عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَحْفُوا الشَّوَارِبَ , وَأَعْفُوا اللِّحَى "
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : أَحْفُوا الشَّوَارِبَ , وَأَعْفُوا اللِّحَى فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَدْ أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ , فَثَبَتَ بِذَلِكَ الْإِحْفَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , جُزُّوا الشَّوَارِبَ فَذَاكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَزًّا , مَعَهُ الْإِحْفَاءُ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ . فَقَدْ ثَبَتَ مُعَارَضَةُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ , بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَعَمَّارٍ , وَعَائِشَةَ , الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ . وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ , فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ , لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مِقْرَاضٌ , يَقْدِرُ عَلَى إِحْفَاءِ الشَّارِبِ . وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا حَدِيثُ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , فِي ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ , يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ , هِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا , وَهِيَ قَصُّ الشَّارِبِ , وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَضْلٌ حَسَنٌ . فَثَبَتَتِ الْآثَارُ كُلُّهَا الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ , وَلَا تَضَادُّ , وَيَجِبُ بِثُبُوتِهَا أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَصِّ . وَهَذَا مَعْنَى هَذَا الْبَابِ , مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الْحَلْقَ قَدْ أُمِرَ بِهِ فِي الْإِحْرَامِ , وَرُخِّصَ فِي التَّقْصِيرِ . فَكَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ مِنَ التَّقْصِيرِ , وَكَانَ التَّقْصِيرُ , مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ , وَمَنْ شَاءَ زَادَ عَلَيْهِ , إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ بِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِمَّنْ قَصَّ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الشَّارِبِ قَصُّهُ حَسَنٌ , وَإِحْفَاؤُهُ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ