أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - يَعْنِي بِكِتَابِهِ مَعَهُ إلَيْهِ - فَقَبَّلَ كِتَابَهُ ، وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ ، ثُمَّ سَرَّحَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كُسْوَةً وَبَغْلَةً بِسَرْجِهَا وَجَارِيَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدَرِيِّ ، فَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةً لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ "
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِّيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - يَعْنِي بِكِتَابِهِ مَعَهُ إلَيْهِ - فَقَبَّلَ كِتَابَهُ ، وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ ، ثُمَّ سَرَّحَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كُسْوَةً وَبَغْلَةً بِسَرْجِهَا وَجَارِيَتَيْنِ ، إحْدَاهُمَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدَرِيِّ ، فَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةً لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْقَارِّيَّ مِمَّنْ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَيُقَالَ : إِنَّهُ قَدْ رَآهُ ، فَدَخَلَ بِذَلِكَ فِي صَحَابَتِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ عِيَاضٍ هَدِيَّتَهُ ، وَعَنِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ قَبِلَ مِنَ الْمُقَوْقِسِ هَدِيَّتَهُ ، وَكِلَاهُمَا كَافِرٌ . فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ كُفْرَ عِيَاضٍ كَانَ كُفْرَ شِرْكٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُحُودٍ لِلْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ، وَكُفْرَ الْمُقَوْقِسِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا بِالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ، وَمُؤْمِنًا بِنَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عِيسَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَكَانَ عِيَاضٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَطْلُوبِينَ بِالزَّوَالِ عَنْ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَبِتَرْكِهِ إِلَى ضِدِّهِ ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَالْإِيمَانُ بِهِ ، وَكَانَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَطْلُوبِينَ بِالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِهِ , وَالثُّبُوتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ عِيسَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَكَانَ عِيَاضٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ ذَبَائِحُهُمْ ، وَلَا مَنْكُوحَةٍ نِسَاؤُهُمْ , وَكَانَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَأْكُولَةً ذَبَائِحُهُمْ ، وَمَنْكُوحَةً نِسَاؤُهُمْ , فَكَانَ الْفَرِيقَانِ وَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ، يَخْتَلِفُ كُفْرُهُمْ ، وَتَتَبَايَنُ أَحْكَامُهُمْ , وَكَانَ كُلُّ شِرْكٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُفْرًا ، وَلَيْسَ كُلُّ كُفْرٍ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شِرْكًا , وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ لَا يُجَادِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }} ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى عِيسَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ كُتُبَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَقَبِلَ هَدِيَّةَ مَنْ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُجَادِلَهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَحْسَنَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ مِنْهُ ، وَرَدَّ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ بِمُنَابَذَتِهِمْ وَبِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ، فَخَالَفَ بَيْنَ أَسْمَائِهِمْ وَبَيْنَ مَا نَسَبَهُمْ إلَيْهِ ، فَقَالَ : {{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا }} وَهُمُ الْيَهُودُ , {{ وَالصَّابِئِينَ }} وَهُمْ أُمَّةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، لَهُمْ أَحْكَامٌ سَنَأْتِي بِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , {{ وَالنَّصَارَى }} وَهُمُ الَّذِينَ مِنْهُمُ الْمُقَوْقِسُ , {{ وَالْمَجُوسَ }} وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَجَمِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِبَعْثٍ ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ ، وَهُمْ فِي الْعَجَمِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي الْعَرَبِ إِلَّا فِيمَا يُخَالِفُونَهُمْ فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، {{ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا }} وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِبَعْثٍ ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْأَسْمَاءِ وَفِي الْأَحْكَامِ