عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَغُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدًا ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ "
حَدَّثَنَا ابْنُ قَضَاءٍ ، ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، ثنا أَيُّوبُ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَغُلَامٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدًا ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : يَقُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : اجْعَلْ سَيْرَكَ عَلَى مَهَلٍ ، فَإِنَّكَ تَسِيرُ بِالْقَوَارِيرِ فَكَنَّى عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ بِالْقَوَارِيرِ ، شَبَّهَهُنَّ بِهَا لِرِقَّتِهِنَّ ، وَضَعْفِهِنَّ عَنِ الْحَرَكَةِ . وَرُوَيْدٌ : تَصْغِيرُ رَوْدٍ . وَالرَّوْدُ : مَصْدَرُ فِعْلِ الرَّائِدِ ، وَهُوَ الْمَبْعُوثُ ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي مَعْنَى الْمُهْلَةِ فِي السَّيْرِ وَالْحَرَكَةِ إِلَّا مُصَّغَرًا مُنَوَّنًا . وَمَعْنَاهُ أَرْوِدْ . وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ : أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ تَرْدِيدُ الْوَعِيدِ لَمْ يُنَوَّنْ وَأَنْشَدَ : رُوَيْدَ تَصَاهُلْ بِالْعِرَاقِ جِيَادَنَا كَأَنَّكَ بِالضَّحَّاكَ قَدْ قَامَ نَادِبُهْ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، أَعْنِي أَنَّهُ كَنَّى بِالْقَوَارِيرِ عَنْ ذِكْرِ النِّسَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : سُقْهُنَّ كَسَوْقِكَ بِالْقَوَارِيرِ . وَالتَّشْبِيهُ تَشْبِيهَانِ : مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ . فَالْمُطْلَقُ : أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِ مَا أَشْبَهَهُ ، أَوْ تُجْعَلَ لَهُ فِعْلَهُ بِعَيْنِهِ ، كَمَا سُمِّيَتِ النِّسَاءُ قَوَارِيرَ لَأَنَّهُنَّ أَشْبَهْنَهَا بِالرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ وَضَعْفِ الْبِنْيَةِ . وَالْمُقَيَّدُ : أَنْ يُظْهِرَ حَرْفَ التَّشْبِيهِ فَيَقُولَ : كَالْقَوَارِيرِ ، أَوْ مِثْلَ الْقَوَارِيرِ ، أَوْ كَأَنَّهُنَّ الْقَوَارِيرُ ، وَفِي التَّنْزِيلِ : {{ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ }} ، {{ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }} ، فَجَاءَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا . وَقَالَ : {{ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ }} ، وَ {{ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ }} ، وَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنَ الْمُقَيَّدِ . وَمَنَ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ : {{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ }} ، فَأَوْجَبَ مُرُورَ السَّحَابِ لِلْجِبَالِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ : النَّشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجُوهُ دَنَا نِيرٌ وَأَطْرَافُ الْأَكُفِّ عَنَمْ وَاعْتَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَنَصَبَ الْهَاءَ مِنْ قَوْلِهِ : ذَكَاةُ أُمِّهِ قَالَ : وَمَعْنَاهُ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ أُمِّهِ ، وَلَوْ تَرَكْتَهَا مَرْفُوعَةً عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَصَحَّ الِاعْتِبَارُ