" مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ , فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " . فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ , فَقَالَ : " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ , فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ "
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : ثنا زَائِدَةُ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : مَرِضَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ , فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ , فَقَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ , فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ قَالَ : قَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي قَدْ ذَكَرُوهُ . وَلَكِنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا , وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَذَلِكَ قُعُودُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِمَامًا لَهُ , لَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْعُدُ عَنْ يَمِينِهِ . فَلَمَّا قَعَدَ عَنْ يَسَارِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ , دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ , وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْمَأْمُومُ . وَحُجَّةٌ أُخْرَى , أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي حَدِيثِهِ : فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ ، فَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ , وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ الْإِمَامَ , وَلَوْلَا ذَلِكَ , لَمْ يَقْرَأْ , لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةً يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ , وَلَا عَلِمَهُ مَنْ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ . فَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ , كَانَتْ مِمَّا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ , وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهَا , وَكَانَ النَّاسُ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ , كَمَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ . ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إِمَامًا . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّ دُخُولَ الْمَأْمُومِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ , قَدْ يُوجِبُ فَرْضًا عَلَى الْمَأْمُومِ , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ , وَلَمْ نَرَهُ يُسْقِطُ عَنْهُ فَرْضًا قَدْ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ . فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْمُسَافِرَ يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْمُقِيمِ أَرْبَعًا , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَهُ , وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ , دُخُولُهُ مَعَهُ . وَرَأَيْنَا مُقِيمًا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ مُسَافِرٍ , صَلَّى بِصَلَاتِهِ , حَتَّى إِذَا فَرَغَ أَتَى بِتَمَامِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ , فَلَمْ يَسْقُطْ عَنِ الْمُقِيمِ فَرْضٌ بِدُخُولِهِ مَعَ الْمُسَافِرِ , وَكَانَ فَرْضُهُ عَلَى حَالِهِ غَيْرَ سَاقِطٍ مِنْهُ شَيْءٌ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الصَّحِيحُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْقِيَامِ إِذَا دَخَلَ مَعَ الْمَرِيضِ , الَّذِي قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ فِي صَلَاتِهِ , أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الدُّخُولُ مُسْقِطًا عَنْهُ فَرْضًا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْعَبْدَ الَّذِي لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ , يَدْخُلُ فِي الْجُمُعَةِ , فَيُجْزِيهِ مِنَ الظُّهْرِ , وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضٌ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا . قِيلَ لَهُ : هَذَا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا , فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا مَعَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ , كَانَ دُخُولُهُ إِيَّاهَا يُوجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى إِمَامِهِ , فَصَارَ بِذَلِكَ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى إِمَامِهِ , فِي حُكْمِ مُسَافِرٍ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ , فَقَدْ صَارَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا عَلَى إِمَامِهِ , وَصَارَتْ مُجْزِئَةً عَنْهُ مِنَ الظُّهْرِ , لِأَنَّهَا صَارَتْ بَدَلًا مِنْهَا . فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ , لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِدُخُولِهِ فِيهَا أَجْزَأَتْهُ مِنَ الظُّهْرِ , لِأَنَّهَا صَارَتْ بَدَلًا مِنْهَا . فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ دُخُولَ الرَّجُلِ فِي صَلَاةٍ غَيْرُهُ , قَدْ يُوجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ , قَبْلَ دُخُولِهِ فِيهَا , وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ , مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي , الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , إِذَا دَخَلَ مَعَ مَنْ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ فِي صَلَاتِهِ , لَمْ يَكُنْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِدُخُولِهِ مِنَ الْقِيَامِ , مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ . وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ لِصَحِيحٍ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَرِيضٍ يُصَلِّي قَاعِدًا , وَإِنْ كَانَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ . وَيَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَاعِدًا فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَهُمْ قِيَامٌ مَخْصُوصٌ , لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ , مِنْ أَخْذِهِ فِي الْقِرَاءَةِ , مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ , وَخُرُوجِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْإِمَامَةِ إِلَى أَنْ صَارَ مَأْمُومًا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ , وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ , بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فَدَلَّ ذَلِكَ , عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , قَدْ كَانَ خُصَّ فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ , بِمَا مُنِعَ مِنْهُ غَيْرُهُ