عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَتَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ , وَقَالَ : " لَا يَتَوَلَّى مَوْلَى قَوْمٍ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ " قَالَ : وَوَجَدْتُ فِي صَحِيفَتِهِ " وَلُعِنَ . . . "
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَتَبَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ , وَقَالَ : لَا يَتَوَلَّى مَوْلَى قَوْمٍ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ قَالَ : وَوَجَدْتُ فِي صَحِيفَتِهِ وَلُعِنَ . . . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنْ لَا يَتَوَلَّى مَوْلًى قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُمْ بِإِذْنِهِمْ , وَكَانَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ قَبْلَ هَذَا التَّوَلِّي عَلَى الْمُتَوَلَّى بِقَوْمٍ آخَرِينَ . فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلَ بِمُوَالِاتِهِ إِيَّاهُ وَبِقَبُولِ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ ذَلِكَ مِنْهُ , وَفِي ذَلِكَ إِطْلَاقُ وُجُوبِ الْوَلَاءِ بِغَيْرِ الْعَتَاقِ كَمَا يَقُولُ الْعِرَاقِيُّونَ فِي ذَلِكَ , وَقَدْ عَارَضَهُمْ مُعَارِضٌ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي أَسَانِيدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِمَّا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِمُخَالِفِيهِ فِيهِ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَقْصُودٌ بِهِ إِلَى الْوَلَاءِ بِالْعَتَاقِ لَا إِلَى الْوَلَاءِ بِمَا سِوَاهُ وَقَدْ وَجَدْنَا الشَّيْءَ يُقْصَدُ إِلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ , وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ سِوَاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ . مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }} , فَكَانَ ذَلِكَ نَفْيًا مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الصَّدَقَاتُ وَهِيَ الزَّكَوَاتُ لِسِوَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ يَمْنَعْ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ صَدَقَاتٌ سِوَى الزَّكَوَاتِ لِقَوْمٍ آخَرِينَ سِوَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ , وَهِيَ الصَّدَقَاتُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضِ مِمَّنْ لَيْسَ بِفَقِيرٍ وَلَا بِمِسْكِينٍ وَلَا مِنْ صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ , وَكَانَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَوَاتِ خَاصَّةً , وَكَانَ مَا سِوَاهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ بِخِلَافِهَا , وَلِأَهْلٍ سِوَى أَهْلِهَا , فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْوَلَاءِ : إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ هُوَ عَلَى الْوَلَاءِ بِالْعَتَاقِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ وَلَاءٌ سِوَاهُ وَهُوَ الْوَلَاءُ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَحَادِيثِ عَلِيٍّ ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالْمُوَالِاةِ , وَتَصْحِيحُ أَحَادِيثِ عَلِيٍّ ، وَسَعِيدٍ ، وَجَابِرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ يَكُونُ بِالْمُوَالِاةِ , وَأَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ عَنْ مَنْ كَانَ مَوْلًى لَهُ بِهَا إِلَى مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ بِإِذْنِ مَنْ يَنْتَقِلُ بِهِ عَنْهُ , وَبِإِذْنِ مَنْ يَنْتَقِلُ بِهِ إِلَيْهِ . وَأَنْ لَا يَكُونَ مَوْلًى لِمَنْ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ لَا بِدُونِهَا , وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَذْهَبُونَ إِلَى وُجُوبِ الْوَلَاءِ بِالْمُوَالِاةِ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ , وَيَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ إِلَى مَنْ شَاءَ نَقْلَهُ إِلَيْهِ رَضِيَ مَوْلَاهُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ أَوْ كَرِهَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَقَلَ عَنْهُ جِنَايَةً جَنَاهَا , فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْهُ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ , وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا قَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَهُ وَكَشَفْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى مِمَّا قَالُوا فِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَوْلٍ وَلَا فِي فِعْلٍ إِلَّا فِيمَا أَبَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَائِرِ أُمَّتِهِ , وَجَعَلَ حُكْمَهُ فِيهِ خِلَافَ أَحْكَامِهِمْ فِيهِ , وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذِهِ ذِكْرُ عَقْلِ جِنَايَةٍ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ عُقُولِ الْجِنَايَاتِ فِي ذَلِكَ , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ