عَنْ أَنَسٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ , وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبِّهِمْ ؟ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }}
حَدَّثَنَا أَبُو شُرَيْحٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَا حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ : كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ بِالدَّمِ , وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبِّهِمْ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }} فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْآثَارَ وَكَشَفْنَاهَا ؛ لِنَقِفَ عَلَى الْأَوْلَى مِنْهَا بِمَا نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُرَادُ بِهَا السَّبَبَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ ؛ فَوَجَدْنَا ذَلِكَ بَعِيدًا فِي الْقُلُوبِ ; لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَفَتْحَ مَكَّةَ كَانَ فِي سَنَةٍ ثَمَانٍ ، وَدُعَاءَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ لِمَنْ دَعَا لَهُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَبَعِيدٌ فِي الْقُلُوبِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبَانِ اللَّذَانِ قِيلَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ نُزُولُهَا فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا كَانَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ فِيهِ ، وَمَرَّةً فِي السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَ أَنَسٌ أَنَّ نُزُولَهَا فِيهِ ، فَدَخَلَ عَلَى ذَلِكَ مَا نَفَاهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعَيْنِ كَمَا وُجِدَتْ : {{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }} الْآيَةَ ، فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ وَالْآخَرُ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ بَطَلَ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَيْضًا ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَزَلَتْ قُرْآنًا لِوَاحِدٍ مِنَ السَّبَبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَيُّهُمَا هُوَ , ثُمَّ أُنْزِلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِلسَّبَبِ الْآخَرِ لَا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ لَاحِقٌ لِمَا نَزَلَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ , وَلَكِنْ عَلَى إعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ , وَأَنَّ الْأُمُورَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ يَتُوبُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلَمْ نَجِدْ مِنَ الِاحْتِمَالِاتِ لِمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَهُوَ أَوْلَاهَا عِنْدَنَا بِمَا قِيلَ فِي احْتِمَالِ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ فِيهَا بِهَا ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ