• 2205
  • عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ : لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمَكَّةَ قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ : " يَا عَمِّ امْضِ إِلَى عُكَاظَ , فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنْ يَمْنَعُونِي وَيُؤْوُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرْسَلَنِي بِهِ " , فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ : نَعَمْ , فَأَنَا مَاضٍ مَعَكَ , حَتَّى أَدُلَّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فَذَكَرَ حَدِيثَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً , فَكُلٌّ لَمْ يُجِبْهُ , وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ , اخْتَصَرْتُ أَنَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ : فَلَمَّا جَاءَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَّةُ النَّفْرُ الْخَزْرَجِيُّونَ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ , وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ , وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ , وَالنُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ , وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ , فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا , فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِلَى عِبَادَتِهِ , وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ , فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ : {{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا }} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ , فَرَقَّ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حِينَ سَمِعُوا مِنْهُ مَا سَمِعُوا , فَأَجَابُوهُ فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمْ يُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ , فَعَرَفَ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : " سُكَّانُ يَثْرِبَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ , وَقَدْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ , فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَنِي مَعَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ , فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ , ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ مِنَ الْخَطْبِ الطَّوِيلِ , قَالَ : فَقَامَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَقَالَ فِيمَا خَاطَبَ بِهِ الْعَبَّاسَ : وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنَّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا , فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخُذْ مَا شِئْتَ , وَالْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ , فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ " , قَالُوا : فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَقَالَ الْعَبَّاسُ : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ ذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَّتِكُمْ , وَعَهْدُ اللَّهِ مَعَ عُهُودِكُمْ فِي هَذَا الْشَّهْرِ الْحَرَامِ , وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ رَبَّكُمْ , يَدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ لَتَجِدُّنَّ فِي نُصْرَتِهِ , وَلَتَشُدُّنَّ مِنْ أَزْرِهِ , وَلَتُوَفُّنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ وَصَرْحِ أَلْسِنَتِكُمْ وَنَصْحِ صُدُورِكُمْ , ثُمَّ لَا تَمْنَعَنَّكُمْ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا , وَلَا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ , وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ " قَالُوا جَمِيعًا : نَعَمْ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ , فَإِنَّ ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ دَمَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ , اللَّهُمَّ : فَكُنْ لِابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا , فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ , وَرَضِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلِكَ فَمَا لَنَا ؟ قَالَ : " لَكُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ وَالْجَنَّةُ " : قَالُوا : رَضِينَا وَقَبِلْنَا , فَأَقْبَلَ ابْنُ التَّيِّهَانِ , عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ , وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ , فَقَالُوا : بَلَى قَالَ : أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَمَوْلِدِهِ , قَالُوا : بَلَى , قَالَ : فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسَلِّمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ يَنْزِلُ بِكُمْ فَالْآنَ , فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ , فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا : لَا , بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ , وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحِلْفِ وَالْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ , وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى شَيْشَائِهَا , وَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا , وَلَحِقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَكْتَنَا , وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ , فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : " الدَّمُ الدَّمُ , الْهَدْمُ الْهَدْمُ " , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ , فَقَالَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الِاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي وَأَصْدُقَ قَوْلِي بِفِعْلِي فِي نَصْرِكَ , وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَأُبَايِعُكَ عَلَى الْإِقْدَامِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَلَا الْبَعِيدَ , فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًى , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ " وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , عَلَى أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ : أُبَايِعُ اللَّهَ وَأُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا أَعْصِيَ لَكُمَا أَمْرًا وَلَا أَكْذِبُكُمَا حَدِيثًا وَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى بَلَدِهِمْ مَسْرُورِينَ , فَنَشَرُوا مَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ , وَحَسُنَتْ إِجَابَةُ قَوْمِهِمْ لَهُمْ حَتَّى وَافَوْهُ مِنْ قَابِلٍ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا , فَصَاحَ إِبْلِيسُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حِينَ رَأَى جَمَاعَتَهُمْ صَيْحَةً أَسْمَعَتْ جَمَاعَةَ قُرَيْشٍ , وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , فَنَادَى يَا أَهْلَ مِنًى : هَذَا مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ , قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَمْلِ عَلَيْكُمْ وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِكُمْ قَالَ : وَيُشَبِّهُ صَوْتَهُ بِصَوْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَتَانِي فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ أَبُو جَهْلٍ وَقَدْ أَفْزَعَنِي مَا أَفْزَعَهُ , وَأَخَذَتْنِي الْعَرْوِيُّ وَهِيَ الرِّعْدَةُ , وَقُمْتُ لِأَبُولُ , فَلَمَّا فَرَغْتُ جَاءَنِي أَبُو جَهْلٍ فَأَعْجَلَنِي فَقَالَ : قُمْ أَنَائِمٌ أَنْتَ ؟ أَمَا أَفْزَعَكَ مَا أَفْزَعَنَا ؟ وَتَوَجَّهَ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , فَأَخْبَرَهُ بِصَوْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ , يُخْبِرُ إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَهْلَ يَثْرِبَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْحَمْلِ عَلَيْكُمْ , وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِكُمْ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَأَتَيْنَا رَجُلًا وَقُورًا , مَعَهُ ذِهْنُهُ لَمْ يَرُعْهُ مَا رَاعَنَا , يَعْنِي عُتْبَةَ , فَقَالَ عُتْبَةُ : هَلْ أَتَاكُمْ فَأَخْبَرَكُمْ بِهَذَا ؟ قَالُوا : لَا , وَلَكِنَّا سَمِعْنَا صَوْتَهُ قَالَ : فَلَعَلَّهُ الْخَيْثَعُوزُ , يَعْنِي : إِبْلِيسَ الْكَذَّابَ ثُمَّ قَالَ : انْهَضُوا فَمَضَى الْقَوْمُ نَحْوَ السَّبْعِينَ قَالَ عَمْرٌو : وَاللَّهِ لَقَالُوا سَبْعِينَ , فَظَنَنَّا أَنَّهُمْ سَبْعُمِائَةٍ , فَدَفَعْنَا إِلَى الْقَوْمِ مُعْدِينَ , فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِمْ , وَكَلَّمَ الْقَوْمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ , فَقَالَ : يَا أَهْلَ يَثْرِبَ سَاءَ مَا ظَنَنْتُمْ , إِذْ مَنَّتْكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنَّكُمْ تَخْرُجُونَ بِأَخِينَا مِنْ غَيْرِ مَلَاءٍ مِنَّا وَلَا مَشُورَةٍ تَقَحُّمًا مِنْكُمْ عَلَيْنَا وَظُهُورًا , وَلَئِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نُقِرُّ بِذَلِكَ أَوْ نَرْضَى بِهِ , لَبِئْسَ مَا رَأَيْتُمْ , فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ : بَلْ نُخْرِجُهُ وَأَنْفُكَ رَاغِمٌ , وَاللَّهِ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ نُخْرِجَكَ مَعَنَا لَأَعْلَقْنَا فِي عُنُقِكِ حَبْلًا , ثُمَّ سُقَنَاكَ ذَلِيلًا , قَالَ : فَارْتَدَعَ أَبُو سُفْيَانَ , وَقَالَ : مَا تِلْكَ لَكُمْ بِعَادَةٍ , وَلَوْ تَكَلَّمْتَ بِهَذَا فِي جَمْعٍ مِنَ الْمَوْسِمِ لَكَذَّبَكَ غَيْرُ وَاحِدٍ , إِنَّ الْعَرَبَ لَتَعْلَمُ أَنَّا أَعَزُّ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ وَأَمْنَعُهُ , أَفَمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْجَوَابِ غَيْرَ هَذَا ؟ قَالَ : يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : بَلْ تَنْصَرِفُونَ عَنَّا , فَإِنَّهُ أَجْمَلُ فِي الرَّأْيِ , وَأَحْسَنُ لِذَاتِ الْبَيْنِ , وَأَمْثَلُ , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَنُغَادِرُهُ عِنْدَكُمْ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : نَعَمْ , تُغَادِرُونَهُ عِنْدَ قَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ غَيْرِ خَاذِلِينَ لَهُ , وَلَا أَضِنَّاءَ عَلَيْهِ , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَمَاذَا نَقُولُ لِنِسَائِنَا ؟ قَالَ : تَقُولُونَ لَهُنَّ : {
    }
    فَلَمَّا رَأَيْنَا الْقَوْمَ دُونَ نَبِيِّهِمْ {
    }
    كَأُسْدٍ حَمَتْ عَرِيشَهَا وَعَرَينَا {
    }
    {
    }
    صَدَدْنَا صُدُودًا كَانَ خَيْرَ بَقِيَّةٍ {
    }
    لِنِسْوَانِنَا مِنْ بَعْدِنَا وَبَنِينَا {
    }
    {
    }
    وَلَمْ نَرَ إِلَّا ذَاكَ وَجْهًا أَوِ الرَّدَى {
    }
    وَطَلْقًا لَنَا وَرَنِينَا {
    }
    {
    }
    وَقُلْنَا انْصِرَافُ الْقَوْمِ مِنَ الرَّدَى {
    }
    أَوِ الْحَرْبِ تَدْرِي أَعْظُمًا وَشُئُونَا {
    }
    قَالَ : وَتَعَاظَمَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْقَوْمِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَنْهَضَ إِلَى بَعْضٍ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ وَخَشِيَ الْفَضِيحَةَ لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ وَقِلَّةِ أَصْحَابِهِ تَقَدَّمَ فَقَالَ : أَيُّهَا الْقَوْمُ , إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِهَذَا , اسْكُتُوا وَاسْمَعُوا قَوْلِي هَذَا وَخُذُوا أَوْ دَعُوا , فَسَكَتَ الْقَوْمُ , وَابْتَدَأَ خَطِيبًا فَقَالَ : اللَّاتُ مَجْدَنَا وَالْعُزَّى عِصْمَتُنَا , وَنَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ وَفِي بَيْتِهِ الْمَحْجُوبِ , وَوَادِيهِ الْمُحَرَّمِ أَعَزَّ بِهِ حُرْمَتَنَا , وَدَفَعَ بِهِ عَنْ بَيْضَتِنَا , وَجَعَلَنَا وُلَاةَ بَيْتِهِ , وَمُنْتَهَى طُرُقِ الْمَنَاسِكِ , وَأَهْلَ أَلْوِيَةِ الْمَوْسِمِ , وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ , وَحِجَابَةَ الْبَيْتِ , وَرِفَادَةَ الْكَلِّ , لَاتُنْكِرُونَ ذَلِكَ , وَلَا تَدَفَعُونَهُ , ثُمَّ إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ قَدْ كُنْتُمْ إِخْوَانَنَا وَجِيرَانَنَا , وَتَوَدُّونَا وَنَوَدُّكُمْ حَتَّى ارْتَكَبْتُمْ مِنَّا أَمْرًا لَمْ نَكُنْ لِنَرْتَكِبَهُ مِنْكُمْ تَقَحُّمًا مِنْكُمْ عَلَيْنَا , وَظُهُورًا بِحَقِّنَا , ثُمَّ أَرَدْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا بِأَخِينَا مِنْ غَيْرِ مَلَإٍ مِنَّا وَلَا مَشُورَةٍ وَلَا رِضًى , خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَرَّةِ وَفِي مِثْلِ الْيَوْمِ , فَإِنَّ لَكُمْ فِي سَائِرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ مَا تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا قَطِيعَةٍ , هَذِهِ أَيَّامٌ عَظِيمَةُ الْحُرْمَةِ وَاجِبَةُ الْحَقِّ , الْقَطِيعَةُ فِيهَا مَرْفُوعَةٌ , وَالْعُقُوبَةُ إِلَيْهَا سَرِيعَةٌ , ثُمَّ سَكَتَ , فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا مِنَ الضَّلَالَةِ , وَبَصَّرَنَا مِنَ الْعَمَى , وَاسْتَنْقَذَنَا بِنُورِ الْإِسْلَامِ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهَالَةِ , فَعَبَدْنَا رَبًّا وَاحِدًا , وَجَعَلْنَا مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ دِينَ الشَّيْطَانِ أَنْصَابًا نَصَبَهَا النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ لَا تَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ تَكَلَّمْتُمْ ؛ وَشَرُّ الْقَوْلِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ , زَعَمْتُمْ أَنَّا انْتَهَكْنَا حُرْمَتَكُمْ فِي ابْنِ أَخِيكُمْ , إِنْ أَجَبْنَا دَعْوَتَهُ , وَشَرَّفْنَا مَنْزِلَتَهُ وَاتَّبَعْنَا أَمْرَهُ , فَمَا أَسَأْنَا فِي ذَلِكَ بِكُمْ وَلَا بِهِ , إِذَا كَانَتْ تِلْكَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَنَا , وَلَقَدْ قَطَعْنَا فِيهِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا وَأَرْحَامًا مِنْكُمْ , فَمَا الْتَمَسْنَا بِذَلِكَ سَخَطَهُمْ , وَلَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ رِضَاكُمْ , فَإِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا فَزِعْتُمْ إِلَى مُسَاءَتِهِ لِمَكَانِنَا مِنْهُ , فَطَالَ مَا أَرَدْتُمْ بِهِ تِلْكَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ , ثُمَّ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِ فَالْآنَ إِذَا عَقَدْنَا حَبْلَنَا بِحَبْلِهِ الْتَمَسْتُمُوهُ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْهَا أَبْعَدُ , دِمَاؤُنَا دُونَ دَمِهِ , وَأَنْفُسُنَا دُونَ نَفْسِهِ , فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْكُمْ مُصَانَعَةً لِلنَّاسِ , وَأَنَفًا لِسَخَطِهِمْ , فَنَحْنُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الَّذِي أَعْطَيْنَاهُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَشَدُّ خَوْفًا , وَعَلَى عُهُودِنَا بِالْوَفَاءِ أَشَدُّ حَدَبًا , فَلَا سَبِيلَ إِلَى مَالَا سَبِيلَ إِلَيْهِ , وَلَكِنَّا سَنَعْرِضُ عَلَيْكُمْ رَأْيًا بِمَا لَوْ تَوَسَّلْتُمْ إِلَيْنَا بِهِ مِنَ الصِّهْرِ وَالْجِوَارِ , إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُبَايِعُوهُ كَمَا بَايَعْنَاهُ , وَنَحْنُ لَهُ وَلَكُمْ تَبَعٌ , وَإِنْ كَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَكَانَ ظَنُّكُمْ دَائِرَةً تَخَافُونَهَا مِنَ النَّاسِ طَلَبْتُمْ إِلَى ابْنِ أَخِيكُمْ وَكُنَّا لَكُمْ شُفَعَاءَ , فَأَخَذْتُمْ مَا تَأْمَنُونَ بِهِ عِنْدَهُ غَدًا , وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْكُمُ الْحَسَدَ وَالْبَغْيَ كُنَّا لِابْنِ أَخِيكُمْ جُنَّةً , فَإِنْ ظَفِرَ فَأَخُوكُمْ وَإِلَّا هَلَكْنَا دُونَهُ وَسَلِمْتُمْ وَكُفِيتُمُ الشَّوْكَةَ فَلْيَسَعْكُمْ رَأْيُكُمْ وَلْتَسَعْكُمْ أَحْلَامُكُمْ , فَلَمَّا كَثُرَ لَغَطُ الْقَوْمِ , قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَنْتُمُ الْإِخْوَةُ وَالْجِيرَانُ وَالْأَصْهَارُ , وَقَدْ عَرَضْتُمْ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ , وَهَذَا أَمْرٌ نُرِيدُ أَنْ نُفَكِّرَ فِيهِ , وَنَنْظُرَ ثُمَّ نَعْرِضُ عَلَيْكُمْ رَأْيَنَا , فَأَمْهِلُونَا حَتَّى نَتَشَاوَرَ فِيهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُنَا عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ لَنَا وَلَكُمْ فِيهِ سَعَةٌ وَرِضًى قَالُوا : ذَلِكَ إِلَيْكَ , فَتَنَحَّى عُتْبَةُ بِأَصْحَابِهِ حُجْرَةً يَعْنِي : نَاحِيَةً فَقَالَ : هَلْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ ؟ قَالَ أَبُو جَهْلٍ : قَدْ رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ , قَالَ : فَإِنْ كُنْتَ رَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ فَقَدْ وَاللَّهِ سَمِعْتُ مَنْطِقًا يَقْطُرُ دَمًا , وَرَأَيْتُ قَوْمًا قَدْ أَشْرَفُوا فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى حَظٍّ عَظِيمٍ , لَا يَعْدِلُهُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مَا هُمْ مَيِّتُونَ دُونَهُ سَاعَتَنَا هَذِهِ أَفَتَطِيبُ أَنْفُسُكُمْ بِالْمَوْتِ ؟ قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَقَدْ ضَرَعَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ : أَفَنَرْجِعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؟ قَالَ : أَظُنُّكَ وَاللَّهِ سَتَرْجِعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِشَيْءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ , فَإِنْ أَذِنْتُمْ لِي كَلَّمْتُ الْقَوْمَ وَآتَيْتُهُمْ مِنْ وَجْهٍ لَعَلَّهُمْ يُحْسِنُونَ إِجَابَتَكُمْ فِيهِ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَبَدَرْتُ الْقَوْمَ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ , تَكَلَّمْ بِمَا شِئْتَ , وَقُلْ مَا شِئْتَ فَنَحْنُ طَوْعُ يَدَيْكَ , وَلَنْ نَخْرُجَ مِنْ رَأْيِكَ , فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ إِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ حَسَنًا , تَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَنَا وَنَعْرِفُهُ لَكُمْ , وَتَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَنَا مِنَ اللَّهِ فِي حُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ , إِذْ جَعَلَنَا وُلَاةَ أَمْرِهِ وَأَكْرَمَنَا بِهِ , وَلَسْنَا نُحِبُّ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ عَلَى أَيْدِينَا , وَلَا عَلَى أَلْسِنَتِنَا أَمْرٌ نَنْدَمُ عَلَيْهِ , وَتَنْدَمُونَ حِينَ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ , قَدْ عَرَّضْتُمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذِيَ يَدْعُو إِلَيْهِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ , إِذْ طَعَنَ فِي دِينِهِمْ وَعَابَ آلِهَتَهُمْ وَسَفَّهَ رَأَيَ آبَائِهِمْ , وَقَدْ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى جَمِيعِ الْقَبَائِلِ , فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ , وَبِاللَّهِ لَا آمَنُ أَنْ لَوْ صَاحَ صَائِحٌ فِي جَمِيعِ الْمَوْسِمِ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِكُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً , وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ نَنْتَهِزُهُ وَنَحْنُ عَلَى وَفَازٍ تَحْتَ اللَّيْلِ , وَسَنَعْرِضُ عَلَيْكُمُ الرَّأْيَ الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَاتَّفَقْنَا عَلَيْهِ , إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ , وَتَجْعَلُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَجَلًا , وَنُعْطِيكُمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا , لَا نُؤْذِيهِ وَلَا نَعْرِضُ لَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ , وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْأَجَلِ , وَالْأَجَلُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ , فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْكُمْ وَيَكُونَ مَعَكُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ لَمْ نَعْرِضْ لَهُ , وَلَا لِمَنْ تَبِعَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ , وَلَا نَعْرِضُ لِمَنْ سَارَ إِلَيْكُمْ , وَلَا لِمَنْ أَقَامَ مَعَهُ مِنْكُمْ , وَفِي ذَلِكَ يَقْضِي اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ مَا أَحَبَّ إِلَيْهِ , فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ , وَقَالُوا : قَدْ أَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنَّا أَمْرًا لَا نُحِبُّ إِلَّا الْوَفَاءَ بِهِ , وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْمَعُ مَقَالَتَكُمْ , وَالرَّأْيُ رَأْيُهُ , وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ , لَيْسَ مَعَهُ لَنَا أَمْرٌ , فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ أَهْلِ يَثْرِبَ وَمَقَالَةَ قُرَيْشٍ ابْتَدَأَ خَطِيبًا , فَكَانَ أَوَّلُ مَا ابْتَدَأَ بِهِ فَاتِحَةَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ حَتَّى قَرَأَ مِنْهَا عَشْرَ آيَاتٍ وَهِيَ فِي قُرَيْشٍ , وَقَدْ كَانَ بَدْءُ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ : " إِنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ , فَأَصَبْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ وَأَرْضَيْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَقَدْ تَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ وَسَأَلُوكُمْ مَا سَأَلُوكُمْ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا الَّذِي تُرِيدُ قُرَيْشٌ فِيمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ , وَفِيمَا سَأَلُوا , فَإِنْ تُرِدِ الْوَفَاءَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَاللَّهُ لَهُمْ بِالْخَيْرِ , يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ , وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ , وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ لِقُرَيْشٍ بِالْمِرْصَادِ , وَلِرَسُولِهِ بِالنَّصْرِ وَالْكِفَايَةِ {{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ }} أَعْطُوا الْقَوْمَ مَا سَأَلُوا , فَالَّذِي صَبَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ أَذَاهُمْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ أَطْوَلُ مَنْ هَذَا الْأَجَلِ الَّذِي سَأَلُوهُ , فَأَعْطُوهُمْ وَخُذُوا عَلَيْهِمُ الْعُهُودَ الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ , فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَنْفِيسًا لَكُمْ وَلَهُمْ , وَمَعْذِرَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ , وَحُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ , فَأَعْطَاهُمُ الْقَوْمُ مَا أَرَادُوا , وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قُرَيْشٍ , فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ , وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ , وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ , وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ , أَخُو أَبُو جَهْلٍ لِأُمِّهِ , وَعُثْمَانُ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ , وَأَسْلَمَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ وَهَاجَرَ أَكْثَرُ مِنَ الْكَثِيرِ , وَوَاسَتْهُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَدُورِهِمْ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ كَبُرَ عَلَيْهِمْ , وَهَمُّوا بِالْغَدْرِ حَتَّى أَجْمَعُوا لِذَلِكَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ , فَأَجْمَعَ لِذَلِكَ الْمَكْرِ الَّذِي أَرَادُوهُ وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَتَاهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشٍ فِي زِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ , فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ , بَلَغَنِي مَا اجْتَمَعْتُمْ لَهُ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَ ذَلِكَ , وَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْدِمْكُمْ مِنِّي رَأْيٌ , فَتَكَلَّمَ عُتْبَةُ , فَقَالَ : أَرَى أَنْ تُخْرِجُوهَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَتَكْفِيكُمُوهُ الْأَحْيَاءُ , فَإِنْ ظَفِرَ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَفَتْكُمُوهُ الْأَحْيَاءُ وَلَمْ يَبْدُو شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ , فَقَالَ النَّجْدِيُّ : مَا هَذَا بِرَأْيٍ , أَمَا سَمِعْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ , وَأَخْذَهُ بِالْقُلُوبِ , فَمَا آمَنُ لَوْ وَقَعَ فِي حَيٍّ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَاسْتَقَادَ أَهْوَاءَهُمْ , أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ , قَالَ آخَرُ : أَرَى أَنْ يُوثَقَ , وَيُحْبَسَ حَتَّى يَجِيئَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ , قَالَ النَّجْدِيُّ : لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ , أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهُ حَامَةً وَأَهْلَ بَيْتٍ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ , فَيَقَعُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ , فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَوْهِينٌ لِأَمْرِكُمْ , وَتَفْرِيقٌ لِجَمَاعَتِكُمْ , قَالَ أَبُو جَهْلٍ : إِنِّي لَأَرَى رَأْيًا لَئِنْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ الرَّأْيُ , قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْيَاءِ الْخَمْسَةِ أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ حَيٍّ رَجُلٌ شَابٌّ , فَيُعْطَى كُلُّ رَجُلٍ سَيْفًا فَيَأْتُونَهُ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي يَبِيتُ فِيهِ , فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ , فَلَا يَقْدِرُ أَهْلُ بَيْتِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا هَؤُلَاءِ , فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ , وَيَكُونُ دِيَةً , فَقَالَ النَّجْدِيُّ : لِلَّهِ دَرَّهُ أَصَابَ الرَّأْيَ , ثُمَّ قَالَ النَّجْدِيُّ : وَهُوَ إِبْلِيسُ , لَعَنَهُ اللَّهُ : {
    }
    الرَّأْيُ رَأْيَانِ , رَأْيٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ {
    }
    هَادٍ وَرَأَيٌ كَصَدْرِ السَّيْفِ مَعْرُوفُ {
    }
    {
    }
    يَكُونُ أَوَّلُهُ يَسْرِي لِآخِرِهِ {
    }
    يَوْمًا , وَآخِرُهُ مَجْدٌ وَتَشْرِيفُ {
    }
    فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَأَخْبَرَهُ , فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ , فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَصَابَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ فَمَاشَى إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أَصْحَابِي فِي هَذَا الْوَادِي قَالَ : أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ , الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ دِينَهُ وَخَذَلَكَ , فَخَفِيَ عَلَيْهِ

    وَحَدَّثَنَـا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ الْقَافِلَائِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَـا أَبُو الْأَصْبَغِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَامِلٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَـا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَـا عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَجَلِيُّ , عَنِ اللَّيْثِيِّ يَعْنِي : أَبَا الْمُصَبِّحِ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ : لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمَكَّةَ قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ : يَا عَمِّ امْضِ إِلَى عُكَاظَ , فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنْ يَمْنَعُونِي وَيُؤْوُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرْسَلَنِي بِهِ , فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ : نَعَمْ , فَأَنَا مَاضٍ مَعَكَ , حَتَّى أَدُلَّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فَذَكَرَ حَدِيثَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً , فَكُلٌّ لَمْ يُجِبْهُ , وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ , اخْتَصَرْتُ أَنَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ : فَلَمَّا جَاءَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَّةُ النَّفْرُ الْخَزْرَجِيُّونَ : أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ , وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ , وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ , وَالنُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ , وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ , فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا , فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِلَى عِبَادَتِهِ , وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ , فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ : {{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ : رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا }} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ , فَرَقَّ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حِينَ سَمِعُوا مِنْهُ مَا سَمِعُوا , فَأَجَابُوهُ فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُمْ يُكَلِّمُونَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ , فَعَرَفَ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : سُكَّانُ يَثْرِبَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ , وَقَدْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ , فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونَنِي مَعَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ , فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ , ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ مِنَ الْخَطْبِ الطَّوِيلِ , قَالَ : فَقَامَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَقَالَ فِيمَا خَاطَبَ بِهِ الْعَبَّاسَ : وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنَّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا , فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخُذْ مَا شِئْتَ , وَالْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ , فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ , قَالُوا : فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَقَالَ الْعَبَّاسُ : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ ذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَّتِكُمْ , وَعَهْدُ اللَّهِ مَعَ عُهُودِكُمْ فِي هَذَا الْشَّهْرِ الْحَرَامِ , وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ رَبَّكُمْ , يَدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ لَتَجِدُّنَّ فِي نُصْرَتِهِ , وَلَتَشُدُّنَّ مِنْ أَزْرِهِ , وَلَتُوَفُّنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ وَصَرْحِ أَلْسِنَتِكُمْ وَنَصْحِ صُدُورِكُمْ , ثُمَّ لَا تَمْنَعَنَّكُمْ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا , وَلَا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ , وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ قَالُوا جَمِيعًا : نَعَمْ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ , فَإِنَّ ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ دَمَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ , اللَّهُمَّ : فَكُنْ لِابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا , فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ , وَرَضِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلِكَ فَمَا لَنَا ؟ قَالَ : لَكُمْ رِضْوَانُ اللَّهِ وَالْجَنَّةُ : قَالُوا : رَضِينَا وَقَبِلْنَا , فَأَقْبَلَ ابْنُ التَّيِّهَانِ , عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ , وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ , فَقَالُوا : بَلَى قَالَ : أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَمَوْلِدِهِ , قَالُوا : بَلَى , قَالَ : فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسَلِّمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ يَنْزِلُ بِكُمْ فَالْآنَ , فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ , فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا : لَا , بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ , وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحِلْفِ وَالْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ , وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى شَيْشَائِهَا , وَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا , وَلَحِقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَكْتَنَا , وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ , فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : الدَّمُ الدَّمُ , الْهَدْمُ الْهَدْمُ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ , فَقَالَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الِاثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ , وَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي وَأَصْدُقَ قَوْلِي بِفِعْلِي فِي نَصْرِكَ , وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ : أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَأُبَايِعُكَ عَلَى الْإِقْدَامِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَلَا الْبَعِيدَ , فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًى , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ : أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , عَلَى أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ : أُبَايِعُ اللَّهَ وَأُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا أَعْصِيَ لَكُمَا أَمْرًا وَلَا أَكْذِبُكُمَا حَدِيثًا وَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى بَلَدِهِمْ مَسْرُورِينَ , فَنَشَرُوا مَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ , وَحَسُنَتْ إِجَابَةُ قَوْمِهِمْ لَهُمْ حَتَّى وَافَوْهُ مِنْ قَابِلٍ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا , فَصَاحَ إِبْلِيسُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حِينَ رَأَى جَمَاعَتَهُمْ صَيْحَةً أَسْمَعَتْ جَمَاعَةَ قُرَيْشٍ , وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , فَنَادَى يَا أَهْلَ مِنًى : هَذَا مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ , قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى الْحَمْلِ عَلَيْكُمْ وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِكُمْ قَالَ : وَيُشَبِّهُ صَوْتَهُ بِصَوْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ السَّهْمِيِّ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَتَانِي فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ أَبُو جَهْلٍ وَقَدْ أَفْزَعَنِي مَا أَفْزَعَهُ , وَأَخَذَتْنِي الْعَرْوِيُّ وَهِيَ الرِّعْدَةُ , وَقُمْتُ لِأَبُولُ , فَلَمَّا فَرَغْتُ جَاءَنِي أَبُو جَهْلٍ فَأَعْجَلَنِي فَقَالَ : قُمْ أَنَائِمٌ أَنْتَ ؟ أَمَا أَفْزَعَكَ مَا أَفْزَعَنَا ؟ وَتَوَجَّهَ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , فَأَخْبَرَهُ بِصَوْتِ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ , يُخْبِرُ إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَهْلَ يَثْرِبَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْحَمْلِ عَلَيْكُمْ , وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِكُمْ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَأَتَيْنَا رَجُلًا وَقُورًا , مَعَهُ ذِهْنُهُ لَمْ يَرُعْهُ مَا رَاعَنَا , يَعْنِي عُتْبَةَ , فَقَالَ عُتْبَةُ : هَلْ أَتَاكُمْ فَأَخْبَرَكُمْ بِهَذَا ؟ قَالُوا : لَا , وَلَكِنَّا سَمِعْنَا صَوْتَهُ قَالَ : فَلَعَلَّهُ الْخَيْثَعُوزُ , يَعْنِي : إِبْلِيسَ الْكَذَّابَ ثُمَّ قَالَ : انْهَضُوا فَمَضَى الْقَوْمُ نَحْوَ السَّبْعِينَ قَالَ عَمْرٌو : وَاللَّهِ لَقَالُوا سَبْعِينَ , فَظَنَنَّا أَنَّهُمْ سَبْعُمِائَةٍ , فَدَفَعْنَا إِلَى الْقَوْمِ مُعْدِينَ , فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِمْ , وَكَلَّمَ الْقَوْمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ , فَقَالَ : يَا أَهْلَ يَثْرِبَ سَاءَ مَا ظَنَنْتُمْ , إِذْ مَنَّتْكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنَّكُمْ تَخْرُجُونَ بِأَخِينَا مِنْ غَيْرِ مَلَاءٍ مِنَّا وَلَا مَشُورَةٍ تَقَحُّمًا مِنْكُمْ عَلَيْنَا وَظُهُورًا , وَلَئِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّا نُقِرُّ بِذَلِكَ أَوْ نَرْضَى بِهِ , لَبِئْسَ مَا رَأَيْتُمْ , فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ : بَلْ نُخْرِجُهُ وَأَنْفُكَ رَاغِمٌ , وَاللَّهِ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ نُخْرِجَكَ مَعَنَا لَأَعْلَقْنَا فِي عُنُقِكِ حَبْلًا , ثُمَّ سُقَنَاكَ ذَلِيلًا , قَالَ : فَارْتَدَعَ أَبُو سُفْيَانَ , وَقَالَ : مَا تِلْكَ لَكُمْ بِعَادَةٍ , وَلَوْ تَكَلَّمْتَ بِهَذَا فِي جَمْعٍ مِنَ الْمَوْسِمِ لَكَذَّبَكَ غَيْرُ وَاحِدٍ , إِنَّ الْعَرَبَ لَتَعْلَمُ أَنَّا أَعَزُّ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ وَأَمْنَعُهُ , أَفَمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْجَوَابِ غَيْرَ هَذَا ؟ قَالَ : يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : بَلْ تَنْصَرِفُونَ عَنَّا , فَإِنَّهُ أَجْمَلُ فِي الرَّأْيِ , وَأَحْسَنُ لِذَاتِ الْبَيْنِ , وَأَمْثَلُ , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَنُغَادِرُهُ عِنْدَكُمْ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : نَعَمْ , تُغَادِرُونَهُ عِنْدَ قَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ غَيْرِ خَاذِلِينَ لَهُ , وَلَا أَضِنَّاءَ عَلَيْهِ , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَمَاذَا نَقُولُ لِنِسَائِنَا ؟ قَالَ : تَقُولُونَ لَهُنَّ : فَلَمَّا رَأَيْنَا الْقَوْمَ دُونَ نَبِيِّهِمْ كَأُسْدٍ حَمَتْ عَرِيشَهَا وَعَرَينَا صَدَدْنَا صُدُودًا كَانَ خَيْرَ بَقِيَّةٍ لِنِسْوَانِنَا مِنْ بَعْدِنَا وَبَنِينَا وَلَمْ نَرَ إِلَّا ذَاكَ وَجْهًا أَوِ الرَّدَى وَطَلْقًا لَنَا وَرَنِينَا وَقُلْنَا انْصِرَافُ الْقَوْمِ مِنَ الرَّدَى أَوِ الْحَرْبِ تَدْرِي أَعْظُمًا وَشُئُونَا قَالَ : وَتَعَاظَمَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْقَوْمِ حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَنْهَضَ إِلَى بَعْضٍ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ وَخَشِيَ الْفَضِيحَةَ لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ وَقِلَّةِ أَصْحَابِهِ تَقَدَّمَ فَقَالَ : أَيُّهَا الْقَوْمُ , إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِهَذَا , اسْكُتُوا وَاسْمَعُوا قَوْلِي هَذَا وَخُذُوا أَوْ دَعُوا , فَسَكَتَ الْقَوْمُ , وَابْتَدَأَ خَطِيبًا فَقَالَ : اللَّاتُ مَجْدَنَا وَالْعُزَّى عِصْمَتُنَا , وَنَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ وَفِي بَيْتِهِ الْمَحْجُوبِ , وَوَادِيهِ الْمُحَرَّمِ أَعَزَّ بِهِ حُرْمَتَنَا , وَدَفَعَ بِهِ عَنْ بَيْضَتِنَا , وَجَعَلَنَا وُلَاةَ بَيْتِهِ , وَمُنْتَهَى طُرُقِ الْمَنَاسِكِ , وَأَهْلَ أَلْوِيَةِ الْمَوْسِمِ , وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ , وَحِجَابَةَ الْبَيْتِ , وَرِفَادَةَ الْكَلِّ , لَاتُنْكِرُونَ ذَلِكَ , وَلَا تَدَفَعُونَهُ , ثُمَّ إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ قَدْ كُنْتُمْ إِخْوَانَنَا وَجِيرَانَنَا , وَتَوَدُّونَا وَنَوَدُّكُمْ حَتَّى ارْتَكَبْتُمْ مِنَّا أَمْرًا لَمْ نَكُنْ لِنَرْتَكِبَهُ مِنْكُمْ تَقَحُّمًا مِنْكُمْ عَلَيْنَا , وَظُهُورًا بِحَقِّنَا , ثُمَّ أَرَدْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا بِأَخِينَا مِنْ غَيْرِ مَلَإٍ مِنَّا وَلَا مَشُورَةٍ وَلَا رِضًى , خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَرَّةِ وَفِي مِثْلِ الْيَوْمِ , فَإِنَّ لَكُمْ فِي سَائِرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ مَا تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا قَطِيعَةٍ , هَذِهِ أَيَّامٌ عَظِيمَةُ الْحُرْمَةِ وَاجِبَةُ الْحَقِّ , الْقَطِيعَةُ فِيهَا مَرْفُوعَةٌ , وَالْعُقُوبَةُ إِلَيْهَا سَرِيعَةٌ , ثُمَّ سَكَتَ , فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا مِنَ الضَّلَالَةِ , وَبَصَّرَنَا مِنَ الْعَمَى , وَاسْتَنْقَذَنَا بِنُورِ الْإِسْلَامِ مِنْ ظُلْمَةِ الْجَهَالَةِ , فَعَبَدْنَا رَبًّا وَاحِدًا , وَجَعَلْنَا مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ دِينَ الشَّيْطَانِ أَنْصَابًا نَصَبَهَا النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ لَا تَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ تَكَلَّمْتُمْ ؛ وَشَرُّ الْقَوْلِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ , زَعَمْتُمْ أَنَّا انْتَهَكْنَا حُرْمَتَكُمْ فِي ابْنِ أَخِيكُمْ , إِنْ أَجَبْنَا دَعْوَتَهُ , وَشَرَّفْنَا مَنْزِلَتَهُ وَاتَّبَعْنَا أَمْرَهُ , فَمَا أَسَأْنَا فِي ذَلِكَ بِكُمْ وَلَا بِهِ , إِذَا كَانَتْ تِلْكَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَنَا , وَلَقَدْ قَطَعْنَا فِيهِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا وَأَرْحَامًا مِنْكُمْ , فَمَا الْتَمَسْنَا بِذَلِكَ سَخَطَهُمْ , وَلَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ رِضَاكُمْ , فَإِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا فَزِعْتُمْ إِلَى مُسَاءَتِهِ لِمَكَانِنَا مِنْهُ , فَطَالَ مَا أَرَدْتُمْ بِهِ تِلْكَ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ , ثُمَّ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِ فَالْآنَ إِذَا عَقَدْنَا حَبْلَنَا بِحَبْلِهِ الْتَمَسْتُمُوهُ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْهَا أَبْعَدُ , دِمَاؤُنَا دُونَ دَمِهِ , وَأَنْفُسُنَا دُونَ نَفْسِهِ , فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْكُمْ مُصَانَعَةً لِلنَّاسِ , وَأَنَفًا لِسَخَطِهِمْ , فَنَحْنُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الَّذِي أَعْطَيْنَاهُ مِنْ أَنْفُسِنَا أَشَدُّ خَوْفًا , وَعَلَى عُهُودِنَا بِالْوَفَاءِ أَشَدُّ حَدَبًا , فَلَا سَبِيلَ إِلَى مَالَا سَبِيلَ إِلَيْهِ , وَلَكِنَّا سَنَعْرِضُ عَلَيْكُمْ رَأْيًا بِمَا لَوْ تَوَسَّلْتُمْ إِلَيْنَا بِهِ مِنَ الصِّهْرِ وَالْجِوَارِ , إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُبَايِعُوهُ كَمَا بَايَعْنَاهُ , وَنَحْنُ لَهُ وَلَكُمْ تَبَعٌ , وَإِنْ كَرِهْتُمْ ذَلِكَ وَكَانَ ظَنُّكُمْ دَائِرَةً تَخَافُونَهَا مِنَ النَّاسِ طَلَبْتُمْ إِلَى ابْنِ أَخِيكُمْ وَكُنَّا لَكُمْ شُفَعَاءَ , فَأَخَذْتُمْ مَا تَأْمَنُونَ بِهِ عِنْدَهُ غَدًا , وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْكُمُ الْحَسَدَ وَالْبَغْيَ كُنَّا لِابْنِ أَخِيكُمْ جُنَّةً , فَإِنْ ظَفِرَ فَأَخُوكُمْ وَإِلَّا هَلَكْنَا دُونَهُ وَسَلِمْتُمْ وَكُفِيتُمُ الشَّوْكَةَ فَلْيَسَعْكُمْ رَأْيُكُمْ وَلْتَسَعْكُمْ أَحْلَامُكُمْ , فَلَمَّا كَثُرَ لَغَطُ الْقَوْمِ , قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَنْتُمُ الْإِخْوَةُ وَالْجِيرَانُ وَالْأَصْهَارُ , وَقَدْ عَرَضْتُمْ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ , وَهَذَا أَمْرٌ نُرِيدُ أَنْ نُفَكِّرَ فِيهِ , وَنَنْظُرَ ثُمَّ نَعْرِضُ عَلَيْكُمْ رَأْيَنَا , فَأَمْهِلُونَا حَتَّى نَتَشَاوَرَ فِيهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُنَا عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ لَنَا وَلَكُمْ فِيهِ سَعَةٌ وَرِضًى قَالُوا : ذَلِكَ إِلَيْكَ , فَتَنَحَّى عُتْبَةُ بِأَصْحَابِهِ حُجْرَةً يَعْنِي : نَاحِيَةً فَقَالَ : هَلْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ ؟ قَالَ أَبُو جَهْلٍ : قَدْ رَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ , قَالَ : فَإِنْ كُنْتَ رَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ فَقَدْ وَاللَّهِ سَمِعْتُ مَنْطِقًا يَقْطُرُ دَمًا , وَرَأَيْتُ قَوْمًا قَدْ أَشْرَفُوا فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى حَظٍّ عَظِيمٍ , لَا يَعْدِلُهُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مَا هُمْ مَيِّتُونَ دُونَهُ سَاعَتَنَا هَذِهِ أَفَتَطِيبُ أَنْفُسُكُمْ بِالْمَوْتِ ؟ قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَقَدْ ضَرَعَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ : أَفَنَرْجِعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ؟ قَالَ : أَظُنُّكَ وَاللَّهِ سَتَرْجِعُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ بِشَيْءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ , فَإِنْ أَذِنْتُمْ لِي كَلَّمْتُ الْقَوْمَ وَآتَيْتُهُمْ مِنْ وَجْهٍ لَعَلَّهُمْ يُحْسِنُونَ إِجَابَتَكُمْ فِيهِ , قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : فَبَدَرْتُ الْقَوْمَ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ , تَكَلَّمْ بِمَا شِئْتَ , وَقُلْ مَا شِئْتَ فَنَحْنُ طَوْعُ يَدَيْكَ , وَلَنْ نَخْرُجَ مِنْ رَأْيِكَ , فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ إِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ حَسَنًا , تَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَنَا وَنَعْرِفُهُ لَكُمْ , وَتَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَنَا مِنَ اللَّهِ فِي حُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ , إِذْ جَعَلَنَا وُلَاةَ أَمْرِهِ وَأَكْرَمَنَا بِهِ , وَلَسْنَا نُحِبُّ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ عَلَى أَيْدِينَا , وَلَا عَلَى أَلْسِنَتِنَا أَمْرٌ نَنْدَمُ عَلَيْهِ , وَتَنْدَمُونَ حِينَ لَا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ , قَدْ عَرَّضْتُمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الَّذِيَ يَدْعُو إِلَيْهِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ , إِذْ طَعَنَ فِي دِينِهِمْ وَعَابَ آلِهَتَهُمْ وَسَفَّهَ رَأَيَ آبَائِهِمْ , وَقَدْ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى جَمِيعِ الْقَبَائِلِ , فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ , وَبِاللَّهِ لَا آمَنُ أَنْ لَوْ صَاحَ صَائِحٌ فِي جَمِيعِ الْمَوْسِمِ فَأَخْبَرَهُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِكُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً , وَهَذَا أَمْرٌ لَيْسَ نَنْتَهِزُهُ وَنَحْنُ عَلَى وَفَازٍ تَحْتَ اللَّيْلِ , وَسَنَعْرِضُ عَلَيْكُمُ الرَّأْيَ الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَاتَّفَقْنَا عَلَيْهِ , إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ , وَتَجْعَلُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَجَلًا , وَنُعْطِيكُمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا , لَا نُؤْذِيهِ وَلَا نَعْرِضُ لَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ , وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْأَجَلِ , وَالْأَجَلُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ , فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْكُمْ وَيَكُونَ مَعَكُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ لَمْ نَعْرِضْ لَهُ , وَلَا لِمَنْ تَبِعَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ , وَلَا نَعْرِضُ لِمَنْ سَارَ إِلَيْكُمْ , وَلَا لِمَنْ أَقَامَ مَعَهُ مِنْكُمْ , وَفِي ذَلِكَ يَقْضِي اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ مَا أَحَبَّ إِلَيْهِ , فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ , وَقَالُوا : قَدْ أَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنَّا أَمْرًا لَا نُحِبُّ إِلَّا الْوَفَاءَ بِهِ , وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَسْمَعُ مَقَالَتَكُمْ , وَالرَّأْيُ رَأْيُهُ , وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ , لَيْسَ مَعَهُ لَنَا أَمْرٌ , فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةَ أَهْلِ يَثْرِبَ وَمَقَالَةَ قُرَيْشٍ ابْتَدَأَ خَطِيبًا , فَكَانَ أَوَّلُ مَا ابْتَدَأَ بِهِ فَاتِحَةَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ حَتَّى قَرَأَ مِنْهَا عَشْرَ آيَاتٍ وَهِيَ فِي قُرَيْشٍ , وَقَدْ كَانَ بَدْءُ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ : إِنَّكُمْ تَكَلَّمْتُمْ يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ , فَأَصَبْتُمْ وَوُفِّقْتُمْ وَأَرْضَيْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَقَدْ تَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ وَسَأَلُوكُمْ مَا سَأَلُوكُمْ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا الَّذِي تُرِيدُ قُرَيْشٌ فِيمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ , وَفِيمَا سَأَلُوا , فَإِنْ تُرِدِ الْوَفَاءَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَاللَّهُ لَهُمْ بِالْخَيْرِ , يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ , وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ , وَإِنْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ فَاللَّهُ لِقُرَيْشٍ بِالْمِرْصَادِ , وَلِرَسُولِهِ بِالنَّصْرِ وَالْكِفَايَةِ {{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ }} أَعْطُوا الْقَوْمَ مَا سَأَلُوا , فَالَّذِي صَبَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ أَذَاهُمْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ أَطْوَلُ مَنْ هَذَا الْأَجَلِ الَّذِي سَأَلُوهُ , فَأَعْطُوهُمْ وَخُذُوا عَلَيْهِمُ الْعُهُودَ الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ , فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَنْفِيسًا لَكُمْ وَلَهُمْ , وَمَعْذِرَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ , وَحُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ , فَأَعْطَاهُمُ الْقَوْمُ مَا أَرَادُوا , وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قُرَيْشٍ , فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ , وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ , وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ , وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ , أَخُو أَبُو جَهْلٍ لِأُمِّهِ , وَعُثْمَانُ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ , وَأَسْلَمَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ وَهَاجَرَ أَكْثَرُ مِنَ الْكَثِيرِ , وَوَاسَتْهُمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَدُورِهِمْ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ كَبُرَ عَلَيْهِمْ , وَهَمُّوا بِالْغَدْرِ حَتَّى أَجْمَعُوا لِذَلِكَ فِي دَارِ النَّدْوَةِ , فَأَجْمَعَ لِذَلِكَ الْمَكْرِ الَّذِي أَرَادُوهُ وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَتَاهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشٍ فِي زِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ , فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ , بَلَغَنِي مَا اجْتَمَعْتُمْ لَهُ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَ ذَلِكَ , وَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْدِمْكُمْ مِنِّي رَأْيٌ , فَتَكَلَّمَ عُتْبَةُ , فَقَالَ : أَرَى أَنْ تُخْرِجُوهَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَتَكْفِيكُمُوهُ الْأَحْيَاءُ , فَإِنْ ظَفِرَ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ كَفَتْكُمُوهُ الْأَحْيَاءُ وَلَمْ يَبْدُو شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ , فَقَالَ النَّجْدِيُّ : مَا هَذَا بِرَأْيٍ , أَمَا سَمِعْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ , وَأَخْذَهُ بِالْقُلُوبِ , فَمَا آمَنُ لَوْ وَقَعَ فِي حَيٍّ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَاسْتَقَادَ أَهْوَاءَهُمْ , أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ , قَالَ آخَرُ : أَرَى أَنْ يُوثَقَ , وَيُحْبَسَ حَتَّى يَجِيئَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ , قَالَ النَّجْدِيُّ : لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ , أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهُ حَامَةً وَأَهْلَ بَيْتٍ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ , فَيَقَعُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ , فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَوْهِينٌ لِأَمْرِكُمْ , وَتَفْرِيقٌ لِجَمَاعَتِكُمْ , قَالَ أَبُو جَهْلٍ : إِنِّي لَأَرَى رَأْيًا لَئِنْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ الرَّأْيُ , قَالُوا : وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْيَاءِ الْخَمْسَةِ أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ مِنْ كُلِّ حَيٍّ رَجُلٌ شَابٌّ , فَيُعْطَى كُلُّ رَجُلٍ سَيْفًا فَيَأْتُونَهُ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي يَبِيتُ فِيهِ , فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ , فَلَا يَقْدِرُ أَهْلُ بَيْتِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا هَؤُلَاءِ , فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ , وَيَكُونُ دِيَةً , فَقَالَ النَّجْدِيُّ : لِلَّهِ دَرَّهُ أَصَابَ الرَّأْيَ , ثُمَّ قَالَ النَّجْدِيُّ : وَهُوَ إِبْلِيسُ , لَعَنَهُ اللَّهُ : الرَّأْيُ رَأْيَانِ , رَأْيٌ لَيْسَ يَعْرِفُهُ هَادٍ وَرَأَيٌ كَصَدْرِ السَّيْفِ مَعْرُوفُ يَكُونُ أَوَّلُهُ يَسْرِي لِآخِرِهِ يَوْمًا , وَآخِرُهُ مَجْدٌ وَتَشْرِيفُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ , فَأَخْبَرَهُ , فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ , فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَصَابَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ دَارِ النَّدْوَةِ فَمَاشَى إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أَصْحَابِي فِي هَذَا الْوَادِي قَالَ : أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ , الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ دِينَهُ وَخَذَلَكَ , فَخَفِيَ عَلَيْهِ , هَذَا آخِرُ الْحَدِيثِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

    خصلة: الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
    التشريق: أيام التشريق : الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد الأضحى
    أنصابا: الأنصاب : جمع نُصُب وهو حجر كان ينصب ويذبح عليه فيحمر بالدم ويعبد
    الصهر: الصِّهر : القريب بالزواج
    جنة: الجنة : الصرع والجنون
    لا توجد بيانات
    لا يوجد رواة
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات