عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : " إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ " . قِيلَ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " إذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ ، وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ ، وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ ، وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى النَّسَائِيُّ أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ ، عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ أَبُو مَعْبَدٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ . قِيلَ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : إذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ ، وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ ، وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ ، وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَبَدَأْنَا مِنْهُ بِطَلَبِ مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِينَا مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ ؟ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مِنْ صَاحِبِهِ الْخَطِيئَةَ فَيَنْهَاهُ تَعْذِيرًا ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَوَاكَلَهُ وَشَارَبَهُ ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ بِالْأَمْسِ ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى لِسَانِ السَّفِيهِ ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى قُلُوبِ بَعْضٍ ، وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ أَهْلُهُ مَلْعُونِينَ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، الَّذِي يَكُونُ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِمْ بِمَعْرُوفٍ وَلَا لِنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرٍ ، ثُمَّ ثَنَّيْنَا بِالْإِدْهَانِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْإِدْهَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : التَّلَيُّنُ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي التَّلَيُّنُ لَهُ ، كَذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ . قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }} أَيْ : تَلِينُ لَهُمْ فَيَلِينُونَ لَكَ . فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ إِدْهَانِ الْأَشْرَارِ الْخِيَارَ هُوَ التَّلَيُّنُ لَهُمْ ; لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى . ثُمَّ ثَلَّثْنَا بِطَلَبِ مُرَادِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِتَحْوِيلِ الْمُلْكِ فِي الصِّغَارِ مَا هُوَ ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، الْمُلْكَ الَّذِي إلَى أَهْلِهِ أُمُورُ الْإِسْلَامِ ، مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ ، وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إلَى الْأَئِمَّةِ ، وَالَّتِي تَرْجِعُ الْعَامَّةُ فِيهَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُهُمْ فِيهَا ، فَيَكُونُونَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مُقْتَدِينَ ، وَلِآثَارِهِمْ فِيهِ مُتَّبِعِينَ , وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا الْقِيَامُ بِهِ مِنَ الْكِبَارِ مَوْجُودٌ , وَمِنَ الصِّغَارِ مَعْدُومٌ . ثُمَّ رَبَّعْنَا بِطَلَبِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ فَكَانَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ الْفِقْهَ الَّذِي أَرَادَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ .