عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : : " كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ ، عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ : زَاجِرٍ ، وَآمِرٍ ، وَحَلَالٍ ، وَحَرَامٍ ، وَمُحْكَمٍ ، وَمُتَشَابِهٍ ، وَأَمْثَالٍ ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ , وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ , وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ ، وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ , وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ , وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ , وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ , وَقُولُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا "
مَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : : كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ نَزَلَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ ، عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ : زَاجِرٍ ، وَآمِرٍ ، وَحَلَالٍ ، وَحَرَامٍ ، وَمُحْكَمٍ ، وَمُتَشَابِهٍ ، وَأَمْثَالٍ ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ , وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ , وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ ، وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ , وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ , وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ , وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ , وَقُولُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا . حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَاخْتَلَفَ حَيْوَةُ وَاللَّيْثُ عَلَى عُقَيْلٍ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَرَوَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي رِوَايَتِهِ إيَّاهُ عَنْهُ . قَالَ : وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ لِانْقِطَاعِهِ فِي إسْنَادِهِ ; وَلِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَا يَتَهَيَّأُ فِي سِنِّهِ لِقَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ؛ وَلَا أَخْذُهُ إيَّاهُ عَنْهُ , وَذَهَبَ آخَرُونَ فِيمَا ذَكَرَ لَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ إلَى أَنَّ مَعْنَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ سَبْعُ لُغَاتٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ شَيْءٍ بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ , وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ بِمَا لَيْسَ مِنْ لُغَاتِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ عُرِّبَ فَدَخَلَ فِي لُغَتِهِمْ ، مِثْلُ {{ طُورِ سِينِينَ }} ، فَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى تِلْكَ الْأَحْرُفِ كُلِّهَا ، بَعْضُهُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ ، وَبَعْضُهُ عَلَى الْحَرْفِ الْآخَرِ ، فَقِيلَ : أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ، أَيْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ عَلَى تِلْكَ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا نَحْنُ هَذَا الْبَابَ لِنَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ : {{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }} . فَأَعْلَمَنَا اللَّهُ أَنَّ الرُّسُلَ إنَّمَا تُبْعَثُ بِأَلْسُنِ قَوْمِهَا ، لَا بِأَلْسُنِ سِوَاهَا ، وَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ اللِّسَانَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هُوَ لِسَانُ قَوْمِهِ وَهُمْ قُرَيْشٌ ، لَا مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَلْسُنِ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا , وَكَانَ قَوْمُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمُرَادُونَ بِذَلِكَ هُمْ قُرَيْشٌ لَا مَنْ سِوَاهُمْ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : {{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ }} . يَعْنِي قُرَيْشًا لَا سِوَاهَا . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ }} يَعْنِي مَنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ لَا مَنْ سِوَاهَا ، وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ : {{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }} . فَدَعَا قُرَيْشًا بَطْنًا بَطْنًا حَتَّى تَنَاهَى إلَى آخِرِهَا , وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا إلَى مَنْ سِوَاهَا , وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَلَدُوهُ كَمَا وَلَدَتْهُ قُرَيْشٌ ، فَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلِسَانِهِمْ هُمْ قُرَيْشٌ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، وَكَانَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْرَأُ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ بِاللِّسَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ اللِّسَانِ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْأَلْسُنِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي تُخَالِفُ ذَلِكَ اللِّسَانَ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنَ الْعَرَبِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي دِينِهِ كَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، وَكَمَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ صَحِبَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ ، وَكَانَ أَهْلُ لِسَانِهِ أُمِّيِّينَ لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ كِتَابًا ضَعِيفًا , وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حِفْظُ مَا يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ بِحُرُوفِهِ الَّتِي يَقْرَؤُهُ بِهَا عَلَيْهِمْ ، وَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ كِتَابُ ذَلِكَ وَتَحَفُّظُهُمْ إيَّاهُ ; لِمَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ . وَإِذَا كَانَ أَهْلُ لِسَانِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا كَانَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ لِسَانِهِ مِنْ بَعْدِ أَخْذِ ذَلِكَ عَنْهُ بِحُرُوفِهِ أَوْكَدَ , وَكَانَ عُذْرُهُمْ فِي ذَلِكَ أَبْسَطَ ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ لَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ لَهُ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ وَالْمَشَقَّةِ الْغَلِيظَةِ ، وَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إلَى حِفْظِ مَا قَدْ تَلَاهُ عَلَيْهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ ; لِيَقْرَءُوهُ فِي صَلَاتِهِمْ ، وَلِيَعْلَمُوا بِهِ شَرَائِعَ دِينِهِمْ ، فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتْلُوهُ بِمَعَانِيهِ , وَإِنْ خَالَفَتْ أَلْفَاظُهُمُ الَّتِي يَتْلُونَهُ بِهَا أَلْفَاظَ نَبِيِّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّتِي قَرَأَهُ بِهَا عَلَيْهِمْ ، فَوَسَّعَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَهُمَا قُرَشِيَّانِ ، لِسَانُهُمَا لِسَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ ، قَدْ كَانَا اخْتَلَفَا فِيمَا قَرَأَ بِهِ سُورَةَ الْفُرْقَانِ حَتَّى قَرَآهَا عَلَى رَسُولِ النَّبِيِّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمَا مَا قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ يَعُودُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .