عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : " أَمَّا بَعْدُ "
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : أَمَّا بَعْدُ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَا قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهَا : أَمَّا بَعْدُ ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فَقَالَ قَائِلٌ : مَا الْمُرَادُ بِأَمَّا بَعْدُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ ، وَمِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَلَامِ ، ابْتِدَاءً مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا شَيْءٌ يَكُونُ بَعْدًا لَهُ ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ فِي كَلَامِهَا الْإِيجَازَ ، وَالْإِشَارَاتِ إِلَى الْمَعَانِي الَّتِي يُرِيدُونَهَا بِالْكَلَامِ الَّذِي يُحَاوِلُونَ الْكَلَامَ بِهِ ، لِعِلْمِهِمْ بِعِلْمِ مَنْ يُخَاطِبُونَهُ بِمَا يُخَاطِبُونَهُ بِهِ ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ : أَمَّا بَعْدُ ، مِمَّا يَبْتَدِئُونَ بِهِ كَلَامَهُمْ ، يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنًى مَحْذُوفًا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ مِنْ أَجْلِهِ ، فَعَادَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنِ ابْتَدَءُوا مَا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَبِتَسْمِيَتِهِ ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتِ الْكُتُبُ بَعْدَهُمْ ، فَكَانَ مَعْنَى : ( أَمَّا بَعْدُ ) ؛ أَيْ : أَمَّا بَعْدُ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ ، وَالتَّحْمِيدِ ، فَإِنَّ كَذَا ، وَكَذَا ، ثُمَّ يَذْكُرُونَ الَّذِي يُرِيدُونَهُ مَعَ حَذْفِهِمْ ذِكْرَ مَا أَرَادُوهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ رَفْعُهُمْ ( بَعْدُ ) ، إِذْ كَانَ الْمُضَافُ ، وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ ، وَكَانُوا لَوْ جَاءُوا بِهِ بِتَمَامِهِ لَقَالُوا : ( أَمَّا بَعْدَ كِتَابِنَا هَذَا ) ، فَيَأْتُونَ بِبَعْدُ مَنْصُوبَةً ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : فَقَدْ كَانَ كَذَا ، وَكَذَا ، فَلَمَّا حَذَفُوا ذَلِكَ ، رَفَعُوا ( بَعْدُ ) ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهُ اللُّغَوِيُّونَ غَايَةً ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْ بَعْدُ }} ؛ أَيْ : مِنْ قَبْلِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمِنْ بَعْدِ كُلِّ شَيْءٍ ، لِمَا هُوَ مُضَافٌ إِلَى : ( بَعْدُ ) فَلَمَّا حَذَفَ ذِكَرَهُ ، رَفَعَ ( قَبْلُ ) وَ ( بَعْدُ ) عَلَى الْغَايَةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَالُوا : أُعْطِيكَ دِرْهَمًا لَا غَيْرُ ، فَيَرْفَعُونَ ( غَيْرُ ) ، وَلَوْ جَاءُوا بِتَمَامِ الْكَلَامِ لَنَصَبُوا ( غَيْرَ ) ، فَقَالُوا : أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا ، لَا غَيْرَهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ