• 821
  • لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُجِّيَ عَلَيْهِ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ كَيَوْمِ قَبْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاكِيًا مُسْتَرْجِعًا مُسْرِعًا وَهُوَ يَقُولُ : " الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ , وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسَجًّى , فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ كُنْتَ إِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنِيسَهُ وَمُسْتَراحَهُ وَثِقَتَهُ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ وَمُشَاوَرَتِهِ , وَكُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا , وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَانًا , وَأَسَدَّهُمْ يَقِينًا , وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَعْظَمَهُمْ غَنَاءً فِي دَيْنِ اللَّهِ , وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ , وَأَحْدَبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ , وَأَمَنَّهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ , أَحْسَنَهُمْ صُحْبَةً , وَأَكْثَرَهُمْ مَنَاقِبَ , وَأَفْضَلَهُمْ سَوَابِقَ , وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً , وَأَقْرَبَهُمْ وَسِيلَةً , وَأَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيًا وَسَمْتًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا , أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً , وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْثَقَهُمْ عِنْدَهُ , فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ رَسُولِهِ خَيْرًا , كُنْتَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ , صَدَّقْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ , فَسَمَّاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَنْزِيلِهِ صِدِّيقًا , فَقَالَ فِي كِتَابِهِ {{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ }} مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {{ وَصَدَّقَ بِهِ }} أَبُو بَكْرٍ , وَاسَيْتَهُ حِينَ بَخِلُوا , وَأَقَمْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَكَارِهِ حِينَ عَنْهُ قَعَدُوا , وَصَحِبْتَهُ فِي الشِّدَّةِ أَكْرَمَ الصُّحْبَةِ , وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ وَالْمُنْزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ , وَخِلْفَتُهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأُمَّتِهِ أَحْسَنَ الْخِلَافَةِ , حِينَ ارْتَدَّ النَّاسُ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلِيفَةُ نَبِيٍّ , فَنَهَضْتَ حِينَ وَهَنَ أَصْحَابُكَ , وَبَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا , وَقَوِيتَ حِينَ ضَعُفُوا , وَلَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقًّا , لَمْ تُنَازَعْ وَلَمْ تُصَدَّعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَكَبْتِ الْكَافِرِينَ وَكُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَفِسْقِ الْفَاسِقِينَ وَغَيْظِ الْبَاغِينَ , وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا , وَنَطَقْتَ إِذْ تَتَعْتَعُوا , وَمَضَيْتَ بِنُورٍ إِذْ وَقَفُوا , اتَّبَعُوكَ فَهُدُوا مَا كُنْتَ أَخْفَضَهُمْ صَوْتًا وَأَعْلَاهُمْ فَوْقًا وَأَقَلَّهُمْ كَلَامًا وَأَصْوَبَهُمْ مَنْطِقًا , وَأَطْوَلَهُمْ صَمْتًا , وَأَبْلَغَهُمْ قَوْلًا , وَأَكْثَرَهُمْ رَأْيًا , وَأَشْجَعَهُمْ نَفْسًا وَأَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ , وَأَشْرَفَهُمْ عَمَلًا , كُنْتَ وَاللَّهِ لِلدِّينِ يَعْسُوبًا , أَوَّلًا حِينَ نَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ , وَآخِرًا حِينَ فُتِنُوا , كُنْتَ وَاللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَبًا رَحِيمًا حِينَ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا , حَمِلَتْ أَثْقَالَ مَا ضَعُفُوا , وَرَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا , وَحَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا , تَعْلَمُ مَا جَهِلُوا , وَشَمَّرْتَ إِذْ خَنَعُوا , وَعَلَوْتَ إِذْ هَلَعُوا , وَصَبَرْتَ إِذْ جَزِعُوا , وَأَدْرَكْتَ آثَارَ مَا طَلَبُوا , وَرَاجَعُوا رُشْدَهُمْ بِرَأْيِكَ فَظَفَرُوا , وَنَالُوا مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا , كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا صَبًّا , وَلِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً وَأُنْسًا وَحِصْنًا , فَطِرْتَ بِعَبَائِهَا وَفُزْتَ بِحِبَائِهَا وَذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا , وَلَمْ يَزِعْ قَلْبُكَ وَلَمْ يَجْبُنْ , كُنْتَ وَاللَّهِ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَلَا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ , كُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَنُّ النَّاسِ عِنْدَهُ فِي صُحْبَتِهِ " وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ضَعِيفًا فِي بَدَنِكَ , قَوِيًّا فِي أَمَرِ اللَّهِ , مُتَوَاضِعًا فِي نَفْسِكَ , عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , جَلِيلًا فِي أَعْيَنِ النَّاسِ , كَبِيرًا فِي أَنْفُسِهِمْ " لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَغْمَزٌ , وَلَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَهْمَزٌ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ , وَلَا لِمَخْلُوقٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ , الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيُّ حَتَّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ , الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ , الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ عِنْدَكَ سَوَاءٌ , أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكُمْ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتْقَاهُمْ لَهُ , شَأْنُكَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ , قَوْلُكَ حُكْمٌ وَحَتْمٌ , أَمَرُكَ حِلْمٌ وَجَزْمٌ , وَرَأَيُكَ عِلْمٌ وَعَزْمٌ , فَأَقْلَعْتَ وَقَدْ نُهِجَ السَّبِيلُ , وَسَهُلَ الْعُسَيْرُ , وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ , وَاعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ , وَقَوِيَ الْإِيمَانُ , وَثَبَتَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ , وَظَهَرَ أَمَرُ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , فَجَلَيْتَ عَنْهُمْ فَأَبْصَرُوا , فَسَبَقْتَ وَاللَّهِ سَبْقًا بَعِيدًا , وَاتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ إِتْعَابًا شَدِيدًا , وَفُزْتَ بِالْخَيْرِ فَوْزًا مُبِينًا , فَجُلِّلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ , وَعَظُمَتْ رَزِيئَتُكَ فِي السَّمَاءِ , وَهَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاهُ , وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمَرَهُ , وَاللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا , كُنْتَ لِلدِّينِ عِزًّا وَحِرْزًا وَكَهْفًا , وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِئَةً وَحِصْنًا , وَعَلَى الْمُنَافِقِينَ غِلْظَةً وَكَظًّا وَغَيْظًا , فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّكَ وَلَا حَرَمَنَا أَجْرَكَ وَلَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . وَسَكَتَ النَّاسُ حَتَّى انْقَضَى كَلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ , فَقَالُوا : صَدَقْتَ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ زَاجٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ أُسَيْدِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْعَبْدِيُّ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ أُسَيْدِ بْنِ صَفْوَانَ , صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسُجِّيَ عَلَيْهِ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ كَيَوْمِ قَبْضِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاكِيًا مُسْتَرْجِعًا مُسْرِعًا وَهُوَ يَقُولُ : الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ , وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسَجًّى , فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ كُنْتَ إِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَنِيسَهُ وَمُسْتَراحَهُ وَثِقَتَهُ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ وَمُشَاوَرَتِهِ , وَكُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا , وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَانًا , وَأَسَدَّهُمْ يَقِينًا , وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَعْظَمَهُمْ غَنَاءً فِي دَيْنِ اللَّهِ , وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ , وَأَحْدَبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ , وَأَمَنَّهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ , أَحْسَنَهُمْ صُحْبَةً , وَأَكْثَرَهُمْ مَنَاقِبَ , وَأَفْضَلَهُمْ سَوَابِقَ , وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً , وَأَقْرَبَهُمْ وَسِيلَةً , وَأَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَدْيًا وَسَمْتًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا , أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً , وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْثَقَهُمْ عِنْدَهُ , فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ رَسُولِهِ خَيْرًا , كُنْتَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ , صَدَّقْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ , فَسَمَّاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَنْزِيلِهِ صِدِّيقًا , فَقَالَ فِي كِتَابِهِ {{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ }} مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ {{ وَصَدَّقَ بِهِ }} أَبُو بَكْرٍ , وَاسَيْتَهُ حِينَ بَخِلُوا , وَأَقَمْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَكَارِهِ حِينَ عَنْهُ قَعَدُوا , وَصَحِبْتَهُ فِي الشِّدَّةِ أَكْرَمَ الصُّحْبَةِ , وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ وَالْمُنْزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ , وَخِلْفَتُهُ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأُمَّتِهِ أَحْسَنَ الْخِلَافَةِ , حِينَ ارْتَدَّ النَّاسُ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلِيفَةُ نَبِيٍّ , فَنَهَضْتَ حِينَ وَهَنَ أَصْحَابُكَ , وَبَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا , وَقَوِيتَ حِينَ ضَعُفُوا , وَلَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَكُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقًّا , لَمْ تُنَازَعْ وَلَمْ تُصَدَّعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَكَبْتِ الْكَافِرِينَ وَكُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَفِسْقِ الْفَاسِقِينَ وَغَيْظِ الْبَاغِينَ , وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا , وَنَطَقْتَ إِذْ تَتَعْتَعُوا , وَمَضَيْتَ بِنُورٍ إِذْ وَقَفُوا , اتَّبَعُوكَ فَهُدُوا مَا كُنْتَ أَخْفَضَهُمْ صَوْتًا وَأَعْلَاهُمْ فَوْقًا وَأَقَلَّهُمْ كَلَامًا وَأَصْوَبَهُمْ مَنْطِقًا , وَأَطْوَلَهُمْ صَمْتًا , وَأَبْلَغَهُمْ قَوْلًا , وَأَكْثَرَهُمْ رَأْيًا , وَأَشْجَعَهُمْ نَفْسًا وَأَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ , وَأَشْرَفَهُمْ عَمَلًا , كُنْتَ وَاللَّهِ لِلدِّينِ يَعْسُوبًا , أَوَّلًا حِينَ نَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ , وَآخِرًا حِينَ فُتِنُوا , كُنْتَ وَاللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَبًا رَحِيمًا حِينَ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا , حَمِلَتْ أَثْقَالَ مَا ضَعُفُوا , وَرَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا , وَحَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا , تَعْلَمُ مَا جَهِلُوا , وَشَمَّرْتَ إِذْ خَنَعُوا , وَعَلَوْتَ إِذْ هَلَعُوا , وَصَبَرْتَ إِذْ جَزِعُوا , وَأَدْرَكْتَ آثَارَ مَا طَلَبُوا , وَرَاجَعُوا رُشْدَهُمْ بِرَأْيِكَ فَظَفَرُوا , وَنَالُوا مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا , كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا صَبًّا , وَلِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً وَأُنْسًا وَحِصْنًا , فَطِرْتَ بِعَبَائِهَا وَفُزْتَ بِحِبَائِهَا وَذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا , وَلَمْ يَزِعْ قَلْبُكَ وَلَمْ يَجْبُنْ , كُنْتَ وَاللَّهِ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَلَا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ , كُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَمَنُّ النَّاسِ عِنْدَهُ فِي صُحْبَتِهِ وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ضَعِيفًا فِي بَدَنِكَ , قَوِيًّا فِي أَمَرِ اللَّهِ , مُتَوَاضِعًا فِي نَفْسِكَ , عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , جَلِيلًا فِي أَعْيَنِ النَّاسِ , كَبِيرًا فِي أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَغْمَزٌ , وَلَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَهْمَزٌ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ , وَلَا لِمَخْلُوقٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ , الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيُّ حَتَّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ , الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ , الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ عِنْدَكَ سَوَاءٌ , أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكُمْ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتْقَاهُمْ لَهُ , شَأْنُكَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ , قَوْلُكَ حُكْمٌ وَحَتْمٌ , أَمَرُكَ حِلْمٌ وَجَزْمٌ , وَرَأَيُكَ عِلْمٌ وَعَزْمٌ , فَأَقْلَعْتَ وَقَدْ نُهِجَ السَّبِيلُ , وَسَهُلَ الْعُسَيْرُ , وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ , وَاعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ , وَقَوِيَ الْإِيمَانُ , وَثَبَتَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ , وَظَهَرَ أَمَرُ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , فَجَلَيْتَ عَنْهُمْ فَأَبْصَرُوا , فَسَبَقْتَ وَاللَّهِ سَبْقًا بَعِيدًا , وَاتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ إِتْعَابًا شَدِيدًا , وَفُزْتَ بِالْخَيْرِ فَوْزًا مُبِينًا , فَجُلِّلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ , وَعَظُمَتْ رَزِيئَتُكَ فِي السَّمَاءِ , وَهَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاهُ , وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمَرَهُ , وَاللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا , كُنْتَ لِلدِّينِ عِزًّا وَحِرْزًا وَكَهْفًا , وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِئَةً وَحِصْنًا , وَعَلَى الْمُنَافِقِينَ غِلْظَةً وَكَظًّا وَغَيْظًا , فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّكَ وَلَا حَرَمَنَا أَجْرَكَ وَلَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . وَسَكَتَ النَّاسُ حَتَّى انْقَضَى كَلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ , فَقَالُوا : صَدَقْتَ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ ذَكَرْتُ مِنْ مَنَاقِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , وَعُثْمَانُ مَعَهُمَا لَمَقْتُولٌ ظُلْمًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَظِيمِ قَدْرِهِمْ عِنْدَهُ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا مَا فِيهِ مَبْلَغٌ لِمَنْ عَقَلَ فَمَيَّزَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ , فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهِ خَيْرًا فَمَيَّزَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ }} وَعَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الصَّفْوَةَ مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }} , وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صَحَابَتِهِ ضَمِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ لَا يُخْزِيهِ فِيهِمْ وَأَنَّهُ يُتِمُّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورَهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ , وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا , سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ , ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزِّرَاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ , وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ , بَلْ نَرْجُوا بِمَحَبَّتِنَا لِجَمِيعِهِمُ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

    ارتجت: ارتج : اضطرب واهتز
    مسجى: مسجى : مغطى
    هديا: الهدي : السيرة والهيئة والطريقة
    وسمتا: والسَّمْت : عبارةٌ عن الحالة التي يكونُ عليها الإنسانُ من السَّكينة والوَقار، وحُسْن السِّيرة والطَّريقة واستقامةِ المَنْظر والهيئة
    هلعوا: الهلع : أشد الجزع والضجر
    هوادة: الهوادة : اللين ، وما يرجى به الصلاح بين القوم ، والسكون والرخصة والمحاباة
    السبيل: السبيل : الطريق
    فجليت: جلى : أظهر وأبان
    وحرزا: الحرز : الحصن الواقي والموفر للحفظ والحماية والصيانة
    ختن: الختن : قريب الزوجة كأبيها وأخيها ، وزوج الابنة ، وزوج الأخت
    " الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات