عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءٍ , فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : " هَلْ يَتَزَوَّجُ الْمُحْرِمُ ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ : مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاحَ مُنْذُ أَحَلَّهُ . قَالَ مَيْمُونٌ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ سَلْ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ , أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا ؟ فَقَالَ يَزِيدُ : تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ . فَقَالَ عَطَاءٌ : مَا كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا إِلَّا عَنْ مَيْمُونَةَ , كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ " .
حَدَّثَنَا فَهْدٌ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْمٍ , قَالَ : ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ , عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَطَاءٍ , فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ يَتَزَوَّجُ الْمُحْرِمُ ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ : مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاحَ مُنْذُ أَحَلَّهُ . قَالَ مَيْمُونٌ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ سَلْ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ , أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا ؟ فَقَالَ يَزِيدُ : تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ . فَقَالَ عَطَاءٌ : مَا كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا إِلَّا عَنْ مَيْمُونَةَ , كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ . فَأَخْبَرَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , بِالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ وَقَعَ إِلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ , وَأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ , لَا عَنْ مَيْمُونَةَ , وَلَا عَنْ غَيْرِهَا ثُمَّ حَاجَّ مَيْمُونُ بِهِ عَطَاءً , فَذَكَرَهُ عَنْ يَزِيدَ , وَلَمْ يُجَوِّزْهُ بِهِ . فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ , عَمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ , لَاحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ , لِيُؤَكِّدَ بِذَلِكَ حُجَّتَهُ . فَهَذَا هُوَ أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ , لَا عَنْ غَيْرِهِ ، وَالَّذِينَ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ عِلْمٍ . وَأَثْبَتَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ , وَعَطَاءٌ , وَطَاوُسٌ , وَمُجَاهِدٌ , وَعِكْرِمَةُ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ فُقَهَاءُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَاتِهِمْ وَآرَائِهِمُ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُمْ . فَكَذَلِكَ أَيْضًا مِنْهُمْ , عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ . فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِرِوَايَتِهِمْ . ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا مَا قَدْ وَافَقَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهَا مَنْ لَا يَطْعَنُ أَحَدٌ فِيهِ , أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوقٍ . فَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِمْ . فَمَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا رَوَى مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِمْ فِي الضَّبْطِ وَالثَّبَتِ وَالْفِقْهِ وَالْأَمَانَةِ . وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَإِنَّمَا رَوَاهُ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ , وَلَيْسَ كَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَلَا كَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ , وَلَا كَمَنْ رَوَى مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ , عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ عَائِشَةَ , وَلَيْسَ لِنُبَيْهٍ أَيْضًا مَوْضِعٌ فِي الْعِلْمِ , كَمَوْضِعِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا . فَلَا يَجُوزُ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يُعَارِضَ بِهِ جَمِيعُ مَنْ ذَكَرْنَا , مِمَّنْ رَوَى بِخِلَافِ الَّذِي رَوَى هُوَ . فَهَذَا حُكْمُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . فَأَمَّا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ , فَإِنَّ الْمُحْرِمَ حَرَامٌ عَلَيْهِ جِمَاعُ النِّسَاءِ , فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ نِكَاحِهِنَّ كَذَلِكَ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً , وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَحِلَّ . وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ طِيبًا لِيَتَطَيَّبَ بِهِ بَعْدَمَا يَحِلُّ , وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ , بَعْدَمَا يَحِلُّ . وَذَلِكَ الْجِمَاعُ وَالتَّطَيُّبُ وَاللِّبَاسُ , حَرَامٌ عَلَيْهِ كُلُّهُ , وَهُوَ مُحْرِمٌ . فَلَمْ يَكُنْ حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَمْنَعُهُ عَقْدَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ . وَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ لَا يَشْتَرِي صَيْدًا , فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ عَقْدِ النِّكَاحِ كَحُكْمِ عَقْدِ شِرَاءِ الصَّيْدِ , أَوْ حُكْمِ عَقْدِ شِرَاءِ مَا وَصَفْنَا مِمَّا سِوَى ذَلِكَ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَإِذَا مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ , أَمَرَ أَنْ يُطْلِقَهُ , وَمَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ , وَفِي يَدِهِ طِيبٌ أَمَرَ أَنْ يَطْرَحَهُ عَنْهُ وَيَرْفَعَهُ . وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ , كَالصَّيْدِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِتَخْلِيَتِهِ , وَيُتْرَكُ حَبْسُهُ . وَرَأَيْنَاهُ إِذَا أَحْرَمَ وَمَعَهُ امْرَأَةٌ , لَمْ يُؤْمَرْ بِإِطْلَاقِهَا , بَلْ يُؤْمَرُ بِحِفْظِهَا وَصَوْنِهَا فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ , كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , لَا كَالصَّيْدِ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ , أَنْ يَكُونَ فِي اسْتِقْبَالِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا , فِي حُكْمِ اسْتِقْبَالِ عَقْدِ الْمِلْكِ عَلَى الثِّيَابِ وَالطِّيبِ , الَّذِي يَحِلُّ لَهُ بِهِ لُبْسُ ذَلِكَ , وَاسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْإِحْرَامِ . فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَانَ نِكَاحُهُ بَاطِلًا , وَلَوِ اشْتَرَاهَا , كَانَ شِرَاؤُهُ جَائِزًا , فَكَانَ الشِّرَاءُ يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُ , وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ إِلَّا عَلَى مَنْ يَحِلُّ وَطْؤُهَا , وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ جِمَاعُهَا . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا . فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِلْآخَرِينَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , أَنَّا رَأَيْنَا الصَّائِمَ وَالْمُعْتَكِفَ , حَرَامٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجِمَاعُ . وَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْجِمَاعِ عَلَيْهِمَا , لَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ , لِأَنْفُسِهِمَا , إِذْ كَانَ مَا حَرَّمَ الْجِمَاعَ عَلَيْهِمَا مِنْ ذَلِكَ , إِنَّمَا هُوَ حُرْمَةُ دِينٍ كَحُرْمَةِ حَيْضِ الْمَرْأَةِ الَّذِي لَا يَمْنَعُهَا مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهَا . فَحُرْمَةُ الْإِحْرَامِ فِي النَّظَرِ أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَدْ رَأَيْنَا الرَّضَاعَ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ لِمَكَانِهِ إِذَا طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ فَسَخَ النِّكَاحَ , وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ . وَكَانَ الْإِحْرَامُ إِذَا طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ , لَمْ يَفْسَخْهُ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَا يَمْنَعُ اسْتِقْبَالَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ , وَحُرْمَةُ الْجِمَاعِ بِالْإِحْرَامِ كَحُرْمَتِهِ بِالصِّيَامِ سَوَاءٌ . فَإِذَا كَانَتْ حُرْمَةُ الصِّيَامِ لَا تَمْنَعُ عَقْدَ النِّكَاحِ , فَكَذَلِكَ حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ , لَا تَمْنَعُ عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَيْضًا . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى