قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ "
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ ، أَوْ يَتَتَارَكَانِ قَالَ : فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي وَجَدْنَاهُ مَوْصُولًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَذْكُرُ أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي قَلْبِهِ لِقَاءُ أَبِي عُمَيْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا مِمَّنْ كَانَ الْحَجَّاجُ قَتَلَهُ ، وَذَلِكَ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التِّسْعِينَ إِلَى مِائَةٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ أَبَا عُمَيْسٍ كَبِيرُ السِّنِّ ؛ وَلِأَنَّهُ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَشْعَثِ ، وَأَبُو عُمَيْسٍ ، فَقَدْ رَوَى عَنْ أَمْثَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَمِنَ الشَّعْبِيِّ ، وَمِنَ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا ذَكَرْتُ هَذَا الْبَابَ قَبْلَ هَذَا لِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ ، وَقُلْتُ لَهُ : عِنْدَكَ شَيْءٌ مُتَّصِلٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ لِي : أَمَّا أَنْ أَجِدَهُ مَنْصُوصًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَا ، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ قَدْ قَامَتْ بِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُتَبَايِعَانِ لَمَّا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَدِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْعًا بِثَمَنٍ غَيْرِ الْبَيْعِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ ، فَكَانَا بِذَلِكَ مُتَدَاعِيَيْنِ بَيْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَقَدْ عَقَلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَتَحَالَفَانِ ، وَتَنْتَفِي دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بِحَالِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ قَامَتْ لَهُ عَلَى الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِيهِ ، وَبِغَيْرِ حُجَّةٍ قَامَتْ لِمُدَّعِي الْبَيْعِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فِيهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ هَذَيْنِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ قَدْ أَجْمَعَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْمُبْتَاعَ لِلْعَبْدِ قَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعُودَا إِلَى حُكْمِ رَجُلَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَالًا ، فَصَدَّقَهُ فِي بَعْضِهِ ، وَأَنْكَرَ بَقِيَّتَهُ ، فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ ، وَيَحْلِفُ لَهُ أَنَّ طَلَبَ يَمِينِهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ سَالِمًا لِلْمَطْلُوبِ لِاتِّفَاقِهِ وَبَائِعِهِ عَلَى مِلْكِهِ . فَكَانَ جَوَابِي لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ ، كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنَيْنِ اخْتِلَافٌ فِي الَعْقَدَيْنِ ، وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْتُ الرَّجُلَ إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِالْأَلْفِ وَالْخَمْسِ مِائَةٍ الَّتِي ادَّعَاهَا أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالَّذِي اتَّفَقَ شَاهِدَاهُ عَلَيْهِ ، وَرَأَيْتُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْبَيْعِ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ لَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا ادَّعَى ، وَشَهِدَ لَهُ الْآخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بِأَلْفٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ ، فَعَقَلْتُ بِذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا يُوجِبُ دَعْوَى بَيْعَيْنِ مِنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ يُوجِبُ دَعْوَى بَيْعَيْنِ مِنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَا إِضَافَةَ لَهُ إِلَى ثَمَنِ بَيْعٍ يُوجِبُ مَالًا وَاحِدًا مُخْتَلِفًا فِي مِقْدَارِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْبَيِّعَانِ مُخْتَلِفَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ مُتَدَاعِيَاهُمَا ، وَجَبَ فَسْخُ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَوَجَبَ سَلَامَةُ الْعَبْدِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ ، إِذْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِمَا ادُّعِيَ عَلَيْهِ فِيهِ ، فَغَنَيْتُ بِهَذَا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي حُكْمِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الثَّمَنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِيهِ . قَالَ : وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ جَمِيعًا يَذْهَبَانِ إِلَى مَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ الَّذِي حَاجَجْتُهُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْتُهُ مِمَّا قَدِ احْتَجَجْتُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِيهِ ، وَلِمَا قَدْ ذَكَرْتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ كَانَا يَقُولَانِ : إِذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ ، تَحَالَفَا وَتَرَادَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَهُوَ فَائِتٌ ، كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لِأَنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي ، وَلَكِنَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ مَا ذَكَرْتُ ، قُلْتُ بِهِ وَرَدَدْتُ الْجَوَّابَ بَعْدَهُ إِلَى مَا يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ . قَالَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ : وَلَكِنِّي أَقُولُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا شَيْءٌ ، لَكَانَ الْقِيَاسُ يُوجِبُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَيِّ وَفِي الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ رَدُّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا ، وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ إِذَا كَانَ فَائِتًا . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ حَسَنٌ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ