قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : " قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ أَبَا بَكْرٍ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ ، وَلَا اضْطِهَادٍ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ ، وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُونَ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ وَلَا اضْطِهَادٍ ، فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرَ الْمَوْتُ جَعَلَ الْأَمْرَ إِلَى شُورَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَلَمْ يَأْلُ النَّصِيحَةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَهَدَهُ ، وَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَلَا تَكُنْ إِسَاءَةٌ إِلَّا لَحِقَتْ عُمَرَ فِي قَبْرِهِ ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ وَلَا اضْطِهَادٍ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيَّانِ : قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُسْتَقِيمِينَ ، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَدَعْوَاهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ : فَقُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ : فَمَا الَّذِي نَقَمُوا عَلَى عُثْمَانَ ؟ قَالَ جَعْفَرٌ : قَالَ مَيْمُونٌ : إِنَّ أُنَاسًا أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَمْرًا هُمْ فِيهِ كَذَبَةٌ ، وَإِنَّهُمْ عَاتَبُوهُ فَكَانَ فِيمَا عَاتَبُوهُ أَنَّهُ وَلَّى رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَعَاتَبَهُمْ وَأَرْضَاهُمْ ، وَعَزَلَ مَنْ كَرِهُوا وَاسْتَعْمَلَ مَنْ أَرَادُوا ثُمَّ إِنَّ فُسَّاقًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَسُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ دَعَاهُمْ أَشْقَاهُمْ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ مُصْحَفٌ يَتْلُو فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وَمَعَهُمُ السِّلَاحُ فَقَتَلُوهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، وَإِنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا عَلَى قَتْلِهِ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ ، ثُمَّ فَصَلَ مِنْهُمْ صِنْفٌ آخَرُ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : شِيعَةُ عُثْمَانَ ، وَشِيعَةُ عَلِيٍّ ، وَالْمُرْجِئَةُ ، وَمَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ ، ثُمَّ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ بَعْدُ حَيْثُ حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : فَأَمَّا شِيعَةُ عُثْمَانَ فَأَهْلُ الشَّامِ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ . قَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشُّورَى ، وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ أُسْرَةِ عُثْمَانَ وَقَرَابَتِهِ وَلَا أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ يَعْنُونَ مُعَاوِيَةَ ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا بَرِئُوا مِنْ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ ، وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَهُمُ الشُّكَّاكُ الَّذِينَ شَكُّوا ، وَكَانُوا فِي الْمَغَازِي ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ، وَكَانَ عَهْدُهُمْ بِالنَّاسِ وَأَمْرُهُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهِمُ اخْتِلَافٌ فَقَالُوا : تَرَكْنَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيكُمُ اخْتِلَافٌ ، وَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُخْتَلِفُونَ ، فَبَعْضُكُمْ يَقُولُ : قُتِلَ عُثْمَانُ مَظْلُومًا ، وَكَانَ أَوْلَى بِالْعَدْلِ وَأَصْحَابُهُ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : كَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَأَصْحَابُهُ ، كُلُّهُمْ ثِقَةٌ وَعِنْدَنَا مُصَدَّقٌ ، فَنَحْنُ لَا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَلَا نَلْعَنُهُمَا ، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمَا وَنُرْجِئُ أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا مَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ فَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِِ قَالُوا جَمِيعًا : نَتَوَلَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَنَشْهَدُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى شِيعَتِهِمَا بِالْإِيمَانِ فَنَرْجُو لَهُمْ وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الصِّنْفُ الْخَامِسُ : فَهُوَ الْحَرُورِيَّةُ ، قَالُوا : نَشْهَدُ عَلَى الْمُرْجِئَةِ بِالصَّوَابِ ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ حَيْثُ قَالُوا : لَا نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَلَا عُثْمَانَ ، ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدُ حَيْثُ لَمْ يَتَبَرَّءُوا وَنَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْكُفْرِ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ ، وَقَدْ بَلَغُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ صِنْفًا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَمَذَلَّةٍ ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ دَعَوْا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ سَعْدٌ وَقَالَ : لَا ، إِلَّا أَنْ تُعْطُونِي سَيْفًا لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِالْكَافِرِ فَأَقْتُلُهُ ، وَبِالْمُؤْمِنِ فَأَكُفُّ عَنْهُ ، وَضَرَبَ لَهُمْ سَعْدٌ مَثَلًا فَقَالَ : مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ قَوْمٌ كَانُوا عَلَى مَحَجَّةٍ ، وَالْمَحَجَّةُ الْبَيْضَاءُ الْوَاضِحَةُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَسِيرُونَ هَاجَتْ رِيحٌ عَجَاجَةٌ ، فَضَلُّوا الطَّرِيقُ ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الْيَمِينِ فَأَخَذُوا فِيهِ ، فَتَاهُوا فَضَلُّوا ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَخَذُوا فِيهِ فَتَاهُوا فَضَلُّوا وَقَالَ الْآخَرُونَ كُنَّا عَلَى الطَّرِيقِ حَيْثُ هَاجَتِ الرِّيحُ فَنِيخَ فَأَنَاخُوا وَأَصْبَحُوا وَذَهَبَتِ الرِّيحُ وَتَبَيَّنَ الطَّرِيقُ ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ ، قَالُوا : نَلْزَمُ مَا فَارَقْنَا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَلْقَاهُ ، وَلَا نَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِتَنِ حَتَّى نَلْقَاهُ ، فَصَارَتِ الْجَمَاعَةُ وَالْفِئَةُ الَّتِي تُدْعَى فِئَةَ الْإِسْلَامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْفِتَنَ حَتَّى أَذْهَبَ اللَّهُ الْفُرْقَةَ ، وَجَمَعَ الْأُلْفَةَ ، فَدَخَلُوا الْجَمَاعَةَ ، وَلَزِمُوا الطَّاعَةَ ، وَانْقَادُوا لَهَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ نَجَا ، وَمَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَشَكَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْمَهَالِكِ "
نا ابْنُ الْعَوَّامِ ، نا أَبِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ ، نا كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ الْفِلَسْطِينِيُّ قَالَ : سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ بُرْقَانَ عَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَطَلْحَةَ ، وَالزُّبَيْرِ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَعَنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ : قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَبَايَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلُّهُمْ أَبَا بَكْرٍ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ ، وَلَا اضْطِهَادٍ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ ، وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْمَعُونَ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ وَلَا اضْطِهَادٍ ، فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرَ الْمَوْتُ جَعَلَ الْأَمْرَ إِلَى شُورَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَلَمْ يَأْلُ النَّصِيحَةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَهَدَهُ ، وَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يُوَلِّيَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَلَا تَكُنْ إِسَاءَةٌ إِلَّا لَحِقَتْ عُمَرَ فِي قَبْرِهِ ، فَاخْتَارَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَبَايَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَجْمَعُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَرَضُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ وَلَا اضْطِهَادٍ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيَّانِ : قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُسْتَقِيمِينَ ، كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَدَعْوَاهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ : فَقُلْتُ لِجَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ : فَمَا الَّذِي نَقَمُوا عَلَى عُثْمَانَ ؟ قَالَ جَعْفَرٌ : قَالَ مَيْمُونٌ : إِنَّ أُنَاسًا أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ جَاءُوا بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَمْرًا هُمْ فِيهِ كَذَبَةٌ ، وَإِنَّهُمْ عَاتَبُوهُ فَكَانَ فِيمَا عَاتَبُوهُ أَنَّهُ وَلَّى رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَعَاتَبَهُمْ وَأَرْضَاهُمْ ، وَعَزَلَ مَنْ كَرِهُوا وَاسْتَعْمَلَ مَنْ أَرَادُوا ثُمَّ إِنَّ فُسَّاقًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَسُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ دَعَاهُمْ أَشْقَاهُمْ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ مُصْحَفٌ يَتْلُو فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ ، وَمَعَهُمُ السِّلَاحُ فَقَتَلُوهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، وَإِنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا عَلَى قَتْلِهِ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ ، ثُمَّ فَصَلَ مِنْهُمْ صِنْفٌ آخَرُ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : شِيعَةُ عُثْمَانَ ، وَشِيعَةُ عَلِيٍّ ، وَالْمُرْجِئَةُ ، وَمَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ ، ثُمَّ خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ بَعْدُ حَيْثُ حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ ، فَصَارُوا خَمْسَةَ أَصْنَافٍ : فَأَمَّا شِيعَةُ عُثْمَانَ فَأَهْلُ الشَّامِ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ . قَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشُّورَى ، وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ : لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ مِنْ أُسْرَةِ عُثْمَانَ وَقَرَابَتِهِ وَلَا أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ يَعْنُونَ مُعَاوِيَةَ ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا بَرِئُوا مِنْ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ ، وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ فَهُمُ الشُّكَّاكُ الَّذِينَ شَكُّوا ، وَكَانُوا فِي الْمَغَازِي ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ، وَكَانَ عَهْدُهُمْ بِالنَّاسِ وَأَمْرُهُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهِمُ اخْتِلَافٌ فَقَالُوا : تَرَكْنَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ وَاحِدٌ لَيْسَ فِيكُمُ اخْتِلَافٌ ، وَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مُخْتَلِفُونَ ، فَبَعْضُكُمْ يَقُولُ : قُتِلَ عُثْمَانُ مَظْلُومًا ، وَكَانَ أَوْلَى بِالْعَدْلِ وَأَصْحَابُهُ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : كَانَ عَلِيٌّ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَأَصْحَابُهُ ، كُلُّهُمْ ثِقَةٌ وَعِنْدَنَا مُصَدَّقٌ ، فَنَحْنُ لَا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَلَا نَلْعَنُهُمَا ، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمَا وَنُرْجِئُ أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا ، وَأَمَّا مَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ فَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِِ قَالُوا جَمِيعًا : نَتَوَلَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا ، وَنَشْهَدُ عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى شِيعَتِهِمَا بِالْإِيمَانِ فَنَرْجُو لَهُمْ وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الصِّنْفُ الْخَامِسُ : فَهُوَ الْحَرُورِيَّةُ ، قَالُوا : نَشْهَدُ عَلَى الْمُرْجِئَةِ بِالصَّوَابِ ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ حَيْثُ قَالُوا : لَا نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَلَا عُثْمَانَ ، ثُمَّ كَفَرُوا بَعْدُ حَيْثُ لَمْ يَتَبَرَّءُوا وَنَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْكُفْرِ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ : وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ ، وَقَدْ بَلَغُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ صِنْفًا ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ وَمَذَلَّةٍ ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ دَعَوْا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ سَعْدٌ وَقَالَ : لَا ، إِلَّا أَنْ تُعْطُونِي سَيْفًا لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِالْكَافِرِ فَأَقْتُلُهُ ، وَبِالْمُؤْمِنِ فَأَكُفُّ عَنْهُ ، وَضَرَبَ لَهُمْ سَعْدٌ مَثَلًا فَقَالَ : مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ قَوْمٌ كَانُوا عَلَى مَحَجَّةٍ ، وَالْمَحَجَّةُ الْبَيْضَاءُ الْوَاضِحَةُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَسِيرُونَ هَاجَتْ رِيحٌ عَجَاجَةٌ ، فَضَلُّوا الطَّرِيقُ ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الْيَمِينِ فَأَخَذُوا فِيهِ ، فَتَاهُوا فَضَلُّوا ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : الطَّرِيقُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَخَذُوا فِيهِ فَتَاهُوا فَضَلُّوا وَقَالَ الْآخَرُونَ كُنَّا عَلَى الطَّرِيقِ حَيْثُ هَاجَتِ الرِّيحُ فَنِيخَ فَأَنَاخُوا وَأَصْبَحُوا وَذَهَبَتِ الرِّيحُ وَتَبَيَّنَ الطَّرِيقُ ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ ، قَالُوا : نَلْزَمُ مَا فَارَقْنَا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى نَلْقَاهُ ، وَلَا نَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِتَنِ حَتَّى نَلْقَاهُ ، فَصَارَتِ الْجَمَاعَةُ وَالْفِئَةُ الَّتِي تُدْعَى فِئَةَ الْإِسْلَامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْفِتَنَ حَتَّى أَذْهَبَ اللَّهُ الْفُرْقَةَ ، وَجَمَعَ الْأُلْفَةَ ، فَدَخَلُوا الْجَمَاعَةَ ، وَلَزِمُوا الطَّاعَةَ ، وَانْقَادُوا لَهَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ نَجَا ، وَمَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَشَكَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْمَهَالِكِ