنْكُمْ ثَلَاثٌ : قَتْلُكُمْ أَبِي ، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي ، وَدَخَلَ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ "

    حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، ثنا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفيُّ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ ، قَالَ : كَانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ وَالْبَرْكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَمْرَو بْنَ بَكْرٍ التَّمِيمِيَّ ، اجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ فَذَكَرُوا أَمْرَ النَّاسِ ، وَعَابُوا عَمَلَ وُلَاتِهِمْ ، ثُمَّ ذَكَرُوا أَهْلَ النَّهَرِ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ شَيْئًا ، إِخْوَانُنَا الَّذِينَ كَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِمُ الَّذِينَ كَانُوا لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا ، فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَالْتَمَسْنَا قَتْلَهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ وَثَأَرْنَا بِهِمْ إِخْوَانَنَا ، قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبَرْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا بِاللَّهِ ، لَا يَنْكُصُ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ ، أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ ، فَسَمُّوها وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَثِبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إِلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَطْلُبُ ، فَأَمَّا ابْنُ الْمُلْجَمِ الْمُرَادِيُّ ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ بِالْكُوفَةِ وَكَاتَمَهُمْ أَمْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ لَقِيَ أَصْحَابًا لَهُ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مِنْهُمْ عِدَّةً يَوْمَ النَّهَرِ ، فَذَكَرُوا قَتْلَاهُمْ فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَلَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ يُقَالُ لَهَا قَطَامُ بِنْتُ الشَّحنةِ وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبَاهَا ، وَأَخَاهَا يَوْمَ النَّهَرِ ، وَكَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ ، فَلَمَّا رَآهَا الْتَبَسَتْ بِعَقْلِهِ وَنَسِيَ حَاجَتَهُ الَّتِي جَاءَ لَهَا ، فَخَطَبَهَا ، فَقَالَتْ : لَا أَتَزَوَّجُ حَتَّى تَشْتَفِيَ لِي ، قَالَ : وَمَا تَشَائِينَ ؟ قَالَتْ : ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ ، وَقَتْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : هُوَ مَهْرٌ لَكَ ، فَأَمَّا قَتْلُ عَلِيٍّ فَمَا أَرَاكِ ذَكَرْتِيهِ لِي وَأَنْتِ تُرِيدِينَهُ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، فَالْتَمِسْ غُرَّتَهُ فَإِنْ أَصَبْتَهُ شَفَيْتَ نَفْسَكَ وَنَفْسِي ، وَنَفَعَكَ الْعَيْشُ مَعِي ، وَإِنْ قُتِلْتَ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، فَقَالَ : مَا جَاءَ بِي إِلَى هَذَا الْمِصْرِ إِلَّا قَتْلُ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَطْلُبَ لَكَ مَنْ يَشُدُّ ظَهْرَكَ ، وَيُسَاعِدُكَ عَلَى أَمْرِكَ ، فَبَعَثَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ ، يُقَالُ لَهُ : وَرْدَانُ ، فَكَلَّمَتْهُ ، فَأَجَابَهَا ، وَأَتَى ابْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : شَبِيبُ بْنُ نَجْدَةً ، فَقَالَ لَهُ : هَلْ لَكَ فِي شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : قَتْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا ، كَيْفَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ ؟ قَالَ : أَكْمُنُ لَهُ فِي السَّحَرِ فَإِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ شَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَتَلْنَاهُ ، فَإِنْ نَجَوْنَا شَفَيْنَا أَنْفُسَنَا وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا ، وَإِنْ قُتِلْنَا فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَزِبْرِجِ أَهْلِهَا ، قَالَ : وَيْحَكَ لَوْ كَانَ غَيْرَ عَلِيٍّ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ ، قَدْ عَرَفْتُ بَلَاءَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَسَابِقَتَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا أَجِدُنِي أنْشَرِحُ لِقَتْلِهِ ، قَالَ : أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهَرِ الْعُبَّادَ الْمُصَلِّينَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَقَتْلُهُ بِمَا قَتَلَ مِنْ إِخْوَانِنَا ، فَأَجَابَهُ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى قَطَامِ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ مُعْتَكِفَةٌ فِيهِ ، فَقَالُوا لَهَا : قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُنَا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ ، قَالَتْ : فَإِذَا أَرَدْتُمْ ذَلِكَ فَائْتُونِي ، فَجَاءَ ، فَقَالَ : هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْتُ فِيهَا صَاحِبِي أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا صَاحِبَهُ ، فَدَعَتْ لَهُمْ بِالْحَرِيرِ فَعَصَّبَتْهُمْ ، وَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ وَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيٌّ ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ شَبِيبٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ، فَوَقَعَ السَّيْفُ بِعِضَادَةِ الْبَابِ - أَوْ بِالطَّاقِ - فَشَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فِي قَرْنِهِ ، وَهَرَبَ وَرْدَانُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمِّهِ ، وَهُوَ يَنْزِعُ الْحَرِيرَ وَالسَّيْفَ عَنْ صَدْرِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّيْفُ وَالْحَرِيرُ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ ، فَذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَ بِسَيْفِهِ فَضَرَبَهُ ، حَتَّى قَتَلَهُ وَخَرَجَ شَبِيبٌ نَحْوَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَّا أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ : عُوَيْمِرٌ ضَرَبُ رِجْلَهُ بِالسَّيْفِ فَصَرَعَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ الْحَضْرَمِيُّ ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَقْبَلُوا فِي طَلَبِهِ ، وَسَيْفُ شَبِيبٍ فِي يَدِهِ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ ، فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَنَجَا شَبِيبٌ فِي غِمَارِ النَّاسِ ، وَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمْدَانَ يُكَنَّى : أَبَا أَدَمَا فَضَرَبَ رِجْلَهُ وَصَرَعَهُ ، وَتَأَخَّرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَفَعَ فِي ظَهْرِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حُنَيْفٍ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لِأُصَلِّي تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا عَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ ، قَرِيبًا مِنَ السُّدَّةِ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا فِيهِمْ إِلَّا قِيَامٌ وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَمَا يَسْأَمُونَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ ، إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَجَعَلَ يُنَادِي : أَيُّهَا النَّاسُ ، الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَمَا أَدْرِي أَتَكَلَّمَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَوْ نَظَرْتُ إِلَى بَرِيقِ السُّيُوفِ ، وَسَمِعْتُ : الْحُكْمُ للَّهِ ، لَا لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ ، فَرَأَيْتُ سَيْفًا ، ثُمَّ رَأَيْتُ نَاسًا ، وَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : لَا يَفُوتُكُمُ الرَّجُلُ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَأُدْخِلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَدَخَلْتُ فِيمَنْ دَخَلَ مِنِ النَّاسِ ، فَسَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، إِنْ هَلَكْتُ فَاقْتُلُوهُ كَمَا قَتَلَنِي ، وَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَلَمَّا أُدْخِلَ ابْنُ مُلْجَمٍ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرَّ خَلْقِهِ ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ ، وَمَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الْحَسَنِ ، إِذْ نَادَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ وَهِيَ تَبْكِي : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى أَبِي ، وَاللَّهُ مُخْزِيكَ ، قَالَ : فَعَلَامَ تَبْكِينَ ؟ وَاللَّهِ لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَسَمَّمْتُهُ بِأَلْفٍ ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الضَّرْبَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمِصْرِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَاعَةً ، وَهَذَا أَبُوكِ بَاقِيًا حَتَّى الْآنَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ فِيهِ رَأْيِي ، وَإِنْ هَلَكْتُ مِنْ ضَرْبَتِي هَذِهِ فَاضْرِبْهُ ضَرْبَةً ، وَلَا تُمَثِّلْ بِهِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَذَكَرَ أَنَّ جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ يَسْأَلُ بِهِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ فَقَدْنَاكَ وَلَا نَفْقُدُكَ فَنُبَايِعُ الْحَسَنَ ؟ قَالَ : مَا آمُرُكُمْ ، وَلَا أَنْهَاكُمْ أَنْتُمْ أَبْصَرُ ، فَلَمَّا قُبِضَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ : هَلْ لَكَ فِي خَصْلَةٍ ؟ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا إِلَّا وَفَّيْتُ بِهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ أَقْتُلَ عَلِيًّا ، وَمُعَاوِيَةَ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُمَا ، فَإِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَكَ اللَّهَ عَلَيَّ إِنْ لَمْ أُقْتُلْ أَنْ آتِيَكَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا وَاللَّهِ أَوْ تُعَايِنُ النَّارَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ أَخَذَهُ النَّاسُ فَأَدْرَجُوهُ فِي بَوَارِي ، ثُمَّ أَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، تَقُولُونَ : قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلَا لَا يُقْتَلُ بِي إِلَّا قَاتِلِي ، وَأَمَّا الْبَرْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَعَدَ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجَ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ وَأَدْبَرَ مُعَاوِيَةُ هَارِبًا ، فَوَقَعَ السَّيْفُ فِي إِلْيَتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي خَبَرًا أُبَشِّرُكَ بِهِ ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ أَنَافِعِي ذَلِكَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَخًا لِي قَتَلَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، قَالَ : فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : بَلَى ، إِنَّ عَلِيًّا يَخْرُجُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْرُسُهُ ، فَأَمَرَ بِهِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُتِلَ ، فَبَعَثَ إِلَى السَّاعِدِيِّ وَكَانَ طَبِيبًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : إِنْ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَاخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ أَحْمِيَ حَدِيدَةً فَأَضَعَهَا مَوْضِعَ السَّيْفِ ، وَإِمَّا أَسْقِيَكَ شَرْبَةً تَقْطَعُ مِنْكَ الْوَلَدَ ، وَتَبْرَأُ مِنْهَا ، فَإِنَّ ضَرَبْتَكَ مَسْمُومَةٌ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَّا النَّارُ فَلَا صَبْرَ لِي عَلَيْهَا ، وَأَمَّا انْقِطَاعُ الْوَلَدِ فَإِنَّ فِي يَزِيدَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ ، وَوَلَدِهِمَا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنَيَّ ، فَسَقَاهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الشَّرْبَةَ ، فَبَرَأَ فَلَمْ يُولَدْ بَعْدُ لَهُ ، فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُورَاتِ ، وَقِيَامِ الشُّرَطِ عَلَى رَأْسِهِ ، وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَيْ بَنِيَّ أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا ، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ ، وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَهْلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ : هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ ، وَأُوصِيكَ بِتَوقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ ، وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا ، وَلَا تَقْطَعْ أَمْرًا دُونَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : أُوصِيكُمَا بِهِ ، فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا ، وَابْنُ أبِيكُمَا ، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ ، ثُمَّ أَوْصَى فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ثُمَّ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ ، وَيَا حُسَيْنُ ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وَلَا تَفَرَّقُوا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلِوهُمْ يُهَوِّنُ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ لَا يَضِيعُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَأَشْرِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَسْبِقَنَّكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تَنَاظَرُوا ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يُظْلَمُنَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ وَصِيٌّ بِهِمْ ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ : نِسَائُكُمْ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ : أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ : النِّسَاءُ ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، لَا تَخَافُنَّ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، يَكْفِكُمْ مَنْ أرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وَلَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، فَيُوَلِّيَ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ، عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ ، وَالتَّبَاذُلِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ ، وَالتَّدَابُرَ ، وَالتَّفُرَّقَ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ ، وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ حَتَّى قُبِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَغَسَّلَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ ، وَوَلِيَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عَلِيًّا قَاعِدًا فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، إِذْ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ أَبْجَرَ بْنِ جَابِرٍ الْعِجْلِيِّ أَبِي حَجَّارٍ ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا وَالنَّصَارَى حَوْلَهُ ، وَأُنَاسٌ مَعَ حَجَّارٍ بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ ، يَمْشُونَ فِي جَانِبٍ ، أَمَامَهُمْ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ السُّلَمِيُّ ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ فَأُخْبِرَ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : لَئِنْ كَانَ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ مُسْلِمًا لَقَدْ بُوعِدَتْ مِنْهُ جِنَازَةُ أَبْجَرِ وَإِنْ كَانَ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ كَافِرًا فَمَا مِثْلُ هَذَا مِنْ كُفُورٍ بِمُنْكَرِ أَتَرْضَوْنَ هَذَا إِنَّ قِسًّا وَمُسْلِمًا جَمِيعًا لَدَى نَعْشٍ فَيَا قُبْحَ مَنْظَرِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَيَّاشٍ الْمُرَادِيُّ : وَلَمْ أَرَ مَهْرًا سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ كَمَهْرِ قَطَامِ بَيِّنًا غَيْرَ مُعْجَمِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَبْدٌ ، وَقَيْنَةٌ وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمَّمِ وَلَا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلَا وَلَا قَتْلَ إِلَّا دُونَ قَتْلِ ابْنِ مُلْجَمِ ، وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ : أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ وَلَا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتِينَا أَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَجَعْتُمُونَا بِخَيْرِ النَّاسِ طُرًّا أَجْمَعِينَا قَتَلْتُمُ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا وَخَيْسَهَا وَمَنْ رَكِبَ السَّفِينَا وَمَنْ لَبِسَ النِّعَالَ وَمَنْ حَذَاهَا وَمَنْ قَرَأَ الْمَثَانِيَ وَالْمِئِينَا لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ كَانَتْ بِأَنَّكَ خَيْرُهَا حَسَبًا وَدِينًا ، وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَعَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَانَ اشْتَكَى بَطْنَهُ ، فَأَمَرَ خَارِجَةَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ ، وَكَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ ، وَكَانَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَخَرَجَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَشَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ ، فَأُخِذَ وَأُدْخِلَ عَلَى عَمْرٍو ، فَلَمَّا رَآهُمْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ قَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، قَالَ : فَمَنْ قَتَلْتُ ؟ قَالُوا : خَارِجَةَ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ يَا فَاسِقُ مَا ضَمَّدْتُ غَيْرَكَ ، قَالَ عَمْرٌو : أَرَدْتَنِي ، وَاللَّهُ أَرَادَ خَارِجَةَ ، فَقَدَّمَهُ فَقَتَلَهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : وَقَتْكَ وَأَسْبَابُ الْأُمُورِ كَثِيرَةٌ مَنِيَّةُ شَيْخٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ فَيَا عَمْرُو مَهْلًا إِنَّمَا أَنْتَ عَمُّهُ وَصَاحِبُهُ دُونَ الرِّجَالِ الْأَقَارِبِ نَجَوْتَ وَقَدْ بَلَّ الْمُرَادِيُّ سَيْفَهُ مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الْأَبَاطِحِ طَالِبِ وَيَضْرِبُنِي بِالسَّيْفِ آخَرُ مِثْلُهُ فَكَانَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ ضَرْبَةَ لَازِبِ وَأَنْتَ تُنَاغِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِمِصْرِكَ بِيضًا كَالظِّبَاءِ الشَّوَارِبِ ، وَكَانَ الَّذِي ذَهَبَ بِنَعْيِهِ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى تَقْدِمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ إِيلِيَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ، وَخَرَجَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُصُورِ الْبِيضِ فِي الْمَدَائِنِ ، وَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ مَسْكَنًا وَكَانَ عَلَى الْمَدَائِنِ عَمُّ الْمُخْتَارِ لِابْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ : هَلْ لَكَ فِي الْغِنَى وَالشَّرَفِ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : تُوثِقُ الْحَسَنَ وَتَسْتَأْمِنْ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ ، أَأَثِبُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوثِقُهُ ؟ بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ ، فَلَمَّا رَأَى الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَفَرُّقَ النَّاسِ عَنْهُ بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَطْلُبُ الصُّلْحَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ ، فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ وَصَالَحَاهُ ، ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّاسِ ، وَقَالَ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، إِنَّهُ مِمَّا يُسْخِئُ بِنَفْسِي عَنْكُمْ ثَلَاثٌ : قَتْلُكُمْ أَبِي ، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي ، وَدَخَلَ فِي طَاعَةِ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَدَخَلَ الْكُوفَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ

    المصر: المصر : البلد أو القرية
    وقينة: القينة : الجارية المغنية
    ثكلتك: الثكلى : من فقدت ولدها ، وثكلتك أمك : دعاء بالفقد والمراد به التعجب
    السحر: السحر : الثلث الأخير من الليل
    الغداة: الغداة : الصبح
    قرنه: القرن : جانب الرأس
    فصرعه: الصرع : السقوط والوقوع
    يسأمون: السأم : الملل
    العقور: العقور : الجارح المفترس
    خصلة: الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
    فأدرجوه: الإدراج : الإدخال
    وأدبر: الإدبار : الرجوع
    خصلتين: الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
    تقر: قرة العين : هدوء العين وسعادتها ويعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان
    فبرأ: بَرَأَ أو بَرِئ : شفي من المرض
    البين: ذات البين : الصلات والأحوال التي تكون بين الناس والتي تقوم على صلاحها المودة بينهم وبفسادها يكون البغض والكره
    ظهرانيكم: بين ظهرانيكم : بينكم
    والتدابر: التدابر : الإعراض والهجر والخصومة
    قرت: القرة : برود العين وهدوؤها ويعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان
    المطايا: المطايا : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
    متاعي: المتاع : كل ما يُنْتَفَعُ به وَيُسْتَمْتَعُ ، أو يُتَبَلَّغُ بِهِ ويتُزَوَدَّ من سلعة أو مال أو زوج أو أثاث أو ثياب أو مأكل وغير ذلك
    " يَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ " وَذَكَرَ أَنَّ جُنْدُبَ
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات