عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ "
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَمَاعَةَ بِالْكُوفَةِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مُوسَىَ بْنَ طَلْحَةَ ، يَذْكُرُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَصَارَ الْمَعْنَى وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ : مَا سَهُلَ عَلَيْكُمْ وَنَظِيرُهُ {{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ }} أَيْ خُذْ مَا سَهُلَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَلَا تَتَقَصَّ عَلَيْهِمْ فَهَذَا الْعَفْوُ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَذَاكَ الْعَفْوُ مِمَّا يُنْفِقُونَ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ تَلَا {{ خُذِ الْعَفْوَ }} قَالَ : مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَايْمِ اللَّهِ لَأَسْتَعْمِلَنَّ ذَاكَ فِيهِمْ وَقَالَ أَخُوهُ عُرْوَةُ وَتَلَا {{ خُذِ الْعَفْوَ }} قَالَ : خُذْ مَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، وَقَوْلِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي عَدَدِ الْمَدَنِيِّ الْأَوَّلِ {{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }} فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا }} الْآيَةَ وَرَوَوْا هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَوَعِيدٌ وَنَهْيٌ عَنِ الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي فَمُحَالٌ نَسْخُهُ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَأْوِيلُهُ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نُسْخَةِ تِلْكَ الْآيَةِ فَهَذَا جَوَابٌ وَاضِحُّ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَمَّا نَزَلَتْ {{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا }} اشْتَدَّتْ عَلَى النَّاسِ وَامْتَنَعُوا مِنْ مُخَالَطَةِ الْيَتَامَى حَتَّى نَزَلَتْ {{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى }} الْآيَةَ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ بِقُلُوْبِهِمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالِطُوا الْيَتَامَى فِي شَيْءٍ لِئَلَّا يُحْرَجُوا بِذَلِكَ ، فَنَسَخَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مَا وَقَعَ بِقُلُوْبِهِمْ مِنْهُ أَيْ أَزَالَهُ بِأَنْ أَبَاحَ لَهُمْ مُخَالَطَةَ الْيَتَامَى وَبَيَّنَ مُجَاهِدٌ مَا هَذِهِ الْمُخَالَطَةُ ، فَقَالَ : فِي الرَّاعْيِ وَالْإِدَامِ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ تَمْرٌ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ وَلِوَلِيِّهِ مِثْلُهُ فَيَخْلِطَهُ مَعَهُ فَيَأْكُلَا جَمِيعًا فَتَوَقَّفُوا عَنْ هَذَا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ الْيَتِيمُ فَأَبَاحَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْإِصْلَاحِ وَلَمْ يُقْصَدْ فِيهِ الْإِفْسَادُ وَدَلَّ عَلَى هَذَا {{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ }} قَالَ مُجَاهِدٌ : {{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ }} أَيْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذَا الظَّاهِرُ فِي اللُّغَةِ أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَطَةُ فِي الطَّعَامِ لَا فِي الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ مُشَارَكَةَ الْيَتِيمِ إِنْ وَقَعَ فِيهَا اسْتِبْدَادٌ بِشَيْءٍ فَهِيَ خِيَانَةٌ وَإِنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ قَدْ يُقَالُ لَهَا مُخَالَطَةٌ فَلَيْسَ بِاسْمِهَا الْمَعْرُوفِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا نَاسِخٌ فِي هَذَا وَلَا مَنْسُوخٌ إِلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ : وَمَا أَعْرِفُ آيَةً فِي الْوَعِيدِ هِيَ أَشَدُّ وَلَا أَوْكَدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }} وَالَّذِينَ فِي اللُّغَةِ عَامٌ فَأَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّارَ عَلَى الْعُمُومِ لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ هَذَا وَالْآيَةُ الَّتِي هِيَ تَتِمَّةُ الْعِشْرِينَ قَدْ أَدْخَلَهَا الْعُلَمَاءُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ