عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ : " ضَلَّتْ نَاقَةٌ لِفَتًى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَخَرَجَ بَنِي شَيْبَانَ يَنْشُدُهَا فَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ بَصُرَ بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ حُسْنًا وَجَمَالًا فَعَشِقَهَا عِشْقًا مُبَرِّحًا ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ أَذْهَبَتْ عَقْلُهُ ، فَمَا تَمَالَكَ أَنْ رَجَعَ إِلَى حَيِّهِمْ ، فَلَمَّا هَدَأَ اللَّيْلُ قَالَ : لَعَلِّي أُسْكِنُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا بَعْضَ مَا بِي . فَأَتَاهَا وَهِيَ جَالِسَةٌ وَإِخْوَتُهَا نِيَامٌ حَوْلَهَا ، فَقَالَ لَهَا : يَا قُرَّةَ عَيْنِي ، قَدْ وَاللَّهِ أَذْهَبَ الشَّوْقُ عَقْلِي وَكَدَّرَ عَلَيَّ عَيْشِي . فَقَالَتْ : امْضِ إِلَى مَالِكَ ، وَإِلَّا أَنْبَهْتُ إِخْوَتِي فَقَتَلُوكَ . فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الْقَتْلَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي أَنَا فِيهِ . قَالَتْ : وَهَلْ يَكُونُ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، مَا أَنَا فِيهِ مِنْ حُبِّكِ . قَالَتْ لَهُ : فَمَا تَشَاءُ ؟ قَالَ : أَمْكِنِينِي مِنْ يَدَيْكِ حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى قَلْبِي ، وَلَكِ عَهْدُ اللَّهِ أَنِّي أَرْجِعُ . فَفَعَلَتْ . فَرَجَعَ ، فَلَمَّا كَانَتْ لِلْقَابِلَةِ عَاوَدَ فَوَجَدَهَا عَلَى مِثْلِ حَالِهَا ، فَقَالَتْ لَهُ كَقَوْلِهَا الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : أَمْكِنِينِي مِنْ شَفَتَيْكِ حَتَّى أَرْشِفَهَا وَأَنْصَرِفَ . فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنْهُ كَهَيْئَةِ النَّارِ ، فَأَقْبَلَتْ تَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَنَدَرَ بِهِ حَيُّهَا وَإِخْوَتُهَا ، فَقَالُوا : مَا لِهَذَا الْكَلْبِ قَدْ أَطَالَ الْمُكْثَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ يَتَخَطَّانَا ؟ فَقَعَدُوا لِطَلَبِهِ فِي لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ . وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَكَ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ ، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ . فَجَاءَتِ السَّمَاءُ بِمَطَرٍ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِهِ ، ثُمَّ انْجَلَتِ السَّحَابُ وَطَلَعَ الْقَمَرُ فَتَطَيَّبَتِ الْجَارِيَةُ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا ، وَأُعْجِبَتْ بِنَفْسِهَا ، وَاشْتَهَتْ أَنْ يَرَاهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَقَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا قَدْ كَانَتْ أَطْلَعَتْهَا عَلَى شَأْنِهَا : يَا فُلَانَةُ ، أَسْعِدِينِي عَلَى الْمُضِيِّ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَتَا يُرِيدَانِهِ وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ خَائِفٌ مِنَ الطَّلَبِ لَمَّا حَذَّرَتْهُ . فَبَصُرَ شَخْصَيْنِ يَسِيرَانِ فِي الْقَمَرِ ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُمَا مِنَ الْمُطَالِبِينَ ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا فَمَا أَخْطَأَ قَلْبَ صَاحَبْتِهِ ، فَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا مُضَرَّجَةً بِدَمِهَا ، فَلَمْ تَزَلْ تَضْطَرِبُ حَتَّى مَاتَتْ ، فَبُهِتَ شَاخِصًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : {
} نَعَبَ الْغُرَابُ بِمَا كَرِهْـ {
}ـتُ وَلَا إِزَالَةٌ لِلْقَدَرْ {
}{
} تَبْكِي وَأَنْتَ قَتَلْتَـــهَا {
}فَاصْبِرْ وَإِلَّا فَانْتَحِرْ {
}ثُمَّ جَمَعَ نَبْلَهُ فَجَعَلَ يُجَابِهَا أَوْدَاجَهُ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ "
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ : ضَلَّتْ نَاقَةٌ لِفَتًى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَخَرَجَ بَنِي شَيْبَانَ يَنْشُدُهَا فَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ بَصُرَ بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ حُسْنًا وَجَمَالًا فَعَشِقَهَا عِشْقًا مُبَرِّحًا ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ أَذْهَبَتْ عَقْلُهُ ، فَمَا تَمَالَكَ أَنْ رَجَعَ إِلَى حَيِّهِمْ ، فَلَمَّا هَدَأَ اللَّيْلُ قَالَ : لَعَلِّي أُسْكِنُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا بَعْضَ مَا بِي . فَأَتَاهَا وَهِيَ جَالِسَةٌ وَإِخْوَتُهَا نِيَامٌ حَوْلَهَا ، فَقَالَ لَهَا : يَا قُرَّةَ عَيْنِي ، قَدْ وَاللَّهِ أَذْهَبَ الشَّوْقُ عَقْلِي وَكَدَّرَ عَلَيَّ عَيْشِي . فَقَالَتْ : امْضِ إِلَى مَالِكَ ، وَإِلَّا أَنْبَهْتُ إِخْوَتِي فَقَتَلُوكَ . فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الْقَتْلَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي أَنَا فِيهِ . قَالَتْ : وَهَلْ يَكُونُ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، مَا أَنَا فِيهِ مِنْ حُبِّكِ . قَالَتْ لَهُ : فَمَا تَشَاءُ ؟ قَالَ : أَمْكِنِينِي مِنْ يَدَيْكِ حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى قَلْبِي ، وَلَكِ عَهْدُ اللَّهِ أَنِّي أَرْجِعُ . فَفَعَلَتْ . فَرَجَعَ ، فَلَمَّا كَانَتْ لِلْقَابِلَةِ عَاوَدَ فَوَجَدَهَا عَلَى مِثْلِ حَالِهَا ، فَقَالَتْ لَهُ كَقَوْلِهَا الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : أَمْكِنِينِي مِنْ شَفَتَيْكِ حَتَّى أَرْشِفَهَا وَأَنْصَرِفَ . فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنْهُ كَهَيْئَةِ النَّارِ ، فَأَقْبَلَتْ تَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَنَدَرَ بِهِ حَيُّهَا وَإِخْوَتُهَا ، فَقَالُوا : مَا لِهَذَا الْكَلْبِ قَدْ أَطَالَ الْمُكْثَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ يَتَخَطَّانَا ؟ فَقَعَدُوا لِطَلَبِهِ فِي لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ . وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَكَ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ ، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ . فَجَاءَتِ السَّمَاءُ بِمَطَرٍ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِهِ ، ثُمَّ انْجَلَتِ السَّحَابُ وَطَلَعَ الْقَمَرُ فَتَطَيَّبَتِ الْجَارِيَةُ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا ، وَأُعْجِبَتْ بِنَفْسِهَا ، وَاشْتَهَتْ أَنْ يَرَاهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَقَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا قَدْ كَانَتْ أَطْلَعَتْهَا عَلَى شَأْنِهَا : يَا فُلَانَةُ ، أَسْعِدِينِي عَلَى الْمُضِيِّ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَتَا يُرِيدَانِهِ وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ خَائِفٌ مِنَ الطَّلَبِ لَمَّا حَذَّرَتْهُ . فَبَصُرَ شَخْصَيْنِ يَسِيرَانِ فِي الْقَمَرِ ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُمَا مِنَ الْمُطَالِبِينَ ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا فَمَا أَخْطَأَ قَلْبَ صَاحَبْتِهِ ، فَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا مُضَرَّجَةً بِدَمِهَا ، فَلَمْ تَزَلْ تَضْطَرِبُ حَتَّى مَاتَتْ ، فَبُهِتَ شَاخِصًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : نَعَبَ الْغُرَابُ بِمَا كَرِهْـ ـتُ وَلَا إِزَالَةٌ لِلْقَدَرْ تَبْكِي وَأَنْتَ قَتَلْتَـــهَا فَاصْبِرْ وَإِلَّا فَانْتَحِرْ ثُمَّ جَمَعَ نَبْلَهُ فَجَعَلَ يُجَابِهَا أَوْدَاجَهُ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ