عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا ؟ حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي إِلَى الْقِبْلَةِ "
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , فَذَكَرُوا الرَّجُلَ يَجْلِسُ عَلَى الْخَلَاءِ , فَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ , فَكَرِهُوا ذَلِكَ فَحَدَّثَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ , عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا ؟ حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ حُجَّةً لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ , عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى , وَمُوجِبَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْآثَارِ تَأْخِيرَ الْإِبَاحَةِ عَنِ النَّهْيِ , عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ , فَهِيَ نَاسِخَةٌ لِلْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ . وَقَدْ خَالَفَ قَوْمٌ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا , فَقَالُوا : بَلْ نَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا لَا يَنْسَخُ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئًا . وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ أَخْبَرَ فِي حَدِيثِهِ , أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ . قَالَ : وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّهْيُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ , وَوَقَعَ عَلَى خَاصٍّ مِنْهَا , وَهِيَ الصَّحَارَى . ثُمَّ جَاءَ أَبُو أَيُّوبَ , فَكَانَتْ حِكَايَتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هِيَ النَّهْيُ خَاصَّةً , فَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَا احْتَمَلَهُ حَدِيثُ ابْنِ جَزْءٍ عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ , وَكَرَاهَةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْكَرَابِيسِ الْمَذْكُورِ فِيهِ , فَهُوَ عَنْ رَأْيِهِ , وَلَمْ يَحْكِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَقَدْ يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ إِلَى أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا سَمِعَ , فَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَرَادَ بِهِ الصَّحَارَى , ثُمَّ حَكَمَ هُوَ لِلْبُيُوتِ بِرَأْيِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَرَادَ الْبُيُوتَ وَالصَّحَارَى , إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ . وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ سَلْمَانَ , وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ , مِمَّا فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا . ثُمَّ عُدْنَا إِلَى مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْإِبَاحَةِ , فَإِذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ . فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ لِلْغَائِطِ أَوِ الْبَوْلِ , فِي الصَّحَارَى وَالْبُيُوتِ . وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ خَاصَّةً فَكَانَ أَرَادَ بِهِ , فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ عَلَى الصَّحَارَى خَاصَّةً . فَأَوْلَى بِنَا أَنْ نَجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ زَائِدًا عَلَى الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ , غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهَا , فَيَكُونُ هَذَا عَلَى الْبُيُوتِ , وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ عَلَى الصَّحَارَى , وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يَقُولُ , ذَلِكَ . ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ , فَفِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ . فَقَدْ يَكُونُ رَآهُ حَيْثُ رَآهُ ابْنُ عُمَرَ , فَيَكُونُ مَعْنَى حَدِيثِهِ , وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ سَوَاءً . أَوْ يَكُونُ رَآهُ فِي صَحْرَاءَ , فَيُخَالِفُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ , وَيَنْسَخُ الْأَحَادِيثَ الْأُوَلَ , فَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ نَاسِخٍ لَهَا , حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينًا أَنَّهُ قَدْ نَسَخَهَا . وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ , فَفِيهِ النَّهْيُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا , لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ , وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانًا . فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ , فَلَا حُجَّةَ فِيهِ أَيْضًا تُوجِبُ مُضَادَّةَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ , وَأَبِي قَتَادَةَ . قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ : ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ . فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَوْلُ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأَوَّلِ وَقَعَ عَلَيْهِ , فَلَمْ نَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ , نَسَخَ شَيْئًا مِنْهَا شَيْءٌ . ثُمَّ عُدْنَا إِلَى حَدِيثِ عِرَاكٍ فَفِيهِ أَنَّهُ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْكَرَ قَوْلَهُمْ , لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ , فَأَمَرَ بِتَحْوِيلِ مَقْعَدَتِهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ , لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ , وَلِيُعْلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ نَهْيُهُ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى اسْتِقْبَالِهَا فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانِ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ نَسْخَ النَّهْيِ الْأَوَّلِ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا , لِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ عَنْ ذَلِكَ , فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى نَسْخٍ وَلَا غَيْرِهِ . فَلَمَّا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْآثَارِ كَذَلِكَ , كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ نُصَحِّحَهَا كُلَّهَا . فَنَجْعَلَ مَا فِيهِ النَّهْيُ مِنْهَا عَلَى الصَّحَارَى , وَمَا فِيهِ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْبُيُوتِ , حَتَّى لَا تَضَادَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ , قَالَ : ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : ثنا يُونُسُ , قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ , عَنْ حَاتِمٍ , عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطِ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : صَدَقَا وَاللَّهِ , أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ , فَعَلَى الصَّحَارَى , إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ , فَلَا تَسْتَقْبِلُوهُمْ , وَإِنَّ حُشُوشَكُمْ هَذِهِ , لَا قِبْلَةَ فِيهَا فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُحْمَلُ هَذِهِ الْآثَارُ حَتَّى لَا يَتَضَادَّ مِنْهَا شَيْءٌ