عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا فَقَالَ : " أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ " .
مَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ : ثنا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا فَقَالَ : أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ . قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ إِدْرِيسَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ عَامَّةَ مُجَالَسَتِي إِيَّاهُ لَا يَذْكُرُ فِيهِ سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ ثُمَّ إِنِّي عَرَضْتُ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِسَنَةٍ فَأَجَازَ فِيهِ سَأَصُومُ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا قَدْ وَافَقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ مَا يُخَالِفُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فَأَقَلُّ أَحْوَالِ حَدِيثِ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُمَا وَقَدْ وَافَقَهُ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِخِلَافِهِ وَأَمَّا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ تَجِبُ عَلَى الْعِبَادِ بِإِيجَابِهِمْ إِيَّاهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَكَانَ مَنْ أَوْجَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ . وَرَأَيْنَا أَشْيَاءَ يَدْخُلُ فِيهَا الْعِبَادُ فَيُوجِبُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِدُخُولِهِمْ فِيهَا مِنْهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ مَنْ دَخَلَ فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إِبْطَالَهَا وَالْخُرُوجَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ بِدُخُولِهِ فِيهَا فِي حُكْمِ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّمَا مَنَعْنَاهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا إِلَّا بِتَمَامِهَا وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَبْطُلَانِ وَيَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْكَلَامِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْحَجَّةَ وَالْعُمْرَةَ وَإِنْ كَانَا كَمَا ذَكَرْتَ فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاكَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَالْقَضَاءُ يَدْخُلُ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُمَا فَقَدْ جَعَلْتَ عَلَيْهِ الدُّخُولَ فِي قَضَائِهِمَا إِنْ شَاءَ أَوْ أَبَى مِنْ أَجْلِ إِفْسَادِهِ لَهُمَا فَهَذَا الَّذِي يَقْضِيهِ بَدَلٌ مِنْهُ مِمَّا كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِهِ فِيهِ لَا بِإِيجَابٍ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي لُزُومِ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ إِيَّاهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهِمَا وَبُطْلَانِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا هِيَ مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَمِ رَفْضِهِمَا وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا كَمَا كَانَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُمَا إِذًا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُبْطِلٍ عَنْهُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ كَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَجَّةٍ قَدْ أَوْجَبَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِلِسَانِهِ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا فِي النَّظَرِ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : وَقَدْ رَأَيْنَا الْعُمْرَةَ مِمَّا قَدْ يَجُوزُ رَفْضُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِكَ وَبِذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَعِي عَنْكِ الْعُمْرَةَ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ لِلدَّاخِلِ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى رَفْضِهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا فَيُبْطِلَهَا ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا . وَكَانَ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِيجَابٍ مِنْهُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا قَبْلَ تَمَامِهَا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَأَبْطَلَهَا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ أَيْضًا فِي النَّظَرِ كَذَلِكَ لَيْسَ لِمَنْ دَخَلَ فِيهِمَا الْخُرُوجُ مِنْهُمَا وَإِبْطَالُهُمَا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا قَبْلَ إِتْمَامِهِ إِيَّاهُمَا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ