" مَنْ حُبِسَ , دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ , فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ , وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ "
حَدَّثَنَا يُونُسُ , قَالَ : أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَنَّ مَالِكًا , حَدَّثَهُ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ قَالَ : مَنْ حُبِسَ , دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ , فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ , وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا وَقَعَ فِي هَذَا , هَذَا الِاخْتِلَافُ , وَقَدْ رَوَيْنَا , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ , يَعْنِي النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ , فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ أُخْرَى ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ , كَمَا يَكُونُ بِالْعَدُوِّ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ , مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ إِحْصَارَ الْعَدُوِّ , يَجِبُ بِهِ لِلْمُحْصَرِ , الْإِحْلَالُ كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرَضِ , فَقَالَ قَوْمٌ : حُكْمُهُ حُكْمُ الْعَدُوِّ فِي ذَلِكَ , إِذَا كَانَ قَدْ مَنَعَهُ مِنَ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ , كَمَا مَنَعَهُ الْعَدُوُّ . وَقَالَ آخَرُونَ : حُكْمُهُ بَائِنٌ مِنْ حُكْمِ الْعَدُوِّ . فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ , مَا أُبِيحَ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الْعَدُوِّ , هَلْ يَكُونُ مُبَاحًا بِالضَّرُورَةِ بِالْمَرَضِ أَمْ لَا ؟ فَوَجَدْنَا الرَّجُلَ إِذَا كَانَ يُطِيقُ الْقِيَامَ , كَانَ فَرْضًا أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا , وَإِنْ كَانَ يَخَافُ إِنْ قَامَ أَنْ يُعَايِنَهُ الْعَدُوُّ فَيَقْتُلَهُ , أَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ , فَمَنَعَهُ مِنَ الْقِيَامِ , فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا , وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ . وَأَجْمَعُوا أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ زَمَانَةٌ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الْقِيَامِ , أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ , وَحَلَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا , يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِذَا أَطَاقَ ذَلِكَ , أَوْ يُومِئُ إِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ . فَرَأَيْنَا مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ هَذَا بِالضَّرُورَةِ مِنَ الْعَدُوِّ , قَدْ أُبِيحَ لَهُ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الْمَرَضِ وَرَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا حَالَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ , سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْوُضُوءِ , وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي . فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ عُذِرَ فِيهَا بِالْعَدُوِّ , قَدْ عُذِرَ فِيهَا أَيْضًا بِالْمَرَضِ , وَكَانَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً . ثُمَّ رَأَيْنَا الْحَاجَّ الْمُحْصَرَ بِالْعَدُوِّ , قَدْ عُذِرَ فَجُعِلَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ مَا جُعِلَ لِلْمُحْصَرِ أَنْ يَفْعَلَ , حَتَّى يَحِلَّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُحْصَرِ بِالْمَرَضِ فَالنَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْعُذْرِ بِالضَّرُورَةِ بِالْعَدُوِّ , يَجِبُ لَهُ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ بِالْمَرَضِ , وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ سِوَاهُ , كَمَا كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً , فِي الطِّهَارَاتِ , وَالصَّلَوَاتِ . ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ هَذَا فِي الْمُحْرِمِ بِعُمْرَةٍ , يُحْصَرُ بِعَدُوٍّ أَوْ بِمَرَضٍ . فَقَالَ قَوْمٌ : يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعَدُهُمْ أَنْ يَنْحَرُوهُ عَنْهُ , فَإِذَا نَحَرَ حَلَّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ أَبَدًا , وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ . وَكَانَ مِنَ الْحَجَّةِ لِلَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْهَا بِالْهَدْيِ , مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , لَمَّا أَحْصَرَ بِعُمْرَةٍ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، حَصَرَتْهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ ، فَنَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ الْإِحْصَارُ , إِذْ كَانَ لَا وَقْتَ لَهَا كَوَقْتِ الْحَجِّ , بَلْ جَعَلَ الْعُذْرَ فِي الْإِحْصَارِ بِهَا , كَالْعُذْرِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْحَجِّ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الْإِحْصَارِ فِيهِمَا سَوَاءٌ , وَأَنَّهُ يَبْعَثُ الْهَدْيَ حَتَّى يَحِلَّ بِهِ مِمَّا أُحْصِرَ بِهِ مِنْهُمَا . إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ قَضَاءَ عُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهِ , وَعَلَيْهِ فِي الْحَجَّةِ , حَجَّةً مَكَانَ حَجَّتِهِ وَعُمْرَةً لِإِخْلَالِهِ . وَقَدْ رَوَيْنَا فِي الْعُمْرَةِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُحْرِمُ مُحْصَرًا بِهَا , مَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ قَدْ فُرِضَتْ عَلَى الْعِبَادِ , مِمَّا جُعِلَ لَهَا وَقْتٌ خَاصٌّ , وَأَشْيَاءُ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ , مِمَّا جُعِلَ الدَّهْرُ كُلُّهُ وَقْتًا لَهَا . مِنْهَا الصَّلَوَاتُ , فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ , تُؤَدَّى فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِأَسْبَابٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَهَا , مِنَ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ , وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ . وَمِنْهَا الصِّيَامُ فِي كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَاتِ الصِّيَامِ , وَكَفَّارَاتِ الْقَتْلِ , جُعِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُظَاهِرِ , وَالْقَاتِلِ لَا فِي أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا , بَلْ جُعِلَ الدَّهْرُ كُلُّهُ وَقْتًا لَهَا , وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْحَانِثِ فِي يَمِينِهِ , وَهِيَ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ . ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَقَدَّمُ , وَالْأَسْبَابُ الْمَفْعُولَةِ فِيهَا فِي ذَلِكَ , عُذْرًا إِذَا مُنِعَ مِنْهُ . فَمِنْ ذَلِكَ مَا جُعِلَ لَهُ فِي عَدَمِ الْمَاءِ , مِنْ سُقُوطِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا جُعِلَ لِلَّذِي مُنِعَ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنْ يُصَلِّيَ بَادِيَ الْعَوْرَةِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا جُعِلَ لِمَنْ مُنِعَ مِنَ الْقُبْلَةِ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا جُعِلَ لِلَّذِي مُنِعَ مِنَ الْقِيَامِ , أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا , يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ , فَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا , أَوْمَأَ إِيمَاءً , فَجُعِلَ لَهُ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْتِ مَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعُذْرُ , وَيَعُودُ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ الْعُذْرِ , وَهُوَ فِي الْوَقْتِ , لَمْ يَفُتْهُ . وَكَذَلِكَ جُعِلَ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَاتِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّوْمَ , لِمَرَضٍ حَلَّ بِهِ مِمَّا قَدْ يَجُوزُ بُرْؤُهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ , وَرُجُوعُهُ إِلَى حَالِ الطَّاقَةِ لِذَلِكَ الصَّوْمِ , فَجُعِلَ ذَلِكَ لَهُ عُذْرًا فِي إِسْقَاطِ الصَّوْمِ عَنْهُ بِهِ , وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا جُعِلَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّوْمِ لَا وَقْتَ لَهُ . وَكَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْعِتْقِ فِيهَا , وَالْكِسْوَةِ , إِذَا كَانَ الَّذِي فُرِضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُعْدِمًا . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ , فَيَكُونَ قَادِرًا عَلَى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ لِوَقْتِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ أُوجِبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فِيهِ . فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَزُولُ فَرْضُهَا بِالضَّرُورَةِ فِيهَا , وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ فَوْتَ وَقْتِهَا , فَجُعِلَ ذَلِكَ مَا خِيفَ فَوْتُ وَقْتِهِ , سَوَاءٌ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَاخِرِ أَوْقَاتِهَا , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . فَالنَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ , الْعُمْرَةُ , وَإِنْ كَانَ لَا وَقْتَ لَهَا أَنْ يُبَاحَ فِي الضَّرُورَةِ فِيهَا , مَا يُبَاحُ بِالضَّرُورَةِ فِي غَيْرِهَا , مِمَّا لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ . فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا , قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْعُمْرَةِ , كَمَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْحَجِّ سَوَاءً . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى . ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّاسُ بَعْدَ هَذَا فِي الْمُحْصَرِ إِذَا نَحَرَ هَدْيَهُ , هَلْ يَحْلِقُ رَأْسَهُ أَمْ لَا ؟ . فَقَالَ قَوْمٌ : لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ لِأَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ عَنْهُ النُّسُكُ كُلُّهُ , وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ , أَبُو حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَحْلِقُ , فَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ , حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ , أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَقَالَ آخَرُونَ يَحْلِقُ وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ , كَمَا يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ . فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي ذَلِكَ , أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِحْصَارِ , جَمِيعُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ , مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَذَلِكَ مِمَّا يَحِلُّ الْمُحْرِمُ بِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ , حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ , فَيَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ , الطِّيبُ , وَاللِّبَاسُ , وَالنِّسَاءُ . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ , حَتَّى يَحِلَّ , فَسَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ كُلُّهُ بِالْإِحْصَارِ , سَقَطَ أَيْضًا عَنْهُ سَائِرُ مَا يَحِلُّ بِهِ الْمُحْرِمُ بِسَبَبِ الْإِحْصَارِ , هَذِهِ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى . وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ الْآخَرِينَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ , أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَرَمْيِ الْجِمَارِ , قَدْ صُدَّ عَنْهُ الْمُحْرِمُ , وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ , فَسَقَطَ عَنْهُ أَنْ يَفْعَلَهُ . وَالْحَلْقُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ , وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ . فَمَا كَانَ يَصِلُ إِلَى أَنْ يَفْعَلَهُ , فَحُكْمُهُ فِيهِ , فِي حَالِ الْإِحْصَارِ , كَحُكْمِهِ فِيهِ , حَالَ الْإِحْصَارِ . وَمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي حَالِ الْإِحْصَارِ , فَهُوَ الَّذِي يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِحْصَارِ , فَهُوَ النَّظَرُ عِنْدَنَا . وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ فِي وَقْتِ الْحَلْقِ عَلَيْهِ , وَهُوَ مُحْصَرٌ , كَحُكْمِهِ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ , وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَرٍ , كَانَ تَرْكُهُ إِيَّاهُ أَيْضًا , وَهُوَ مُحْصَرٌ , كَتَرْكِهِ إِيَّاهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَرٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَلْقِ بَاقٍ عَلَى الْمُحْصَرِينَ , كَمَا هُوَ عَلَى مَنْ وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ