عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي أَخِي أُنَيْسٌ : " إنِّي مُنْطَلِقٌ إلَى مَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ ، فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ : مَا حَبَسَكَ ؟ فَقَالَ : لَقِيتُ بِمَكَّةَ رَجُلًا عَلَى دِينِكَ ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُ ، قُلْتُ : فَمَا يَقُولُ فِيهِ النَّاسُ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : شَاعِرٌ ، وَيَقُولُونَ : كَاهِنٌ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ . قَالَ أَبُو ذَرٍّ : يَا ابْنَ أَخِي ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ ، فَوَاللَّهِ إنَّهُ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ . وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي أَخِي أُنَيْسٌ : إنِّي مُنْطَلِقٌ إلَى مَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ ، فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ ، فَقُلْتُ : مَا حَبَسَكَ ؟ فَقَالَ : لَقِيتُ بِمَكَّةَ رَجُلًا عَلَى دِينِكَ ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَهُ ، قُلْتُ : فَمَا يَقُولُ فِيهِ النَّاسُ ؟ قَالَ : يَقُولُونَ : شَاعِرٌ ، وَيَقُولُونَ : كَاهِنٌ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ . قَالَ أَبُو ذَرٍّ : يَا ابْنَ أَخِي ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ ، فَوَاللَّهِ إنَّهُ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَكَانَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا قَدْ حُكِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كَلَامُهُ بِهِ هُوَ مِنَ الْحِكَمِ الَّتِي فِي الشِّعْرِ ، فَتَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ , وَاللَّهُ يُجْرِي الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ ، لَا أَنَّهُ شِعْرٌ أَرَادَهُ مِمَّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْهُ إلَّا بِمَا فِيهِ حَاجَتُهُ مِنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ، لَا بِمَا سِوَاهُ ، وَقَدْ يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ بِالْكَلَامِ الْمَوْزُونِ مِمَّا لَوْ شَاءَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ شِعْرًا فَعَلَ ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ ، وَلَا قَائِلُهُ شَاعِرٌ ، وَنَحْنُ نَجِدُ فِي طِبَاعِ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ بِعَمَلِ الْأَلْسُنِ ، كَالْفِقْهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ، فَيَحْكِي مِنْهُ شَيْئًا كَمَا يَحْكِيهِ الْفُقَهَاءُ ، فَلَا يَكُونُ بِحِكَايَتِهِ إيَّاهُ فَقِيهًا ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَحْكِي بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ ، أَوْ مَا دُونَ الْبَيْتِ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ ، لَا يَكُونُ بِهِ شَاعِرًا . وَلَقَدْ زَعَمَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ ، وَمَوْضِعُهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ مَوْضِعُهُ ، لَا سِيَّمَا مِنَ الشِّعْرِ ، وَمِنْ وَزْنِهِ ، وَمِنْ تَقْطِيعِهِ ، وَمِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِهِ : أَنَّ الْأَرَاجِيزَ لَيْسَتْ بِشِعْرٍ , وَأَنَّهَا كَلَامٌ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ النَّاسُ عَلَى وَزْنِ الشِّعْرِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّعُ وَلَيْسَ بِشِعْرٍ . وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَضَحَ بِهِ جَهْلُ هَذَا الْجَاهِلِ ، وَنَفْيُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا لَيْسَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ يُخَالِفُ لِمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا ، وَلِأَنَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا إنَّمَا كَانَ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي فِيهَا ، أَوْ بِشَيْءٍ عَلِقَ بِلِسَانِهِ مِنَ الشِّعْرِ فَنَطَقَ بِهِ ، لَمْ يَكُنْ بِهِ شَاعِرًا , وَلَا دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .