سَمِعْتُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ , قَالَا : ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ : ثنا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَيْسَرَةَ الزَّرَّادَ , قَالَ : سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ : وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي إِحْرَامِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَا كَانَ فَقَالُوا مَا رَوَيْنَا , وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا وَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا عَلَى أَحَدِ تِلْكَ الْمَنَازِلِ الثَّلَاثَةِ , إِمَّا مُتَمَتِّعٌ , وَإِمَّا مُفْرِدٌ , وَإِمَّا قَارِنٌ فَأَوْلَى بِنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَعَانِي هَذِهِ الْآثَارِ وَنَكْشِفَهَا , لِنَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ جَاءَ اخْتِلَافُهُمْ فِيهَا , وَنَقِفَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى إِحْرَامِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا كَانَ فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ أَفْرَدَ يَقُولُونَ : كَانَ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا , لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِحْرَامٌ بِغَيْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَدْ كَانَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِتِلْكَ الْحَجَّةِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ , ثُمَّ أَضَافَ إِلَيْهَا هَذِهِ الْحَجَّةَ , هَكَذَا يَقُولُ الَّذِينَ قَالُوا : قَرَنَ وَقَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ , وَهُوَ أَحَدُ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَفْرَدَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ , وَهُوَ أَيْضًا مِمَّنْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَفْرَدَ بِالْحَجِّ فِي أَوَّلِ إِحْرَامِهِ فَكَانَ بَدْءُ إِحْرَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ , وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ بَيَّنَّا عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَحْرَمَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ قَرَنَ , سَمِعُوا تَلْبِيَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ سَمِعُوا بَعْدَ ذَلِكَ تَلْبِيَتَهُ الْأُخْرَى , خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِالْحَجِّ خَاصَّةً فَعَلِمُوا أَنَّهُ قَرَنَ , وَسَمِعَهُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ أَفْرَدَ وَقَدْ لَبَّى بِالْحَجِّ خَاصَّةً , وَلَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا تَلْبِيَتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْعُمْرَةِ , فَقَالُوا أَفْرَدَ وَسَمِعَهُ قَوْمٌ أَيْضًا وَقَدْ لَبَّى فِي الْمَسْجِدِ بِالْعُمْرَةِ , وَلَمْ يَسْمَعُوا تَلْبِيَتَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ بِالْحَجِّ , ثُمَّ رَأَوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ , مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ ، عِنْدَهُمْ ، بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَقَالُوا تَمَتُّعٌ فَرَوَى كُلُّ قَوْمٍ مَا عَلِمُوا وَقَدْ دَخَلَ جَمِيعُ مَا عَلِمَهُ الَّذِينَ قَالُوا أَفْرَدَ , وَمَا عَلِمَهُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ تَمَتَّعَ فِيمَا عَلِمَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ قَرَنَ , لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ تَلْبِيَتِهِ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ عَنْ تَلْبِيَتِهِ بِالْحَجَّةِ بِعَقِبِ ذَلِكَ فَصَارَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا رَوَوْا , أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ خَالَفَهُمْ وَمَا رَوَوْا ثُمَّ قَدْ وَجَدْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَفْعَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا , وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحِلُّوا إِلَّا مَنْ كَانَ سَاقَ مِنْهُمْ هَدْيًا وَثَبَتَ هُوَ عَلَى إِحْرَامِهِ فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُ إِلَّا فِي وَقْتِ مَا يَحِلُّ الْحَاجُّ مِنْ حَجِّهِ وَقَالَ : لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ , فَلْيُحِلَّ , وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَهُوَ مِمَّنْ يَقُولُ : إِنَّهُ أَفْرَدَ , وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ فِيهِ فِي بَابِ فَسْخِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ كَانَ إِحْرَامُهُ ذَلِكَ كَانَ بِحَجَّةٍ , لَكَانَ هَدْيُهُ الَّذِي سَاقَهُ تَطَوُّعًا , فَهَدْيُ التَّطَوُّعِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِحْلَالِ الَّذِي يَحِلُّهُ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَلَكَانَ حُكْمُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَ هَدْيًا ، كَحُكْمِ مَنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا , لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى أَنْ يَتَمَتَّعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْهَدْيُ لِلْمُتْعَةِ , فَتَمْنَعُهُ مِنَ الْإِحْلَالِ الَّذِي كَانَ يَحِلُّهُ , لَوْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ خَرَجَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ , أَنَّهُ إِذَا طَافَ لَهَا , وَسَعَى , وَحَلَقَ , حَلَّ مِنْهَا , وَلَوْ كَانَ سَاقَ هَدْيًا لِمُتْعَتِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ , وَلَوْ سَاقَ هَدْيًا تَطَوُّعًا , حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , لَمَّا كَانَ قَدْ مَنَعَهُ مِنَ الْإِحْلَالِ , وَأَوْجَبَ ثُبُوتَهُ عَلَى الْإِحْرَامِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ , أَنَّ حُكْمَهُ , غَيْرُ حُكْمِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ , فَانْتَفَى بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ مُفْرَدًا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ , عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا , وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ ؟ فَقَالَ إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي , فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَدْيَ , كَانَ هَدْيًا بِسَبَبِ عُمْرَةٍ يُرَادُ بِهَا قِرَانٌ أَوْ مُتْعَةٌ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَإِذَا حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ دَلَّ حَدِيثُهَا هَذَا , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , كَانَ بِمَكَّةَ , لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ , بَعْدَمَا حَلَّ النَّاسُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ طَافَ قَبْلَ ذَلِكَ , أَوْ لَمْ يَطُفْ فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ قَبْلَ ذَلِكَ , ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ مِنْ بَعْدُ , فَإِنَّمَا كَانَ مُتَمَتِّعًا , وَلَمْ يَكُنْ قَارِنًا , لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ قَبْلَ ذَلِكَ , حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ , فَقَدْ كَانَ قَارِنًا , لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهُ الْحَجَّةُ قَبْلَ طَوَافِهِ لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا , كَانَ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا أَنْ نَحْمِلَ هَذِهِ الْآثَارَ , عَلَى مَا فِيهِ اتِّفَاقُهَا , لَا عَلَى مَا فِيهِ تَضَادُّهَا فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ , وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , قَدْ رَوَيْنَا عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَمَتَّعَ , وَرَوَيْنَا عَنْهُمْ أَنَّهُ قَرَنَ , وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ , عَلَى أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ , وَلَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ جَعَلْنَا إِحْرَامَهُ بِالْحَجَّةِ , كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ , ثَبَتَ الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا , فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ كَانَ مُتَمَتِّعًا إِلَى أَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ , فَصَارَ قَارِنًا وَإِنْ جَعَلْنَا إِحْرَامَهُ بِالْحَجَّةِ , كَانَ بَعْدَ طَوَافِهِ لِلْعُمْرَةِ , جَعَلْنَاهُ مُتَمَتِّعًا , وَنَفَيْنَا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا , فَجَعَلْنَاهُ مُتَمَتِّعًا فِي حَالٍ , وَقَارِنًا فِي حَالٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ طَوَافَهُ لِلْعُمْرَةِ , كَانَ بَعْدَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجَّةِ , فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , قَدْ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَارِنًا فَقَالَ قَائِلٌ : مِمَّنْ كَرِهَ الْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ , لِمَنِ اسْتَحَبَّهُمَا : اعْتَلَلْتُمْ عَلَيْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }} فِي إِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ , مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ