" أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ حم "
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّانَ ، قَالَ : ثنا زُهَيْرٌ ، قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاقَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ ، يَذْكُرُ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ حم حَدَّثَنَا صَالِحٌ ، قَالَ : ثنا سَعِيدٌ ، قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِي حم مِمَّا قَدِ اتُّفِقَ عَلَيْهِ , وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِهَا . وَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا مِنَ السُّجُودِ فِي السُّوَرِ الْأُخَرِ , فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَعَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , وَكَانَ مَوْضِعُ كُلِّ سَجْدَةٍ مِنْهَا , فَهُوَ مَوْضِعُ إِخْبَارٍ , وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ أَمْرٍ ، وَقَدْ رَأَيْنَا السُّجُودَ مَذْكُورًا فِي مَوَاضِعِ أَمْرٍ , مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : {{ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكَ وَاسْجُدِي }} وَمِنْهَا قَوْلُهُ : {{ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }} فَكُلٌّ قَدِ اتَّفَقَ أَنْ لَا سُجُودَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ , أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَوْضِعٍ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ , هَلْ فِيهِ سُجُودٌ أَمْ لَا ؟ أَنْ نَنْظُرَ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ أَمْرٍ , فَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمٌ , فَلَا سُجُودَ فِيهِ . وَكُلُّ مَوْضِعٍ فِيهِ خَبَرٌ عَنِ السُّجُودِ , فَهُوَ مَوْضِعُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ , فَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ , مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ . فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ مَوْضِعُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ , وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ لَيْسَ مَوْضِعَ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ , وَهُوَ قَوْلُهُ : {{ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }} فَذَلِكَ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ . فَكَانَ النَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ , وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا مِنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ هُوَ قَوْلُهُ : {{ كَلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }} فَذَلِكَ أَمْرٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ . فَالنَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعَ سُجُودِ تِلَاوَةٍ . وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ هُوَ مَوْضِعَ سُجُودٍ أَوْ لَا هُوَ قَوْلُهُ {{ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ }} فَذَلِكَ مَوْضِعُ إِخْبَارٍ لَا مَوْضِعُ أَمْرٍ . فَالنَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ , وَيَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ السُّجُودِ يُرَدُّ إِلَى مَا ذَكَرْنَا . فَمَا كَانَ مِنْهُ أَمْرًا رُدَّ إِلَى شَكْلِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُجُودٌ , وَمَا كَانَ مِنْهُ خَبَرًا رُدَّ إِلَى شَكْلِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ , فَكَانَ فِيهِ سُجُودٌ . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ . فَكَانَ يَجِيءُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ حم هُوَ الْمَوْضِعَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ خَبَرٌ , هُوَ قَوْلُهُ {{ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ }} لَا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ خَالَفَهُ , لِأَنَّ أُولَئِكَ جَعَلُوا السَّجْدَةَ عِنْدَ أَمْرٍ , وَهُوَ قَوْلُهُ : {{ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }} فَكَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ أَمْرٍ , وَكَانَ الْمَوْضِعُ الْآخَرُ , مَوْضِعَ خَبَرٍ , وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّظَرَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ السُّجُودُ فِي مَوَاضِعِ الْخَبَرِ , لَا فِي مَوَاضِعِ الْأَمْرِ . فَكَانَ يَجِيءُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ غَيْرُ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ , لِأَنَّ الثَّانِيَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا إِنَّمَا مَوْضِعُهَا فِي قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا سَجْدَةً , مَوْضِعَ أَمْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ {{ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ }} الْآيَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَوَاضِعَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ , هِيَ مَوَاضِعُ الْأَخْبَارِ , لَا مَوَاضِعُ الْأَمْرِ . فَلَوْ خُلِّينَا وَالنَّظَرَ , لَكَانَ الْقَوْلُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنْ نَنْظُرَ , فَمَا كَانَ مِنْهُ مَوْضِعَ أَمْرٍ لَمْ نَجْعَلْ فِيهِ سُجُودًا , وَمَا كَانَ مِنْهُ مَوْضِعَ خَبَرٍ جَعَلْنَا فِيهِ سُجُودًا , وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَوْلَى . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سُورَةِ ص فَقَالَ قَوْمٌ : فِيهَا سَجْدَةٌ , وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَ فِيهَا سَجْدَةٌ . فَكَانَ النَّظَرُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَجْدَةٌ , لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي جَعَلَهُ مَنْ جَعَلَهُ فِيهَا سَجْدَةً , وَمَوْضِعُ السُّجُودِ هُوَ مَوْضِعُ خَبَرٍ , لَا مَوْضِعُ أَمْرٍ , وَهُوَ قَوْلُهُ {{ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }} فَذَلِكَ خَبَرٌ . فَالنَّظَرُ فِيهِ أَنْ يُرَدَّ حُكْمُهُ إِلَى حُكْمِ أَشْكَالِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ , فَيَكُونَ فِيهِ سَجْدَةٌ كَمَا يَكُونُ فِيهَا . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ