عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ , فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَالطِّيبُ . فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ , أَفَطِيبٌ هُوَ " ؟
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا مُؤَمَّلٌ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِمٍ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ , فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَالطِّيبُ . فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ , أَفَطِيبٌ هُوَ ؟ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ إِبَاحَةِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ , إِذْ رَمَيْتَ الْجَمْرَةَ , وَلَا يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الْحَلْقَ . وَفِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ وَلَمْ يُخْبِرْ بِالْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَبْلَ الْحَلْقِ , وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ إِلَّا أَنَّ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا , أَنْ نَحْمِلَ ذَلِكَ , عَلَى مَا يُوَافِقُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ , عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا عَلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ . فَيَكُونُ مَا رَأَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ وَحَلْقِهِ , عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا . ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعَدُّ بِرَأْيِهِ إِذَا رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ بِرَمْيِهِ أَنْ يَحْلِقَ , حَلَّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ . وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ النَّظَرَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَلْقُ الرَّأْسِ إِذَا حَلَّ , حَلَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ , وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَكُونَ الْحَلْقُ . فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَا الْمُعْتَمِرَ , يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فِي عُمْرَتِهِ , مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فِي حَجَّتِهِ . ثُمَّ إِذَا رَأَيْنَاهُ إِذَا طَافَ : بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ , وَلَا الطِّيبُ , وَلَا اللَّبَائِسُ حَتَّى يَحْلِقَ . فَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ الْعُمْرَةِ قَائِمَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ , وَلَا يَكُونُ إِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي حُكْمِ مَنْ حَلَّ لَهُ , مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , كَانَ كَذَلِكَ فِي الْحَجَّةِ , لَا يَجِبُ لِمَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ فِيهَا أَنْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا سِوَاهُ , مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ بِهَا حَتَّى يَحْلِقَ , قِيَاسًا وَنَظَرًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ . ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى النَّظَرِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عُكَّاشَةَ . فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ , وَالطِّيبُ , وَاللِّبَاسُ , وَالصَّيْدُ , وَالْحَلْقُ , وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ , فَإِذَا أَحْرَمَ , حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ الْإِحْرَامُ . فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ أَنْ يَحِلَّ مِنْهَا أَيْضًا , بِسَبَبٍ وَاحِدٍ , وَاحْتُمِلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْهَا بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ , إِحْلَالًا بَعْدَ إِحْلَالٍ . فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إِذَا رَمَى , فَقَدْ حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ , هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْجِمَاعَ حَرَامٌ عَلَيْهِ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى , فَثَبَتَ أَنَّهُ حَلَّ مِمَّا قَدْ كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ . فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا . فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحَلْقَ يَحِلُّ لَهُ إِذَا رَمَى , وَأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ بَعْدَ حَلْقِ رَأْسِهِ أَنْ يَحْلِقَ مَا شَاءَ مِنْ شَعْرِ بَدَنِهِ , وَيَقُصَّ أَظْفَارَهُ , أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ , هَلْ حُكْمُ اللِّبَاسِ حُكْمُ ذَلِكَ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجِمَاعِ , فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلُّ الْجِمَاعُ ؟ فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ , فَسَدَ حَجَّهُ , وَرَأَيْنَاهُ إِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ , وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ , وَلَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ حَجُّهُ . وَرَأَيْنَا لَوْ لَبِسَ ثِيَابًا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ , لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِحْرَامُهُ , وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ . فَكَانَ حُكْمُ اللِّبَاسِ , قَبْلَ عَرَفَةَ , مِثْلَ حُكْمِ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ , لَا مِثْلَ حُكْمِ الْجِمَاعِ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ أَيْضًا بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ كَحُكْمِهَا , لَا كَحُكْمِ الْجِمَاعِ فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَأَيْنَا الْقُبْلَةَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ , بَعْدَ أَنْ يَحْلِقَ , وَهِيَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ , فِي حُكْمِ اللِّبَاسِ , لَا فِي حُكْمِ الْجِمَاعِ , فَلِمَ لَا كَانَ اللِّبَاسُ بَعْدَ الْحَلْقِ أَيْضًا كَهِيَ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللِّبَاسَ بِالْحَلْقِ , أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْقُبْلَةِ , لِأَنَّ الْقُبْلَةَ هِيَ بَعْضُ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ , وَحُكْمُهَا حُكْمُهُ , تَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ , وَتَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ , فِي النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا . وَالْحَلْقُ وَاللِّبَاسُ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ إِنَّمَا هُمَا مِنْ أَسْبَابِ إِصْلَاحِ الْبَدَنِ , فَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ صَاحِبِهِ , أَشْبَهُ مِنْ حُكْمِهِ بِالْقُبْلَةِ , فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاللِّبَاسِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ . وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ